المستودع الرقمي لـكلية الآداب - جامعة طرابلس

احصائيات كلية الآداب - جامعة طرابلس

  • Icon missing? Request it here.
  • 26

    مقال في مؤتمر علمي

  • 27

    مقال في مجلة علمية

  • 9

    كتاب

  • 0

    فصل من كتاب

  • 34

    رسالة دكتوراة

  • 241

    رسالة ماجستير

  • 0

    مشروع تخرج بكالوريوس

  • 14

    تقرير علمي

  • 2

    عمل غير منشور

  • 1

    وثيقة

أحكام الديون الربوية وطرق معالجتها في الفقه الإسلامي

إن الفقه الإسلامي بمميزاته وسعته قادر على التعامل مع المستجدات والنوازل مهما كانت، لأنه يستمد أحكامه وأدلته وقواعده من النبع الصافي الذي لا ينضب ولا يكدره شيء، من الشريعة الربانية الخالدة التي اقتضت حكمة الله ومشيئته أن تكون خاتمة للأديان والشرائع السماوية كلها، فما من مجال من المجالات المعاصرة إلا وتجد للشريعة الإسلامية راية ترفع، وكلمة تسمع وهذا يدل على شموليتها وصلاحيتها لكل زمان ومكان . ومن فضل الله وكرمه وجزيل عطائه أن سهل للناس في هذا العصر سبل الحياة وسخر لهم الأجهزة والآلات لخدمتهم، وأسبغ عليهم نعمه الظاهرة والباطنة {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}. والتطور ليس مقصوراً على الشكل والعرض فقط بل شمل الحياة الاقتصادية والنظم الاجتماعية والأعراف والتقاليد بشكل لم تشهده الحياة البشرية على هذه الأرض في أي عصر من العصور . ومن المعلوم أن الشريعة الإسلامية ما أنزلت أصلا إلا لتحقيق مصالح العباد في الدنيا والآخرة وذلك بجلب النفع والخير لهم، ودفع الضرر والشر والفساد عنهم، وأن كل حكم شرعي إنما نزل لتأمين إحدى المصالح أو لدفع إحدى المفاسد، أو لتحقيق الأمرين معا، وأنه ما من مصلحة في الدنيا والآخرة إلا وقد رعاها ديننا الحنيف، وأوجد لها الأحكام التي تكفل إيجادها والحفاظ عليها، ولم يترك الشرع الحنيف مفسدة في الدنيا والآخرة إلا وبيّنها للناس وحذرهم منها، وأرشدهم إلى اجتنابها والبعد عنها ومن جملة الأحكام التي بينها الشرع الحنيف ونظمها أحكام المعاملات المالية، وذلك للأهمية التي منحتها الشريعة الإسلامية للمال إذ اعتبرته إحدى الضرورات الخمس التي لا تستقيم الحياة إلا بها، وعليه فإن من مقتضيات هذا التشريع التزام المصارف والمؤسسات المالية بأحكامه باعتباره الشريان الأساسي الذي تمر من خلاله معظم المعاملات المالية بين الأفراد والجماعات على حد سواء. وقد شهدنا في الربع الأخير من القرن الماضي ولادة جيل جديد من العمل المصرفي القائم على الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية، وبالتالي ظهر ما يسمى بالنظام المصرفي الإسلامي، والذي لم ينحصر على المؤسسات المالية الإسلامية والمصارف، بل تعداها إلى الدول والحكومات، ثم تطور الأمر بعد ذلك بأن قامت العديد من المصارف والمؤسسات المالية التقليدية بالتحول للعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية أو إنشاء فروع تعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية، ومن أهم المصاعب التي تواجه المصارف التقليدية عند تحولها إلى مصارف