-
إطلاق موقع الجامعة الالكتروني
Deprecated: strlen(): Passing null to parameter #1 ($string) of type string is deprecated in /home/staging/public_html/slider5.php on line 93
-
قسم الفلسفة
المزيد ...حول قسم الفلسفة
حقائق حول قسم الفلسفة
نفتخر بما نقدمه للمجتمع والعالم
21
المنشورات العلمية
212
الطلبة
0
الخريجون
منشورات مختارة
بعض المنشورات التي تم نشرها في قسم الفلسفة
العولمة وآثارها الثقافية والسياسية على الوطن العربي
مع مطلع العقد الأخير من القرن العشرين حدثت مجموعة من المتغيرات الدولية والإقليـمية ألقت بظلالها على جميع أوجه الحياة، وساهمت تلك المتغيرات في مجملها في ظهور نظام عالمي تحتل فيه مجموعة قليلة من الدول مقعد القيادة، وتمارس مختلف أشكال السيطرة والهيمنة والوصاية على العالم فى ظل ما اصطلح على تسميته بالعولمة، فقد ألقت العولمة بتداعياتها على جميع أوجه الحياة، وبدأت آثارها تظهر فى مختلف بلدان العالم والبلدان العربية بوجه خاص، بعد أن دخلت كثير من الدول دائرة الغرب واهتماماته بشكل واضح، وفتحت آفاقاً للترابط مع النظام الجديد، على نحو يصعب الفكاك منه واختلفت الآراء حول العولمة فهناك من يرى ضرورة سرعة الاندماج وخاصة الدول النامية في النظام العالمي الجديد، حتى يتسنى لهذه الدول الاستفادة من التطورات التكنولوجية و زيادة حجم التجارة والاستثمار الدوليين، وذهب فريق آخر إلى أنه من الخطر على الدول الأقل نمواً الاندماج في النظام الجديد . وأياً كانت الآراء فإن العولمة طرحت العديد من التساؤلات حول من المستفيد من النظام العالمي الجديد ؟ وهل هناك خيارأمام الدول العربية خاصة باعتبارها من الدول الأقل نمواً في الاندماج في هذا النظام ؟ فهناك مجموعة من المتغيرات المصاحبة للعولمة ، التي أخذت تشكل تحديات تفرض نفسها على الساحة العربية، وتستلزم ضرورة العمل على تعظيم الإيجابيات على قدر الإمكان وتقليل السلبيات التي يمكن أن تلقي بظلالها على واقع السياسة والثقافة العربية، فهذه الدراسة تناقش آثار العولمة وتحدياتها على مستقبل الأمة العربية، وكيفية مواجهتها في مختلف المجالات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية، وهي تحديات متداخلة يصعب فهمها بشكل منفصل. إن العولمة المعاصرة تعني الخضوع لمجموعة من القواعد والمعايير الدولية التي تنظم مجالات كانت تدخل في صميم سيادة كل دولة: من حقوق الإنسان في المجال الـسيـاسـي، إلـى اقـتصـاد الـسـوق بـمـا يتـضمنـه من إزالة القيود على انتقال رأس المال ، والسلع، والخدمات ، والعمالة، وحقـوق الـملكية الفكرية في المجال الاقتصادي، وانتقال الأفكار والمعلومات في المجال الثقافي، حيث تهدف عولمة الثقافة إلى صهر الثقافات المحلية في بوتقة واحدة، قد تضيع معها الخصوصيات الثقافية، ومن ثم فإن عولمة الثقافة تشكل خطراً كبيراً على الثقافات المحلية، حيث تصبح تلك الثقافات أكثر عرضة للغزو الثقافي في ظل التطور غير المتكافئ الذى طرأ على وسائل الإعلام مما يؤدي إلى زيادة المستهلكين لمنتجات الثقافة الغربية، ففـي ظل العولمة بدأت تظهر مخاطر الاختراق الثقافي، وتهـديـد الخصوصية والتبعية الثقافية للدول الأقل نمواً حيث تتجلى تداعيات العولمة الثقافية في التوجه لصياغة ثقافة عالمية من خلال تعميم النمودج الغربي الأمريكي، وبذلك يصبح الحفاظ على الهوية الثقافية والخصوصية الحضارية أحد التحديات التي تواجه الأمة العربية. ومما لاشك فيه أن الثورة المعلوماتية تركت بصماتها على دور الدولة الـذي بدأ يضعف فـي مجتمع عصر التدفق الحر للمعلومات عبر تقنيـات الاتصال الحديثة ولم يعد بالإمكان التحدث اليوم عن السيادة الإعلامية ضمن الحدود السياسية للدولة، وعن التحكم بعملية تدفق المعلومات داخل تلك الحدود، وبالتالي الانفراد بتشكيل عقول مواطني الدول بما يضمن الولاء التام للدولة، خاصة وإن تأثير ثورة المعلومات قد شمل سلباً الدولة بكل مكوناتها من حدود سياسية معترف بها، وشعب وحكومة، وأصبحت السيطرة على عملية تدفق المعلومات شبه مستحيلة بعد أن تحولت المعلومـات إلـى عناصر ملموسة، وغير مرئية، يسهل تنقلها واختراقها لأية حدود جغرافية، فقد تقلص البعد الجغرافي، وزال الفاصل الزمني، وأصبحت تقنيات الاتصال الحديثة تقفز من فوق الحواجز وتخرقها. وتكمن اشكالية هذه الدراسة في أن هناك انبهاراً بحضارة الغرب والرغبة في التشبه بها دون اقتراح آليات ومشاريع علمية و عقلية لتحقيق ذلك ، فالحاجة ماسة اليوم إلى ممارسة النقد الحر، والسعي إلى بناء كل ما هو مثمر وجديد. إن هذا العصر هو الذي يحدد ما تكون عليه أمة من الأمم من ناحية القوة والضعف ومدى تجاوبها السلبي أو الإيجابي مع معطيات العصر وتقلباته، وعلى مدى جدية الموقف العربي في التفاعل مع العولمة لأخذ مكانة متقدمة بين الأمم، بحيث نسهم في بلورة رأي بشأن الظروف الموضوعية للنشاط الفكري الثقافي المعاصر لنرى مدى اقترابه أو ابتعاده عن الطموح في التقدم العربي. مما تقدم فإن العولمة، تشير إلى متغيرات حقيقية ذات أهمية أساسية، ولهذه المتغيرات آثار عميـقة فـي السياسة كما في الاقتصاد والثقافة والنشاطات الأخرى، فالعولمة فيها من