الاعتراضات النحوية للفاكهي (ت 972ه) على ابن هشام (ت 761ه) في كتابه مجيب النّدا في شرح قطر الندى ومواقفه من بعض النحاة ) دراسة تحليلية.
تهدف هذه الدراسة إلى توثيق هذه الاعتراضات وتجليتها محاولاً ترجيح ما أراه راجحاً بالدليل. وقد دفعني إلى دراسة هذا الموضوع أمور منها: 1- دراسة كتب الأقدمين، وطول النظر فيها بمثابة مجالستهم، والأخذ عنهم، ونافذة لحضارة وأشياخٍ وكتبٍ لم نطلع عليها. 2- أهمية مادة النحو فبها يستقيم اللسان، ويقوَّم الاعوجاج، ويسدَّد الفهم، وتُعدَّل الموازين، وتُصقل الردود؛ فيبعد اللحن. قال الشافعي - رحمه الله-: مَن تَبَحَّرَ في النحو اهتدَى إلى كل العلوم. وهذه أبيات من قصيدة لإسحاق بن خلف المعروف بابن الطَّبيب، يقول فيها: النَّحْوُ يَبْسُطُ مِنْ لِسَانِ الأَلْكَنِ ** وَالمَرْءُ تُعْظِمُهُ إِذَا لَمْ يَلْحَنِ فَإِذَا طَلَبْتَ مِنَ العُلُومِ أَجَلَّهَ ** فَأَجَلُّهَا مِنْهَا مُقِيمُ الأَلْسُنِ لحْنُ الشَّرِيفِ يُزِيلُهُ عَنْ قَدْرِه ِ ** وَتَرَاهُ يَسْقُطُ مِنْ لِحَاظِ الأَعْيُنِ وتَرَى الوَضِيعَ إِذَا تَكَلَّمَ مُعْرِبًا ** نَالَ المَهَابَةَ بِاللِّسَانِ الأَلْسَنِ مَا وَرَّثَ الآبَاءُ عِنْدَ وَفَاتِهِمْ ** لِبَنِيهِمُ مِثْلَ العُلُومِ فَأَتْقِنِ فَاطْلُبْ هُدِيتَ وَلا تَكُنْ مُتَأَبِّيًا ** فَالنَّحْوُ زَيْنُ العَالِمِ المُتَفَنِّنِ والنَّحْوُ مِثْلُ المِلْحِ إِنْ أَلْقَيْتَهُ ** فِي كُلِّ صِنْفٍ مِنْ طَعَامٍ يَحْسُنِ. 3- أن الاعتراضات من المسائل التي عُني بها العلماء قديما وحديثاً؛ فهي تعكس الأصول النحوية التي بنى ويبني عليها النحاة أراءهم بالحجة، والبرهان، وبالتالي تقودنا إلى الابتكار في الفكر، والاحتجاج، فمثل هذه الاعتراضات تفتح آفاق البحث النحوي أمام الطالب، وتدفعه للتفكير الهادف في كثير من المسائل النحوية واللغوية. 4- المكانة التي حظي بها هذا المصنّف ( قطر الندى وبل الصدى ) بين المشتغلين بالعربية وانتشاره الواسع، ويدل على ذلك شروحه، والحواشي التي وضعت عليه، وشرح شواهده، فهو كتاب في غاية الأهمية، ومما زاد من أهميته حسن التقسيم، وسلاسة الأسلوب، وسهولة الاستيعاب. 5- ما لاحظته من كثرة الاعتراضات التي اعترض فيها الفاكهي على ابن هشام في مصنَّفاته المتعددة. 6- أن هذه الدراسة ولا شك تثري الطالب، وتمدّه بملكات البحث والدراسة خصوصاً في مرحلة تعلمه لاسيما أنها تعتمد على عَلَمَيْن كبيرين من أعلام النحو العربي هما: ابن هشام، والفاكهي - رحمهما الله-، فهي بمثابة مناقشة علمية بين عالمين كبيرين لآرائهما اللغوية بشكل خاص، وآراء بعض النحاة بشكل عام، ومما لا شك فيه أنها تثري الدرس النحوي إلى جانب إثراء الفكر للباحث. 7- أن مثل هذه الدراسة تقف بالطالب على كثير من أوجه الاختلافات، وتحقيقها، والتأكد من النسبة إلى العلماء الذين يتردد ذكرهم في كثير من المصنفات، وتمده بملكات البحث، والدراسة المتعمقة المقارنة بالأدلة، والبراهين، وبالتالي ترسيخ الرأي الصحيح منها في الأذهان. 8- أن هذه الدراسة تكشف اللثام عن شخصية علمية مغمورة، لم تنل نصيبها من الشهرة كغيرها من الشخصيات، وإبراز جهود عالم ربما قد غفلت عن جهده كتب التراجم، فجاءت هذه الدراسة إنصافًا له وتقديرًا لجهده اللغوي وأعني به الفاكهي. 9- أن الوقوف أمام اعتراضات عالم مغمور كالفاكهي لعالم محقق مدقق كابن هشام ستقود إلى دراسة منصفة لهما وإلى التعرف على جوانب أخرى أدت إلى هذه الاختلافات إضافة إلى معرفة الأصول التي انطلق منها كل عالم منهما. 10- التعرف على مدى قوّة اعتراض الفاكهي، وإبراز الجوانب الإبداعية له، وبيان أهمية شرحه من حيث أخذه، أو رده لبعض الشواهد، وتعليلاته على ذلك، ومدى قوتها، أو ضعفها مقارنة بما يراه غيره من النحاة. ثالثًا: أهداف الدراسة: تهدف الدراسة إلى أهداف عدة، أهمها: دراسة اعتراضات الفاكهي على ابن هشام في شرحه لكتاب قطر الندى بالوصف، والتحليل العلمي. تصنيف اعتراضات الفاكهي النحوية تصنيفًا موضوعيّا. توثيق هذه الاعتراضات من كتب النحو المختلفة ذات الصلة بكل مسألة. بيان الاستدلال الذي اعتمد عليه الفاكهي، من سماع، أو قياس، أو غير ذلك. إثبات ما تفرد به الفاكهي من آراء لغوية. بيان المذهب النحوي الذي سار عليه الفاكهي. إبراز جهود العلماء في مجال علوم العربية، والتأكد من صحة نسبة الآراء التي نُسبت لهم. رفْدُ المكتبة العربية بإضافة دراسة نحویة إلى سابقاتها.
حسين الهادي محمد الشريف (2016)