إسلامية الديون الربوية قبل التحول وطرق معالجتها والأحكام الشرعية لطرق المعالجة، وأحكام التدرج المصرفي وما إلى ذلك، وبما أن المصارف في بلادنا ولله الحمد بدأت في عملية التحول المصرفي ونظرا لكثرة الديون الربوية قبل التحول والتي وصلت إلى أكثر من 500 مليون دينار الأمر الذي يؤثر سلبا على اقتصاد البلد، ثم إن الدين الربوي يكون من الأفراد كذلك وقد يستدين الرجل بالربا ثم يريد التوبة بعد ذلك، ويكون عليه مبالغ مالية كبيرة، ويحتاج هذا إلى تسوية مع المدين بعد التخلص من الربا، وبعد استخارة الله عزوجل ومشاورة أهل العلم، وقع اختياري على موضوع ( أحكام الديون الربوية وطرق معالجتها في الفقه الإسلامي ) مشروعا لنيل درجة ماجستير، رغبة مني في إضافة جديد يثري المكتبة الإسلامية ويسهم في حل مشكلة من المشاكل التي تمر بها المصارف عند تحولها، أسأل الله التّوفيق والهداية للصّواب "وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ". أسباب اختيار الموضوع: المساهمة في علاج مشكلة الديون الربوية في البلد، وإيجاد طرق لمعالجتها التعامل بالربا من المعاملات المحرمة، بل ومن الكبائر المنهي عنها؛ لذا ينبغي للمسلم أن يحرص على أن يكون في تعاملاته بعيداً عن الربا، وهذا إنما يكون بمعرفة أسبابه ووسائله والبدائل الشرعية عنه قبل الوقوع وبعده. أن كثيراً من مسائله تبنى عليها مسائل عدة مهمة في هذا العصر. أن كثيراً من مسائله وقع الخلاف فيها قديماً وحديثاً. محاولة إبراز سمو الشريعة الإسلامية وصلاحيتها للتطبيق في كل زمان ومكان وفي كل عصر وأوان، وأنها قادرة على الحكم على المتغيرات والتعامل مع المستجدات مهما كانت، فهي شريعة ربانية خالدة (أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ). يفتح هذا الموضوع (أحكام الديون الربوية) المجال لكتابة المزيد من الدراسات والأبحاث المستقبلية حوله – إن شاء الله تعالى – وذلك لقابليته للتطوير والحكم على المستجدات . عدم وجود دراسة فقهية علمية في هذا الموضوع فلم أعثر - حسب ما اطلعت عليه - على دراسة فقهية متخصصة تتحدث عن الديون الربوية وأحكامها، وطرق معالجتها، وأحسب - والله تعالى أعلم أن هذه أول دراسة فقهية متخصصة في هذا الموضوع. بحث هذا الموضوع مفيد لي في تكوين الملكة العلمية في جانب مهم من الفقه وهو كتاب المعاملات، بل في باب الربا وصلته بالمعاملات المالية. أهداف الموضوع: دراسة المعوقات التى تواجه البنوك التقليدية عند تحولها للمصرفية الإسلامية. الإلمام بأحكام الديون الربوية، وأنواعها، ومجالاتها، والأحكام الفقهية المتعلقة بها. بيان الحكم الشرعي في المسائل المتعلقة بالديون الربوية. تعزيز دور الفقه الإسلامي في حياة الناس المعاصرة، وقدرته على التعامل فيما يستجد من قضايا. وضع ضوابط شرعية لتحول مصرفي خالي من المحاذير الشرعية، بحيث تكون جميع التحولات وفق أحكام الشريعة الإسلامية. اقتراح الحلول الملائمة للقضاء أو الحد من هذه المعوقات.
عبد العزيز جمعة المبروك اعمار(2013)

شرح المقدمة الوغليسية على مذهب السادة المالكية للشيخ أحمد زروق الفاسي دراسة وتحقيق