الفرص بقدر ما فيها من المخاطر، والقدرة على اغتنام الفرص وتجنب المخاطر تعتمد إلى حد كبير على القدرة على التعامل مع الظواهر الجديدة القادمة مع العولمة، فيجب التحرك بسرعة المتغيرات نفسهـا، ليـكـون لـنـا رأي ودور فـي هذه المتغيرات. ونـظـراً لأهـميـة الـمـوضـوع وخـطـورتـه عـلـى الـوطـن الـعـربـي، وفـي ضـوء الـتـحديـات والـمستجـدات الـتي يـشهـدهـا الـعـالـم، وانـقسـام رؤى الـمـفـكـرين والـمثـقفـين حـولـهـا، جـاءت هـذه الـدراسـة مـحـاولـة لـتحليل بعض الآثار المترتبة على العولمة، من خلال آراء المفكرين والمثقفين، وذوي الاهتمام بهذا الموضوع ، وقد تناولت الباحثة التأثيرات المتعددة للعولمة، وكان التركيز على أربع محاور أساسية: المحور الأول: يدورحول العولمة من ناحية تحديد المفهوم والنشأة التاريخية، وأثر المتغيرات الدولية المعاصرة، لاستيضاح طبيعتها وتحديد موقعها، فمن الصعب الحديث عن العولمة بمعزل عن تطور الرأسمالية العالمية والمتغيرات الدولية المعاصرة في ظل ثورة المعلومات. المحور الثاني: يتعلق بالثقافة العربية والخصوصية والهوية، وما يحدث الآن من تشويه للثقافات على مستوى العالم، ولما للإعلام من دور في نشر وتسويق الثقافة الأمريكية والثقافة الغربية التي تتصادم مع المحلي القائم، فما يحدث الآن هو صراع بين الوافد والمحلي، مما يهدد بالاستبعاد والتشويه للثقافات المحلية الخاصة، فقد تم التركيز في هذا الجانب على أثر الثقافة الغربية على الثقافة العربية الإسلامية في ظل عصر المعلومات. المحور الثالث: يتعلق هذا المحور بالجوانب السياسية، حيث إن تطورات الأوضاع العالمية في العقد الأخير من القرن العشرين قد كرست مفهوم الأحادية القطبية، وتشكيل النظام الواحد المهيمن، مما يدعونا إلى التساؤل عن وضع الدولة وموقعها في هذا النظام الأحادي، فالدولة بدأت تنهار وتضعف أمام قوى الشركات العملاقة التي تسعى إلى إسقاط حق الدولة في التدخل بالشؤون الداخلية والخارجية، من خلال فتح الأسواق، وسيطرة المنظمات العالمية على أمور السياسة واستبعاد الدبلوماسية، فعصر العولمة هو عصر تسقط فيه الحدود وتفتح فيه الأسواق، وهو عصر الشعارات كحقوق الإنسان والديمقراطية التي تأتي جاهزة من الخارج، وتسيس بها الدول حسب مصالحها، بالإضافة إلى حق التدخل وحق تقرير المصير التي هي مجرد شعارات فارغة . المحور الرابع: يتعلق بالهيمنة الاقتصادية وتبعاتها السياسية والثقافية على الوطن العربي، وهوجانب أتعرض فيه لنقد ظاهرة العولمة، فالهدف اقتصادي وهو بالتالي يؤثر في السياسة والثقافة والتبعية للغرب المسيطر. وفي ظل ذلك وانطلاقاً من أن الأحداث الدولية التي يشهدها العالم اليوم، أصبحت تؤثر في الحياة العربية، فقد عرضت للتحديات التي تواجه الثقافة والسياسة العربية أمام التحول العميق الذي أحدثته ثورة الاتصالات، وذلك من خلال عرض وتحليل عدد من الدراسات والبحوث المهمة المتعلقة بالدراسة ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الباحثة ما يلي: العولمة ظاهرة تستهدف تحطيم الحدود الجغرافية والجمركية وتسهيل نقل الرأسمالية عبر العالم كله كسوق عالمية، مما يعني انفتاح الحدود الاقتصادية والتشريعات التي تسمح للنشاطات الاقتصادية الرأسمالية بتوسيع حقل عملها ليشمل العالم كله، فالعولمة هي حقبة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء في ظل هيمنة الدول الصناعية الكبرى وبقيادتها وتحت سيطرتها، وفي ظل سيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ، العولمة بذلك هي العملية التي عن طريقها تصبح الأسواق والإنتاج في الدول المختلفة معتمدة كل منهما على الأخرى بشكل متزايد بسبب ديناميات التجارة في السلع والخدمات وتدفق رأس المال والتكنولوجيا، وهي ليست ظاهرة جديدة، ولكنها استمرارية للتطورات التي تتابعت لفترة طويلة من الزمن. فقد مرت العولمة بعدة مراحل منذ بداية الكشوف الجغرافية، أهمها: مرحلة تطور الرأسمالية التجارية، ثم الرأسمالية الصناعية، وبعدها الرأسمالية المالية، تليها رأسمالية بعد الصناعة أو الثورة التكنولوجية، وهي التي بدأت تترسخ أكثر فأكثر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتميزت هذه المرحلة بتطور في مجال البحث العلمي التطبيقي في التنمية الاقتصادية، ففي هذه المرحلة المتقدمة من تطور الرأسمالية تندرج العولمة باعتبارها مظاهر اقتصادية اجتماعية وسياسية لإنجازات علمية وتكنولوجية مثلت ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصال روحها وعمودها الفقري، ولا تمثل الموجة قفزة نوعية في تطور وسائل الإنتاج فقط بل أيضاً مرحلة جديدة في مراحل الرأسمالية. فهنـاك ربـط بين تطورالـعلم والـعولمة، ولكن التقدم العلمي وسيلة وليس سبب العولمة، فالربط بين التقدم العلمي والعولمة يستهدف تحرير العولمة على أنها نتاج التقدم العلمي مثل أي إنجاز آخر، ويتجاهل بأن التقدم الـعلـمـي يجري في خدمة الرأسمال، والتقدم العلمي إنجاز كل البشرية في تاريخها الطويل لسعادة الإنسان وليس لـخـدمـة الـرأسمـال. كانت الثقافة العربية في تاريخها الطويل ثقافة حوار وتعاون وكانت بحكم موقعها الجغرافي منطقة لقاء الثقافات وامتزاجها، وكانت بحكم طبيعة العرب المنفتحة أخذاً وعطاءً ثقافة تعاون وتفاهم بين الشعوب، ومع التطور الفائق السرعة الذي حققته التقنية في مجال الاتصال بين الأمم والشعوب أصبح الحوار والتعاون لزاماً، يضاف إلى ذلك أن الثقافة تنمو وتزدهر كقيمة في الحضارة الإنسانية بقدر تفاعلها مع الثقافات الأخرى، وبما تقدمه لتفاهم الشعوب وتعاونها من إسهام في إغناء الحضارة. فقد أصبح عبور المجتمعات المعاصرة إلى الحداثة العالمية ضرورة حتمية، لا فرق في ذلك بين مجتمعات متقدمة ومجتمعات نامية ، قد يبدو عبء العبور بكل تكاليفه الاقتصادية والثقافية أسهل بالنسبة للمجتمعات المتقدمة التي خاضت اختبارات الحداثة منذ قرون، إذا ما قورنت بالمجتمعات النامية، فمعركة المجتمعات النامية تتطلب السعي لمحاولة العبور إلى العالمية في عصر العولمة، بكل ما تفرضه من شروط سياسية وقيود اقتصادية، فالنقل عن الحداثة الغربية يفتح الطريق أمام التبعية الثقافية ويكرسها ، فالانبهار بالعقل الغربي ومنجازاته، واحتقار العقل العربي ومنجازاته تقع في قلب الشرخ الثقافي الذي يعيشه الإنسان العربي اليوم. إن مراكز المعلومات وتكنولوجيا الاتصال هي التي تمتلك اليوم مفاتيح الثقافة، ولذلك نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في نشر ثقافتها عبر القارات والترويج لأفكارها وقيمها الثقافية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية، على حساب اكتساح الثقافات الوطنية واتباعها ضمن الحلقة الثقافية الأمريكية إن الحوار بين الثقافات لا يكون منتجاً إذا انغلقت الثقافات، فالبحث عن الهوية الثقافية لا يعني العزلة فكوننا جزءاً من هذا العالم الجديد وإدراكنا لحقيقة العولمة، تؤكد حاجتنا إلى تعزيز خصوصيتنا في مواجهة أخطار التبعية وإلغاء الهوية القومية، فلوسائل الاتصال الدور الأكبر في حماية الثقافة ونقلها وتغيرها أيضاً، كما أن للأفراد خصوصيتهم و كل شعب من شعوب العالم له ذاته القومية، ومن حق شعوب العالم أن يتم التعبير عنها وعن هويتها الثقافية ، حيث صارت وسائل الاتصال تهدد الهوية الثقافية في كثير من المجتمعات، فالدول الأكثر قدرة على امتلاك وسائل الاتصال، هي الدول الأكثر هيمنة ثقافية، وهي بالتالي تقوم بتصدير ثقافتها وتعمل على فرضها بطرق واضحة أو خفية، مما يدعو إلى نظام إعلامي جديد، والمقصود من هذا النظام الذي يدعو إليه الكثيرون مواجهة المواقف السلبية الناتجة عن أساليب الترويج والإعلانات التجارية، وتلافي العواقب الناتجة عن بعض الجوانب من هذا النوع من الإعلام، التي تنال القيم الثقافية والاخلاقية في مختلف المجتمعات. بدأت عملية احتكار المعلومات مع بداية الثورة الصناعية حيث كان الحرص على عدم انتقال التكنولوجيا من بلد لآخر، وفي وقتنا الحاضر أصبحت المعلومات عنصراً أساسياً لا غنى عنه في أي نشاط، فهي المادة الخام للبحوث العلمية، وهي الأساس والمحك الرئيس لاتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب، ومن يملك المعلومات الصحيحة في الوقت المناسب يكون قد ملك عناصر القوة والسيطرة، إن توافر المعلومات يساعد على نقل خبراته إلى الآخرين واستيفائها من الآخرين ليستعين بها على إدارة شؤونه وتطوير وسائل إنتاجه وتمكنه من القدرة على القيام بإنتاجية مبتكرة ومتجددة ، فالوضع السيئ لاقتصاديات معظم البلدان النامية وتخلفها في مجالات أخرى كثيرة نابع من تخلفها في مجال المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، وإن التحفظ وسوء الإدارة يعود جزء كبير منه إلى افتقاد هذه البلدان إلى عنصر المعلومات. ويرجع تأخر الدول النامية ومنها الدول العربية إلى افتقارها للحصول على المعلومات التي أصبحت سلعة خاضعة لقانون العرض والطلب الأمر الذي يتيح للشركات الكبرى التابعة للدول المتقدمة احتكارها وبالتالي تعمل على حجب المعلومات الهامة عن الدول النامية التي تحرص على بقائها مستوردة لمنتجاتها المصنعة والتي مصدرها الأساس هذه الدول النامية، إن لتكنولوجيا المعلومات عواقب سيئة ونتائج أخذت ملامحها تظهر وتزداد وضوحاً يوماً بعد يوم، فالتدفق الحر للمعلومات الذي تدعمه القوة الاقتصادية قد أدى إلى موقف عالمي أصبح فيه الاستقلال الثقافي لكثير من الدول يخضع للإنتاج الإعلامي وللمفاهيم التي تبثها قلة من الدول الكبرى التي تتحكم في اقتصادها اعتبارات السوق، والاتهام القائم هو أن مضمون البرامج الإعلامية قد استخدمت أداة هامة لتحقيق الاستراتيجيات الثقافية للدول الرأسمالية، بهدف مد نفوذ أنظمتها. أصبحت شبكة الإنترنت بما توفره من ثروة في المعلومات منبراً للتفاعل بين المستفيدين، فإمكانية الاشتراك في شبكة الإنترنت أصبحت سهلة للغاية، فالإنترنت لها من الإيجابيات بقدر ما لها من السلبيات، ففي إطار ربط العالم عبر الإنترنت في عالم القرية العالمية الصغيرة فإن الفرص أمام النخب العالمية للاتصال والتفاعل الإنساني سوف تزداد، وبالنظر الشامل إلى التطورات الهائلة في مجال الاتصالات سيقوم عصر الوسائط المعلوماتية بتغيرات أساسية منها دخول الحواسيب البيوت في أشكال متنوعة، فقد أصبح المنزل بؤرة اهتمام الشركات المصنعة للحوسبة والاتصالات، وكل هذه