الحمد لله الذي منَّ عليَّ بإتمام تحقيق هذا المخطوط النفيس، فخرج للقارئ في صورة أيسر وأنفع، وهو كتاب مفيد في بابه إن شاء الله - تعالى- يحتاج إليه المسلم في هذا العصر، ولا ريب أن غيابه قرونا ليظهر في هذا الزمان توقيت اختاره البارئ جل وعلا ؛ فإن الأدواء التي يعالجها مضمونه منتشرة في عصرنا هذا انتشارا عظيما، فالعقيدة مثلا مشوشة في أذهان كثير من الناس بنشر المذاهب الكلامية بين عوام المسلمين، وطعن أصحابها بعضهم في بعض وتكفيرهم لمن خالفهم في كل مسألة بموجب وبغير موجب، ناهيك عن السباب والشتائم المعلنة التي تؤدي إلى نفور غير المسلمين من الدين الحنيف ظنا منهم أن أخلاقنا نابعة من تعاليم ديننا. في هذا الخضم تستقي الوغليسية من منبع العقيدة الصافي ما يروي ظمأ المسلم بلا إفراط ولا تفريط، ودون تهجم على أحد، ففي هذا الكتاب نهيٌ عن سب مثل الريح والديك والبعوض، ناهيك عن المسلمين وعلمائهم. وفي أبواب الطهارة والصلاة والصيام تناول الكتاب ما لا بد منه للمسلم دون تعقيد ولا خوض في مسائل الخلاف ؛ ذلك أنه موجه إلى عوام المسلمين والمبتدئين من طلبة العلم. أما في باب الأخلاق والمعاملات فقد ولج الكتاب كل الزوايا التي قد يغفل عنها المسلم فتضره غفلته عنها في دينه ودنياه، فأرشده إلى المأمورات وبين له المنهيات بأسلوب بديع وطريقة سهلة ميسرة، إذ يقسم المعاصي على جوارح الإنسان ؛ ليسهل عليه حفظ نفسه ورعايتها، كما دله على ما يعينه على هذا الحفظ من التفكر في الموت وأسبابه، والمخلوقات واختلافها عظما ودقة وكثرة وتنوعا، فيفيده ذلك كله معرفة بالله العظيم؛ فتعظم في نفسه الآخرة وتهون في عينه الدنيا. وفي الختام أصل إلى أن هذا الكتاب وإن صغر حجمه فإن نفعه كبير ولعل من شهود هذا الأمر أن الذين تناولوه بالتصنيف والشرح والعناية هم علماء ربانيون شهد لهم أهل العلم بالصلاح والتقوى وأحبهم الناس جميعا فهذا الشيخ أحمد زروق تتنافس أقطار المغرب العربي في نسبه إليها، وقد اختار هو ليبيا موطنا له عاش بين إخوته في مدينة مصراتة مصاهرا لهم منصهرا بينهم متواصلا مع أهل طرابلس والجبل، وأخلص مما سلف إلى التوصيات الآتية: الاعتناء بالمقدمة الوغليسية وبرمجتها لتدخل المناهج التعليمية في مراحلها الأولى، فهي تعد منهاجا للمسلم بما حوته من منهج تكاملي يربط الجانب العملي بالجانب الروحي. البحث عن مؤلفات الشيخ أحمد زروق والعناية بها وتحقيقها إثراء للمكتبة الإسلامية وإظهارا لهذه الشخصية العظيمة . بذل الجهد اللازم لإظهار علماء المذهب المالكي، والوقوف على مؤلفاتهم، وإبراز ما قاموا به من خدمة للإسلام ونشر لتعاليمه.
أحمد علي أحمد البوسيفي (2013)

علوم الحديث عند القاضي أبي الوليد الباجي من خلال مؤلفاته

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على أزكى وأطهر خلقه، محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وبعد: فإني بعد هذه الرحلة الشيقة التي تشرفتُ فيها بالاطلاع على آراء الإمام أبي الوليد الباجي الحديثية من خلال كتبه عامة، وأثرها في رأيه الفقهي من خلال كتابه المنتقى خاصة، فإني توصلت إلى النتائج والتوصيات الآتية : أولا – النتائج : أغلب أقوال الباجي وآرائه، فإنما هي مشتقة من مشائخه، ولهذا فإن لهذه الأقوال قيمة علمية كبيرة لا يمكن تجاهلها. أغلب آراء الباجي الحديثة متماشية مع ما سار عليه علماء المالكية في علم الحديث. خالف الباجي قول جمهور العلماء في بعض المسائل منها، في معنى الجهالة، وللباجي أقولا انفرد بها – فيما أعلم-، وقد تعقبها عليه بعض العلماء .
عادل مصطفى الجديد(2012)