الإنجازات والمخترعات المتجددة والمتغيرة بسرعة تؤكد أن ثورة الاتصالات هي روح عصر العولمة وعمودها الفقري، ولا يمكن إدراك أبعاد هذه الثورة إلا بإدراجها في إطار أشمل هو الثورة التكنولوجية والعلمية بشكل عام. تختلط الأمور السياسية بالأمور الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً، وهي بالتالي تصب في الاتجاه نفسه ، فالعولمة السياسية هي انتهاء الحدود بين الدول بحيث تثأثر كل دولة بما يجري حولها من الدول، ولعل أهم سمة من السمات السياسية هو ترسيخ النظام العالمي الجديد، فالعولمة السياسية تعني نشر مفاهيم الديمقراطية الليبرالية وتعميمها وما يصاحب ذلك من رفض وإنهاء للشمولية في الحكم، وتبني التعددية السياسية والالتزام باحترام حقوق الإنسان، وكذلك استخدام الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان في العالم، والحماية الدولية للأقليات، والتدخل الدولي الإنساني، وغيرها من آليات النظام العالمي الجديد. فقد أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية إمبراطورية بلا حدود، وذلك لما تملكه من قوى عابرة للقارات، سواء من النواحي العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية يساعدها كل ذلك قدرة اتصالية فائقة، ففي ضوء المستجدات والمتغيرات الدولية العالمية وجدت الإمبريالية الاستغلالية الأمريكية فرصتها في التمدد والهيمنة على كثير من مناطق العالم عموماً وعلى منطقتنا العربية خصوصاً متذرعة بأحدث الذرائع الزائفة تحت عنوان مقاومة الإرهاب، وجوهره مقاومة كل إمكانية أو حركـة تستهدف استنهاض عوامل القوة والتحرر الديمقراطي القومي، بمثل ما تستهدف تكريس تبعية شعوب هذه الأمة وتخلفها من جهة، وإعادة هيكلتها وتكييفها بما يضمن إلحاقها بصورة شبة مطلقة لسياستها في المنطقة بما يتوافق مع مستجدات المصالح الأمريكية الراهنة إن الشعارات الليبرالية التي تتعلق بتقديس مبدأ حرية السوق، باعتباره الحل لكل مشكلات الإنسانية، تحتاج إلى وقفة نقدية، فلا يكفي رفع شعارات الحرية السياسية والقناعة بسياسة اجتماعية تقوم على التأمينات أو برامج الدعم للطبقات الفقيرة، ذلك أنه حين تزداد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وحين تستولي القلة على الجزء الأكبر من الدخل القومي، فإن المخاطر جسيمة على النظام السياسي ذاته، لأن الجماهير التي تتدهور أحوالها الاقتصادية لن تستكين إلى أوضاعها المتردية، ومن ثم فالاستقرار السياسي وهو ضرورة أساسية لأي نمو أو تنمية يمكن أن تقضي عليه تحركات الجماهير المحبطة. ففي المجال السياسي تتجسد نظرية حقوق الإنسان في شكل الديمقراطية التي يريد الغرب فرضها في كل مكان، ولا يوجد من ينازع في أن الديمقراطية شكل متطور من أشكال الحكم، إلا أن الديمقراطية كما نعرفها اليوم هي صناعة أمريكية، ولدت في مجتمع غربي نتيجة لتطورات طويلة في التاريخ الغربي، إن حقوق الإنسان والديمقراطية نظريات واعدة لا تخلو من مزايا، ولكنها تحتاج إلى عنصر أساسي وهو الاحترام المتبادل، فلكي تنجح العولمة لا بد أن تحترم الشعوب بعضها بعضاً وينتفي مطلب البقاء للأقوى. إن الـدولـة الـمعـاصرة غير قـادرة بمفـردهـا علـى السيطرة على بعض الظواهر مثل الشركات العالمية، والأقمار الاصطناعية والمشاكل العالمية، والأسواق المالية العالمية، حيث إن هذه الظواهر لا يمكن حصرها ضمن فضاء إقليمي يمكن أن تمارس الدولة عليه سلطة حصرية، كما أن التقدم المذهل في تقنيات الاتصالات أدى إلى تدفق الأفكار والمعلومات بين المجتمعات بعيداً عن سيطرة الدولة، مما قلل من سلطتها على اللغة والتعليم والثقافة، إن سلطة الدولة في الحفاظ على قيم المجتمع وتقاليده وأعرافه، والتعبير عنها على النحو الذي يؤكد وجود هوية حضارية متميزة تعمق انتماء المواطن لدولته في مواجهة الآخر، غير أن وظيفة الدولة الثقافية قد تآكلت بفعل تسارع آليات الاتصالات الدولية بفعل العولمة، وأصبح المواطن عرضة لأشكال متنوعة من قيم وتقاليد وأعراف أجنبية عنه. وكل هذا من شأنه تطويع الطابع القومي لشعوب العالم النامي لمقتضيات العولمة وللآليات التي تفرضها قوى السوق، بشكل يخلق نماذج استهلاكية مشوهه، ويفرز قيماً تتعارض مع ثقافة المجتمع، فالتحدي الرئيس أمام العرب اليوم هو كيفية تغير أو ما الذي ينبغي فعله حتى تغيرموقعها من العولمة، وبالتالي تغير دورها فيه من مجرد تابع إلى عنصر فعّال. إن المعركة الحقيقية لا تكمن في مواجهة العولمة كعملية تاريخية، وإنما ينبغي أن تكون ضد نسق القيم السائد الذي هو إعادة لنظام الهيمنة القديم، وهنا ينبغي تحديد طبيعة المعركة في النضال للقضاء على ازدواجية المعايير في تطبيق حقوق الإنسان، وعدم فرض نموذج النظرية الغربية كنموذج أوحد للديمقراطية، وإتاحة الفرصة للشعوب لكي تمارس حقها السياسي، فهناك ضرورة لتقنين حق التدخل، حتى لا يشهر كسلاح ضد الشعب العربي، كـمـا أن قـضية حل الصراعات بأسلوب سلمي، وتحقيق السلام العالمي، وإعادة النظر في مفهوم التنمية على المستوى العالمي، كل هذه الميادين تحتاج إلى نضالات متواصلة لضمان صياغة نسق قيمي عالمي يحترم حرية الشعوب، ويسهم في تقدمها في ظل حضارة إنسانية جديرة