أحكام التنافس في الأسواق دراسة شرعية تأصيلية مقاصدية

إن غريزة حب المال والتنافس في طلبه أمر فطري، تجدرت أصوله في النفس البشرية، وقد راعت الشريعة هذه الغريزة، وهذبتها بما يتلاءم وأحكامها ومبادئها؛ وقيدتها بقيود من شأنها أن تكون دافعة للخير مانعة عن الشر، فندبت إلى التنافس في أمور الخير والطاعات، وأباحت التنافس في جلب المال شريطة ألا يؤدي إلى محظور كالغرر أو الإضرار بالغير أو أكل أموال الناس بالباطل. من مقاصد الشريعة تيسير المعاملات ورواجها، فأبيح الغرر إذا لم يكن مقصودا وإنما كان تابعا، وحرصا على رواج المعاملات أبيح البيع على الصفة بضوابطه الشرعية، وأبيح البيع على البرنامج وبيع الثمار بعد بدو الصلاح مع بقائها على أصولها، وبيع الثمار التي من شأنها أن تخرج متتابعة ببدو صلاح أول طور منها . ومن مقاصد الشريعة انتشار الأخوة بين المسلمين، فحرصت على كل ما من شأنه أن يقوي هذه الأخوة ويشد من أزرها، فحرمت كل تنافس يؤدي إلى تعكير هذه الأخوة والإضرار بغيره، كالبيع على بيع الأخ والنجش . من القواعد الفقهية ترجيح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، فحرم على الشخص الواحد تلقي السلع خارج السوق، ومنع الاحتكار ؛ لما فيهما من ظلم الناس وحرمانهم مما يحتاجون إليه . التنافس منه ما يكون محموداً، ومنه ما يكون مذموماً، فما يكون في أعمال البر والطاعات فهو المحمود، وما أدى إلى ممنوع، كإضرار، أو أكل أموال بالباطل، فهو المذموم . السوق مكان يضاعف فيه الذكر، ومُلتقى يلتقي فيه العلماء لتبادل المعلومات، وذلك من سنة العلماء السابقين التفقه في أحكام البيع والشراء أمر لابد منه لمن يريد مزاولة مهنة التجارة، وإلا وقع في المحظور من حيث لا يدرى . المداومة على أعمال البر والطاعات، وسيلة من وسائل جلب الرزق والبركة فيه . حسن المعاملة من أفضل ما يتحلى به التاجر الناجح، وذلك يشمل: الصدق والإتقان، ولين الجانب، والتجاوز عن المعسر، والإقالة، والاقتناع بالربح القليل استغلال مواسم العبادات والطاعات للتجارة، لا يتنافى والإخلاص المقصود من العبادات والقربات . الغرر هو ما شُك في حصول أحد عوضيه من ثمن أو مثمن . الغرر المنهي عنه هو ما كان مقصودا لا تابعاً . الهدايا إذا كان الغرض منها التواد والتواصل فهي مندوبة، فإذا كان الغرض منها الوصول إلى باطل، فهي محرمة . بيع ما ليس عند بائعه منهي عنه ؛ وذلك لما فيه من الغرر والإضرار بالغير . بيع العينة يزيد على بيع ما ليس عند بائعه، بأن صورتها بيع وحقيقتها رباً . الوعد الملزم الذي أخذت به المصارف الإسلامية محله عند المالكية عقود التبرعات لا عقود المعاوضات . يمنع بيع الطعام قبل قبضه اتفاقاً، وكلمة الطعام تشمل جميع المأكولات والمشروبات . إجازة البيع على الصفة يتنافى والغرر الممنوع، وهو الذي يقصد غالباً، ويحقق مقصود الشارع من رواج للمعاملات، ورفع للحرج والمشقة . البيع والشراء بواسطة الوسائل الحديثة، يأخذ حكم الكتابة في السابق، وهي محل اتفاق في جواز التعاقد بواسطتها . أولت الشريعة جانب المال اهتماماً كبير، فهو أحد الكليات الخمس، وهو أيضاً قوام الحياة الإنسانية وزينتها . كل من أخذ مال غيره بغير حجة وإذن شرعي، فهو آكل للمال بالباطل . دفع العربون من قبل من له رغبة في الشراء، وسيلة تساعد على امتلاك سلعة يشتد التنافس عليها. الأخذ بالرأي القائل إن مدة الخيار تختلف باختلاف السلع، موافق لمقصد الشارع من الخيار، ويتمشى أيضاً مع ما تجدد من سلع وآلات حديثة، إذ يحدد لها أهل الاختصاص ما تحتاجه من زمن لاختبارها، والإطلاع على خباياها . اشتراط عدم الشراء من الغير مقابل الالتزام بعوض جائزٌ إذا لم يترتب عليه إضرار ببقية التجار. اشتراط البائع على المشتري شراء سلعة لا يريدها ممنوع، لما فيه من اشتراط منفعة تعتبر جزءاً من الثمن، فهي غير معلومة القدر، فلو تنازل المشترط على شرطه صح البيع. التزام البائع باستبدال السلعة أوردها إذا لم ترج عند المشتري لا يجوز للجهالة المصاحبة للعقد، إذ لا يدرى البائع ما الذي باع، ولا المشتري ما الذي اشتراه . دفع مال لأجل الوصول إلى باطل ممنوع باتفاق . دفع مال لأجل دفع ضرر أو الوصول إلى حق الراجح من الخلاف الجواز بعد استنفاد كل السبل الممكنة، مع مراعاة أن الضرورة تقدر بقدرها . كل ما وجب على الإنسان فعله، فلا يجوز أن يأخذ عليه عوضاً . منع من ليس مخاطباً بالسعي إلى الجمعة من البيع وقت النداء يتفق مع مقصود الشارع من سد للذرائع، ودفع للضرر، وقضاء للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة . كل ما أضر احتكاره بعامة المسلمين فهو حرام، دون النظر إلى نوع السلعة المحتكرة. البيع بأقل من سعر السوق ممنوع إلا في الحالات الآتية: إذا قصد به الرفق، أو رداءة في السلعة، أو كان جالباً . يحرم البيع على بيع المسلم وكذلك الشراء على شرائه لما في ذلك من الضرر الذي يتنافى مع أخوة الإيمان. حُرمة تلقِّي السلع دون التقييد بمسافة أو غيرها من التقييدات، وذلك للضرر الواقع بالمُتَلَقَّى، أو لأهل السوق معاً وبعد: فإني أرجو من الله العلي القدير أن يكون عملي هذا خالصا لوجهه الكريم، وصلى الله وسلم على النبي الأمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
أحمد عمران الكميتي(2012)