بالتحقق، إن الفجوة في المعرفة تتسع بيننا نحن العرب وبين الدول المتقدمة، فنحن ما زلنا في مجال استهلاك المعرفة ولم نعبر بعد إلى مجال المعرفة، ومن ثم لا بد من سياسات فعّالة لضمان الاستهلاك المنتج للمعلومات المتاحة، حتى يكون ذلك مجرد خطوة تجاه الإسهام في إنتاج المعرفة المعاصرة، إن صناعة المستقبل لا يمكن أن تكون حكراً على الدول المتقدمة، بل لا بد من أن نساهم في صنعها من خلال عملية نشيطة وفعّالة لحوار الحضارات نقدم فيها صورة إيجابية وخلاقة لحضارتنا . إن هيمنة العولمة على النظام الاقتصادي الدولي وقلق كثير من الدول النامية ومنها الدول العربية، من عدم تعبئة مجتمعاتها التعبئة الشاملة والحقيقية لمواجهة الاحتياجات المستقبلية ، يؤكد أن تطبيق مبادئ التنمية المستدامة هو الطريقة الصحيحة والأكثر فاعلية ؛ لأن الاهتمام برأس المال البشري وزيادة قدرته على التكيف مع التطورات التكنولوجية العملاقة من أهم عوامل الاستفادة من العولمة بدلاً من التخوف من سلبياتها، فليس هناك من بديل أمام الدول العربية في أن تكاملها في الاقتصاد العالمي في المدى الطويل، ونجاحها في تحقيق ذلك يتوقف على قاعدة من الموارد البشرية القادرة على التنافس، حيث تُعَدّ المعرفة عنصراً جوهرياً من عناصر الإنتاج ومحدداً أساسياً للإنتاجية، فقد أصبح تمايز الاقتصاديات يرتكز على مستوى التقدم العلمي والتكنولوجي، كذلك يجب الاهتمام بزيادة الإنفاق على البحث والتطوير العلمي، إذ لا سبيـل للأمة العربية في البقاء والحفاظ على قيمها وثراثها وهويتها العربية والإسلامية إلا بالعلم . إن الأمة العربية بكل أقطارها وتفرعاتها المصطنعة تشكل اتفاقاً خصائصياً من حيث القيم والتقاليد والتاريخ والدين واللغة، أي إنها تمثل نموذجاً فريداً يجعل من السهل عليها واليسير أن تقيم سياسة ثقافية إعلامية تقيم بعض الحواجز ضد الاختراقات الاستغلالية الغربية، التي تستهدف كيان الأمة وخصائصها القيمية والثقافية، ومحاولة طمس الهوية والذاكرة التاريخية للأمة العربية، وتحصنها ولو جزئياً من أنماط وسلـوكيات الحياة الغربية والأمريكية التي أصبحت جوهر العولمة ، إن العولمة الأمريكية تسعى جاهدة ودون أي تهاون إلى اختراق الأمة العربية مستخدمة كل الوسائل: إعلامية وثقافية وسياسية، وعلينا التسليم أن العولمة تؤدي إلى وجود رابحين كما تؤدي إلى وجود خاسرين، وغير مستفيدين منها، فلا بد من اتخاذ الإجراءات والاحتياطات التي تخفف من حدة اللامساواة الحاصلة من العولمة. إن حماية ثقافتنا رهينة بمدى رغبتنا نحن في العمل على انعاشها والاستفادة من معطيات العولمة والتفاعل معها أخذاً وعطاءً، لا رفضاً وسلباً، فالوصول إلى رسم سياسة عربية تربوية وثقافية موحدة في إطار رؤية عربية للتنمية الشاملة أصبح اليوم أمراًً حتمياً، سياسة تجمع بين القيم الأصيلة في حضارتنا العريقة والقيم الإنسانية الكبرى في الحضارة البشرية كالحرية والمساواة بين البشر وتوفير المناخات الملائمة للنهوض بالإنسان.
أسماء أحمد الحميدي(2008)
Publisher's website
أسماء أحمد الحميدي(2008)
الخطاب النقدي في الفكر الإسلامي المعاصر دراسة تحليلية – محمد أركون نموذجا
ما يجب الإشارة إليه في خاتمة هذا البحث ومن البداية هو العلاقة الوطيدة بين الإسلام والعقلانية فدين الإسلام هو دين العقل وهذا ما أشرنا إليه في بحثنا وهذا ما أستنتجناه من خلال العديد من الآيات القرآنية التي تؤكد على تكريم الإنسان بهذه الملكة، وكذلك التأكيد على ضرورة استخدام هذه الهبة التي ميز بها الله الإنسان عن سائر خلقه. ولكن ما نود الإشارة إليه وما توصلنا إليه من خلال قراءاتنا لتاريخ الفكر الإسلامي لاحظنا أن هناك تياراً قوياً وجارفاً حجم العقل وحارب العقلانية من أجل ترسيخ مفاهيم لا علاقة لها بما هو مسطر في كتاب الوحي. ومن خلال الجهد الذي بدلناه من أجل الاطلاع على الفكر النقدي والخطاب النقدي في الفكر الإسلامي اتضحت لنا محطات مهمة جداً بخصوص هذا الموضوع، فقد اتضح أن الحضارة الإسلامية وخاصة في عصر الازدهار كانت حضارة الرأي والرأي الآخر كانت منفتحة على كل التيارات والاتجاهات الفكرية السائدة في ذلك الوقت إغريقية ولاتينية وفارسية، يهودية ومسيحية وحتى على الديانات التي تصنف بأنها ليست ديانات وحي وكانت المدارس الفكرية الكلامية والفلسفية في أوج ازدهارها وقوتها وهي التي كانت السند الكبير للدولة الإسلامية على جميع الأصعدة فهذه الحضارة هي التي أنجبت ابن سينا وابن رشد وغيرهم من الفلاسفة الذين كانوا جسر العبور لكل الفلسفات والأفكار التي سبقتهم ونقلوا كل هذه الفلسفات والاتجاهات إلى كل الشعوب التي تعاملت واحتكت بالحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي، ولم يكتف فلاسفة الإسلام بالترجمة ونشر هذه الأفكار والاتجاهات بل طوروا وبلوروا العديد من الأفكار التي ستصبح ركيزة لتقدم شعوب العالم. ومثال على ذلك الرشدية اللاتينية، فالرشدية اللاتينية يؤكد العديد من المفكرين أنها الأساس الذي قامت من فوق أسسه الفلسفة الغربية الحديثة، وعندما نتحدث عن الفلسفة الغربية فنحن نتحدث على العقلانية التي استعارها الغرب من بلاد المسلمين والتي هي من أنجب كل هذه المدنية الرائعة التي ينعم بها الغرب، وكذلك أنجبت هذه الحضارة في فترة الازدهار أعظم المدارس اللاهوتية وأقصد تحديداً فرقة المعتزلة تلك الفرقة التي يعتبرها الكثير من النقاد من الفرق التي لو استمرت ولم يقض عليها لكان حال المسلمين أفضل من هذا الحال "إن أكبر قطيعة في تاريخ الإسلام (كما يؤكد أغلب النقاد هي تلك المتمثلة بالقضاء على مذهب المعتزلة) هذا المذهب الذي فهم معنى الدعوات المتكررة للعقل والعقلانية في القرآن إنه المذهب الذي دافع بقوة عن مقولة خلق القرآن، وبالتالي عن موضعة النص القرآني داخل التاريخ ونفهم من ذلك أن المعتزلة كانوا أكثر وفاء لروح القرآن من غيرهم لأنهم طبقوا التفسير العقلاني الذي أمر به القرآن ذاته وبالتالي فإن تصفية هذا المذهب العقلاني أدى إلى تجميد وتقديس ما كان ينبغي أن يظل منفتحاً ودينامكيا ولو لم يصفى مذهب المعتزلة لما سيطرت الحركات اللاعقلانية على الساحة الإسلامية بهذا الشكل وهي حركات تغلب النقل على العقل"(1)، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا ماتت الفلسفة والتفكير العقلاني في بلاد الإسلام واستمرت بكل قوة في العالم الذي يجاورنا ؟، وأيضاً نطرح سؤالاً آخر ونبحث له عن إجابة، ما هي الآليات التي ثم بها القضاء على الفكر العقلاني؟، ولما انتهى كل ما يمت للخطاب النقدي العقلاني في العالم الإسلامي؟. كل ما هو اليوم مسكوت عنه ومن الاستحالة التفكير فيه كان مطروحاً على مائدة الجدل كل الاتجاهات الفكرية كانت تجاهر بآرائها وكذلك كل المفكرين يعلنون مواقفهم من كل القضايا المطروحة وكانت المنتديات الفكرية تكتظ بكل الفلسفات والأفكار في كل عواصم الفكر الإسلامي حين ذاك، إلا أن الفكر الدوغمائي الأرثوذوكسي استطاع في نهاية الأمر أن يحسم المعركة لصالحه ولصالح التخلف والخروج من التاريخ. في بحثنا هذا كان المفكر النقدي محمد أركون هو نموذجاً لدراستنا ومن خلال كتاباته حاولنا أن نتتبع الإجابات التي نبحث عنها، دون الدخول في متاهات الاصطلاحات والمصطلحات والتعاريف والمفاهيم التي استخدمناها في هذا البحث وكانت الوسيلة التي بها ثم استعراض مجمل الآراء والأفكار التي تتعلق بموضوع هذا البح. ندخل مباشرة إلى ما استخلصناه من قراءتنا ومن الجهد الذي بدلناه في محاولة الإلمام والإحاطة بما يريد أن يقوله صاحب مشروع نقد العقل الإسلامي وفي هذه الخاتمة سنحاول أن نبين أهم المرتكزات والأسس التي بني عليها أركون مشروعه الفكري وسنحاول أن نوجز ذلك بقدر استطاعتنا وفي نفس الوقت نريد أن لا نختزل أياً من الأفكار التي تطرقنا إليها في هذا البحث. يؤكد أركون على ضرورة قراءة التراث الإسلامي قراءة جديدة وجيدة قراءة نقدية تستخدم كل ترسانة علوم الإنسان والمجتمع الحديثة دون أن نهمش أياً من أجزاء هذا التاريخ، ونحاول أن نسلط الأضواء على الأجزاء الموءودة من هذا التراث ونعود إلى لحظة التدشين في كل القراءات وربط هذه القراءات بمفهوم التاريخية الذي أسهبنا في شرحه خلال بحثنا هذا، وأركون من خلال هذا الطرح يحاول أن يؤسس لمنهجية جديدة في دراسة وتناول التراث والفكر الإسلامي وهذه المنهجية يطلـق عليهـا الإسلاميات التطبيقيـة وهـي منهجيـة جديدة من المنهجيات التي أسسها أركون وبهذه المنهجية يحاول أن ينطلق إلى فضاءات أوسع وأشمل من الفضاءات التي كان الاستشراق بالرغم من جهوده لم يستطع الوصول لها فالإسلاميات التطبيقية هي خلاف أبيستمولوجي وليس أيديولوجي مع الاستشراق الكلاسيكي وفي نفس الوقت هي منهجية مغايرة للمنهجية الأرثوذوكسية الدوغمائية التبجيلية التي يتناول ويدرس بها المسلمين تراثهم وتاريخهم فهي منهجية تحاول دراسة المسكوت عنه والمستحيل التفكير فيه في التاريخ والتراث الإسلامي وحتى في الوقت الراهن، وهي منهجية علمية واقعية لا علاقة لها بالخيال والمخيال والأيديولوجيا منهجية تربط الوقائع والأحداث والأفكار والاتجاهات والفرق بالتاريخ والأرض والسياسة وتضع كل الأمور في نصابها وتطرح كل الأسئلة ونتناول كل ما أسلفناه سابقاً بصورة موجزة وسنبرز كل المحطات المهمة التي استطعنا الإحاطة بها في هذا البحث. الإسلاميات التطبيقية: أركون ينقد العقل الإسلامي في إطار مشروعه الفكري الذي يسميه (الإسلاميات التطبيقية) والتي يهدف منها إلى إحداث قطيعة جذرية مع الدراسات الإسلامية الكلاسيكية التي تتصف برؤية تبوثية وجامدة واستخدام المناهج التاريخية الفلولوجية التي تجاوزتها الحداثة والتطور العلمي وذلك باستخدام المنهجيات الحديثة في علوم الإنسان والمجتمع. المنهج الأركيولوجي: استخدم أركون المنهج الأركيولوجي التفكيكي أي المنهج الحفري وهو منهج استعاره من المفكر الفيلسوف ميشيل فوكو وهذا المنهج الحفري التفكيكي يوظف مجموعة من الأدوات ويستخدم العديد من المناهج ويؤكد على ضرورة التسلح بأدوات منهجية والتي تبلورت بعد الحرب الكونية الثانية في مجال علوم الإنسان والمجتمع بكل فروعها من التاريخ إلى اللسانيات والانتربولوجيا وعلم النفس بجميع مدارسه وعلم الأديان المقارن والسيمولوجيا ثم الأبستمولوجيا والفلسفة ويستند أركون على العديد من الأسماء ذات الباع الكبير في مجال العلوم الإنسانية وكذلك