" العقد الفريد لبيان الراجح من الخلاف في جوازالتقليد" للشيخ حسن بن عمار الشُّرُنْبُلالِي ت 1069هـ

فإن العادة جرت أن تختتم الرسائل والبحوث العلمية بأهم النتائج والنقاط التي توصل إليها الباحث من خلال ما قرره في بحثه أو رسالته. وهذه أهم النقاط الموضحة لمذهب المؤلف الشيخ حسن الشرنبلالي فأقول وبالله التوفيق-: إن المجتهد أنواع من مجتهد مطلق ومجتهد مذهب وغيرهما، ولكن إذا أطلق لفظ المجتهد فإنه ينصرف إلى المجتهد المطلق، ومن بلغ هذه الرتبة وجب عليه العمل باجتهاده بخلاف غيره. جواز خلو الزمان من مجتهد إلا ما تعلق بأصل التكليف وهو: تحقيق المناط العام. لتقليد: هو التزام في حكم شرعي مذهب من ليس قوله حجة. عند التحقيق لا فرق بين لفظي الاتباع والتقليد. صحة إيمان المقلد الناشئ عن حزم وتصميم ويقين مع بذله – قدر المستطاع – للبحث عن الدليل الموصل للاعتقاد السليم لأهل السنة. لا يصح التقليد إلا لمن كان مجتهداً عدلاً. إن تتبع الرخص دون استناد إلى الشرع أمر محرّم. لا تقليد مقابل النصوص، فإذا علم أن قول مفْتٍ أو مجتهد يخالف نصاً من كتاب الله، أو سنة نبيه_ r_ فيحرم اتباعه. التلفيق هو: الجمع بين المذاهب الفقهية المختلفة في أجزاء الحكم الواحد. التلفيق نوع تقليد؛ لكنه أخص من الانتقال من مذهب إلى مذهب لكونه يضم جملة من أحكام المذاهب الفقهية المختلفة لتركيب حكم قضية واحدة في وقت واحد. إطلاق القول بجواز التلفيق يلزم له انفراط أحكام الشريعة. القول بمنعه يلزم عنه ضيق وحرج لا يناسب الشريعة. إن القول بجواز التلفيق بالشروط المذكورة يوافق مقاصد الشريعة. هذه الرسالة سطرت وأوضحت نبذ التعصب المذهبي والبعد عنه، وذلك من خلال إجلال العلماء لبعضهم عند المخالفة في المسائل التي لم يرد دليل شرعي خاص بها.
رضا القذافي بشير الاسمر(2012)

المنهج الحديثي للإمام شمس الدين محمد بن يوسف الكَرْماني ( ت 786هـ ) في كتابه الكواكب الدراري شرح صحيح البخاري

من خلال تعريفي في هذه الرسالة بالكرماني وبكتابه، وإبرازي لأهم معالم منهجه فيه، فإنّ النتائج التي تضمنتها هذه الرسالة ما يأتي: أنّ الكرماني من كبار علماء الشافعية، وأنّه من أهل العناية التامة بالحديث. أنّ الكرماني تتلمذ علي يد عدد من كبار العلماء في الفقه والحديث واللغة، ممّا ترك أثّراً واضحاً عليه في شرحه للصحيح. أنّ شرح الكرماني من الشروح المتقدمة لصحيح البخاري، وظهرت فائدة ذلك أنّه حفظ لنا عدداً من المصادر المهمة التي اقتبس منها، التي قد فقدت أو لم تطبع بعد. لشرح الكرماني أثر كبير في شروح البخاري التي جاءت بعده، وخاصة شرح ابن حجر فتح الباري، وشرح العيني عمدة القاري. عني الكرماني في كتابه بإزالة التعارض الظاهري بين الأحاديث، وسلك في إزالته مسالك: الجمع وإن تعذّر لجأ إلى الترجيح إذا لم يكن نسخ، وهو مذهب جمهور العلماء. ولذا فإنّه يعدّ مصدراً مهماً في علم مختلف الحديث. بينت الدراسة كثرة انتقادات أو تعقبات ابن حجر على شرح الكرماني، واكتفى الباحث بذكر أهم أنواعها لبيان طبيعتها، وهذا أظهر مكانة الشرح من جهة، كما أظهر أثره فيمن بعده. أنّ المآخذ علي الكرماني سواء ما اتسع الوقت لتسطيره ومالم يتسع له، لا تحط من رتبته العالية، وأنّه يأتي في مقدمة أفضل وأحسن شروح البخاري بعد فنح الباري وعمدة القاري وشرح ابن بطال. يوصي الباحث بإعادة تحقيق الكتاب تحقيقاً علمياً، يقوم على تخريج النصوص التي يوردها الكرماني في أثناء الشرح، وتوثيق النصوص التي ينقلها عن العلماء وينسبها إليهم - إذ أن ابن حجر تتبعه في بعضها فوجد عدم دقته في ذلك. يوصي الباحث بإحصاء تعقبات ابن حجر على الكرماني وهي كثيرة، ومادتها غنية جداً، ودراستها دراسة موضوعية، تكشف عن منهج كليهما، من حيث أنواع تلك التعقبات، ومدى دقتها، ومن وافق ومن خالف من العلماء، وربط ذلك بمنهج البخاري في صحيحه.
وليد عمر أحمد أبو زيان(2012)