استخدامه لمجموعة من المفاهيم والمصطلحات وليدة المجال الحيوي للفكر الغربي ومنها: رأس المال الرمزي والمعنى والزمن الطويل أو المتطاول والتقطيع الميتي والتاريخية والخطاب السيميائي واللامفكر فيه والمسكوت عنه والأبستومي ومديونية المعنى والعديد من المصطلحات التي كان له الدور الكبير في تأسيسها. اللا مفكر فيه أو المسكوت عنه: يؤكد أركون في كل مشروعه الفكري على منهج نقدي قائم على تصور معين للتراث الإسلامي ونتاجه الفكري فمشروعه يقوم أساساً على إعادة قراءة كل الفكر والتراث الإسلامي قراءة جديدة قراءة كلية قراءة نقدية والمقصد الذي يريد أن يصل إليه أركون هو تتبع كل المساحات التي ظلت بعيدة عن مجال النقد والتفكير وكل ما يدخل تحت إطار المسكوت عنه فكل الأسئلة التي ينبغي طرحها على التراث الإسلامي تدخل في مجال اللامفكر فيه ويشير أركون إلى العديد من القضايا التي أشرنا إليها سابقاً في هذا المبحث ومنها المشكلة التي كانت مطروحة حتى أغلق عليها وهي مشكلة المعتزلة والحنابلة هل القرآن كلام الله أو مخلوق؟، ونحن نعلم أن خياراتنا بهذا الخصوص تؤدي إلى تداعيات تتناقض مع الخيار الآخر وكذلك يشير أركون إلى مشكلة الطائفية التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية وخاصة بين فرقتي الشيعة والسنة ويؤكد أركون على ضرورة فتح هذا الملف المسكوت عنه والعودة إلى لحظة تدشين هذه الفرق لمعتقداتها ومحاولة التصالح والبداية من جديد وخاصة أن الجميع يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ويشير أركون إلى الصراع المسيحي المسيحي بين الأرثوذكس والكاثوليك والكاثوليك والبروتستانت والذي أصبح من الماضي عندما وضع هذا الموضوع على محك النقد في الفكر المسيحي ولم يعد من المسكوت عنه أو المستحيل التفكير فيه، وقضايا كثيرة لا يسمح المجال إلى سردها أو الحديث عنها وتعتبر من المسائل التي تعيق مسيرة المجتمعات الإسلامية نحو التقدم والازدهار. ماهية التراث: ما هو مفهوم التراث عند أركون؟، يعرف أركون التراث بأنه مجموعة متراكمة ومتلاحقة ومتراتبة من العصور والحقب الزمنية وهذه القرون المتطاولة متراتبة بعضها فوق بعض كطبقات الأرض وللوصول إلى الطبقات العميقة أي لحظات التدشين الأولى لا بد من اختراق الطبقات السطحية الأولى والوسطى للوصول إلى الطبقات الأولى، لا بد لمؤرخ الفكر أن يكون أركيولوجي الفكر فالتراث بناء تراكمي تشكل عبر أجيال وحقب زمنية متلاحقة وتتكون من مزيج من الأفكار والتصورات المتداخلة لا نستطيع فيها التفريق بين ما هو أرضي وما هو سماوي وما هو إلهي وما هو بشري وبالتالي كان لا بد من القراءة التفكيكية للمكونات الداخلية المتداخلة والمتراصة لهذا التراث وهذا الفكر وكان لا بد من التعاطي مع هذا المنتج التراكمي للتراث باستخدام المنهجيات التي تتعاطى منتجاته المعرفية بشكلها المتداخل في حدود التصور والمنهج الذي ينتجه. المنهج الإجرائي: أركون حريص على الطابع المنهجي الإجرائي أكثر من حرصه على الوقوف على النتائج أركون دائماً يطرح الأسئلة ويحرك الركود المستوطن داخل العقل الإسلامي فكل كتاباته تتضمن مشاريع في البحث وتقدم رؤوس مواضيع واستفسارات وأسئلة أكثر مما يقدم إجابات عن الأسئلة التي يثيرها في خطاباته فخطاباته تهتم أساساً بتجديد آليات الفكر الإسلامي وربطه بالحداثة الفكرية وحتى بما بعد الحداثة عن طريق الاستفادة من علوم الإنسان والمجتمع. العقل الإسلامي: أركون يتحدث عن العقل الإسلامي الذي يسعى إلى نقده فيحاول البحث عن تركيبته الداخلية وكيفية نشوء هذا العقل وطرق اشتغاله في التاريخ والمجتمع من خلال دراسته التحليلية لهذا العقل من لحظة التدشين ووصل أركون إلى أن هذا العقل التقليدي تفرع إلى عقول عديدة متنافسة وكلها تدعي امتلاك الحقيقة والاستيلاء على المعنى ودخلت في صراع مع بعضها البعض ثم تحولت إلى عقول أرثوذوكسية صلبة مغلقة على ذاتها وهذا يعني ابتعاد هذا العقل على العقلانية الحديثة ومنتجاتها الفكرية انطلاقاً من انغلاق هذا العقل وتشبعه بمفاهيم وقيم موروثة من العصر القروسطي الذي يسوده اللاهوت والتصورات الميتولوجية. العقل والأسطورة في فكر أركون: دائماً أركون يحاول الإشارة إلى الصراع بين اللوغوس والميتوس، المعرفة العقلية والأسطورة لأن الهدف الرئيسي من دراسة الانتربولوجيا الدينية للتراث الإسلامي توضيح العلاقة بين المفهومين السابقين وروابطهما المتغيرة والمتحولة ويؤكد أركون على أن لا مستقبل للعقل الإسلامي إلا إذا تخلص من أرثوذوكسيته ولا يمكنه الانفتاح على العقلانية الحديثة بشكل فعلي وناجح ودائم إلا بتفكيك مفهوم الدوغمائية والأرثوذوكسية التي تحيط به وتغلق أبواب الحداثة أمامه وهذين الاتجاهين من المعرفة يتقاطعان بطريقة تنافسية يحاول كل اتجاه من هذه الاتجاهات المعرفية الإطاحة بالآخر ويرى أركون إنه لا بد من تحطيم المعرفة الأسطورية داخل بنية هذا العقل من أجل انطلاقته إلى رحاب الحداثة ومكتسبات الإنسانية. تحرير العقل الإسلامي: أركون يسعى نحو تفكيك التراث وبنائه من جديد انطلاقا من إعادة إنتاج آليات نقدية تستجيب للتطورات المعرفية التي يشهدها عصرنا هذا والهدف الأساسي هو تحرير العقل الإسلامي من الأساطير التي تشوبه، فأركون ينظر إلى مشروعه باعتباره وسيلة معرفية لفتح وتحرير هذا العقل المغلق ويؤكد على ضرورة انتصار الحداثة الفكرية والخروج من الجمود الذي يعاني منه هذا الفكر بعد أن تحول إلى قلعة مغلقة بالرغم من أن الإسلام في حقيقة الأمر يعتبر حداثة فكرية وعقلية في عصره. أديان الوحي: يسعى أركون إلى محاولة توحيد الرؤية حول الأديان التوحيدية باعتبارها في حقيقة الأمر تجسد ظاهرة الكتاب الموحى به وما ينشأ عن ذلك من تشكيل متخيل مشترك لدى المجتمعات الكتابية محوره هو الكلام المتعالي والمقدس والمعياري لله حيث اعتاد الجميع على إبراز الأديان التوحيدية بصفتها وحياً معطى نزله الله في التاريخ بحسب التنزيل الذي يؤكد عليه القرآن الذي يجد له مقابلاً له في العقيدة المسيحية إن هذا المعطى متعالي ومقدس ويهدي البشر في تاريخهم الدنيوي لكي يحصلوا في نهاية المطاف على النجاة في دار الآخرة "إن القرآن يتموضع داخل خط الديانات التوحيدية مثله مثل التوراث والإنجيل يتموضع داخل منظور الوحي المتصور بصفته تاريخاً للنجاة وهذا التاريخ متقطع إلى مراحل للوحي وكل مرحلة يمثلها نبي من الأنبياء الذين تلقوا الوحي عبر التاريخ الذي يبتدئ بحسب المنظور القرآني بالنبي إبراهيم"(1)، ويستشهد أركون بالقرآن الكريم ((مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ))(2)، ويستمر أركون في اجتهاداته المتعلقة بأديان الوحي يقول بخصوص كلمة مسلم: "المعنى التزامني للكلمة في القرآن ليس هو نفسه المعنى التيولوجي الذي تشكل وساد في العصور التالية: إنها لا تعني المسلم بالمعنى المحصور للكلمة وإنما تعني الخضوع لله وتسليم النفس له وتجسيد هذا الخضوع للحياة الدينية وتكون قدوة ومثالاً في النزاهة وبهذا المعنى تشمل كل المؤمنين وكل الأديان التوحيدية وليس مؤمنو دين وأحد"(3)، ونحن نستعرض فكر أركون بخصوص أديان الوحي ولا يمكننا التعليق على ذلك. وفي نهاية الحديث لا يمكننا القول إلا إن أركون وغيره من النقاد كان هم التخلف يحاصرهم وكانوا يحاولون بذل الجهد للوقوف على أسبابه ومكمن هذا التخلف ومنهم من أخطأ في تحليلاته ومنهم من أصاب ومنهم من مازالت أفكاره وآراؤه في محل الاختبار إلا أننا لا يمكن أن نختلف مع أركون أو غيره عندما يشير إلينا بضرورة القراءة الحديثة للتراث الإسلامي أي القراءة النقدية التاريخية والعقلانية فهي التي ستحرر كل العقول المستلبة منذ زمن طويل والعقلانية هي التي ستزيل العراقيل التي تمنع التطور في مجتمعاتنا وما نود الإشارة إليه أن العقلانية في المجتمعات الإسلامية تصطدم بالقراءة اللا تاريخية العمياء والبكماء والمتخشبة والتي تحتل الشارع وحتى الجامعات وبالتالي المعركة ضخمة جداً وهائلة ولا يمكن أن تكون إلا في بداياتها فالحداثة الفكرية أمل ما زال بعيد المنال بالرغم من أهميته التي تتمثل في تحديث التشريع والقوانين بصورة كلية فالهوة سحيقة بين المفاهيم التراثية لمجمل جوانب الحياة وبين مفاهيم الحداثة الفلسفية والفكرية التي قدمت البشرية ثمناً غالياً من أجل الوصول والحصول عليها. وأخيرا أرجو أن أكون قد لفت الانتباه إلى الفكر النقدي الإسلامي المعاصر والذي أرى أن هاجسه الإجابة عن أسئلة صعبة ومعقدة وفي بعض الأحيان هذه الأسئلة لايوجد من يجروا حتى على طرحها أو الاقتراب منها والحافز على كل ذلك هو الإجابة على السؤال الذي يستمر في محاصرة كل الفضاء الفكري الإسلامي لما نحن خارج التاريخ؟، لما نحن في سبات مستمر؟، في الوقت الذي تتحرك فيه كل الشعوب المتقدمة إلى الأمام في كل لحظة. وفي نهاية الأمر أتمنى أن أكون أضفت ولو جزءاً يسيراً للفكر النقدي الإسلامي، والسلام.
زيدان مولود المنصوري(2012)
Publisher's website
زيدان مولود المنصوري(2012)
فلسفة الحضارة بين ابن خلدون و توينبي دراسة تحليلية مقارنة
في فلسفة الحضارة تطور، والنظر إليها من كونها تقوم على عامل واحد هو المفسر والسر وراء ظاهر أحداث التاريخ إلى النظر إليها على أنها مجموعة من العوامل تتضافر فيما بينها وتتداعم لتشكل بنية الحضارات وتكون بالتالي سبباً في نشوئها كما أنها السبب وراء إنهيارها. وقد اتفق كل من ابن خلدون وتوينبي في النظرة العامة للحضارة، على أنها كائن حي واختلفوا في تفسير هذه الحيوية، فقد فسرها ابن خلدون بدورة تبدأ بالميلاد والنشأة وتمر بالازدهار ثم تنحني نحو الانهيار، فيما ذهب توينبي إلى أبعد من ذلك بعد تطور العقل التاريخي وفق سياق عصره ورأى أنها مجموعة من العوامل تعمل كلها مجتمعة لتشكيل حالات الين واليانج التي تعتري الإنسانية فتجعلها تمر بحالات من الإيجابية والسلبية أو التحدي والاستجابة ، وهو لا يهمل أياً من العوامل التي تعمل مجتمعة لخلق هذه الحالات التي تتوالى على المجتمع الإنساني وتجعله خاضعاً لها . وفي الختام ارجو من الله العلي القدير أن أكون قد وفقت في بيان دورهاتين الشخصيتين الهامتين في تاريخ فلسفة الحضارة، وهما في حقيقة الأمر يشكلان محطتين هامتين في هذا الفرع من المعرفة بكل ماتعنيه هذه الكلمة.
المبروك علي ابوالقاسم عبدالله الفتحلي(2012)
Publisher's website
المبروك علي ابوالقاسم عبدالله الفتحلي(2012)