الجانب العقدي في تفسير الرازي

على الرغم من أني لم أطلع على كل ما تركه الرازي من مؤلفات عظيمة، كان لها أثر طيب في مسيرة الحركة العلمية في المجتمع الإسلامي، لكني أستطيع أن أقول أن مؤلفات الرازي التي خصصها للبحث في علم الكلام والفلسفة يمكن تقسيمها إلى أربعة فروع. الفرع الأول: مؤلفات يغلب عليها الجانب الفلسفي لكنها لا تخلو من أقوال متناثرة في علم الكلام، كما هو الحال في شرح الإشارات والتنبيهات وشرح عيون الحكمة والمباحث المشرقية. الفرع الثاني: مؤلفات يغلب عليها علم الكلام، وهي في مجملها تعد رداً من الإمام الرازي على الفلاسفة ورؤاهم التي غالباً ما تكون بعيدة عن رؤية المفكرين الإسلاميين، وقد لاحظت ذلك في كتابه الصغير والمفيد جداً " المعالم في أصول الدين" وكتاب الإشارة وكتاب الأربعين. الفرع الثالث: مؤلفات جمع فيها بين علم الكلام والفلسفة بما يخدم الجانب العقدي، ويعزز من ثقة الإنسان بربه، وجدت ذلك في كتابيه المحصل، والمطالب العالية. الفرع الرابع: مؤلفات تبحث في الجانب العقدي، وتبين كنه الآيات القرآنية التي عالجت مسائل متعددة في عقيدة الإنسان المسلم، وبحثت في مسألة معرفة الله تعالى من خلال ذكر مخلوقاته المنظورة والدقيقة يظهر هذا الفرع جلياً في التفسير الكبير، وأسرار التنزيل . إن ما ذكرته من مؤلفات للرازي ليس على سبيل الحصر في مجال الفلسفة وعلم الكلام، والجانب العقدي، وإنما هو ذكر لما هو موجود في حوزتي من تلك المؤلفات العظيمة للرازي التي تربو على مأتي مؤلف في مجالات متعددة من المعرفة والتقسيم الذي ذكرته لا أدعي فيه الدقة أو الابتكار، فقد سبقني في ذلك الدكتور محمد صالح الزكات. إن الإمام الرازي يعد من أبرز العلماء الموسوعيين في التاريخ الإسلامي، وبالتالي لن يكون سهلاً على أي باحث أن يلم بكل ما كتبه الرازي في العلوم المختلفة، خاصة في مجال علم الكلام والفلسفة. غير أن منهجية البحث تلزمني بأن أعطي ملخصاً عن رؤية هذا العالم في الجانب العقدي من خلال تفسيره الكبير الذي يحتاج إلى العناية والدراسة في زاويا كثيرة وخطيرة. وإذا كان ذلك كذلك فإنني أبدأ أولاً بأهم الآراء التي ذهب إليها الرازي واعتنيت بها في بحثي المتواضع، تقديماً ودراسة، ما استطعت إلى ذلك سبيلاً. ففي الفصل الأول الذي عنوته بالمعرفة ومصادرها اعترف الرازي بوجود الحس واعتبره آلة لكسب العلوم والمعارف وبأنه عطاء إلهي للإنسان وهو مقدم عنده على العقل حيث يقول في تفسيره لآية: ( إنا خلقنا الإنسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيرا)، (( إن الآية دلت على أن إعطاء الحواس كالمقدم على إعطاء العقل والأمر كذلك . . )). والغريب أن الرازي قد أقر بالعقل واعتبره آلة لكسب العلوم والمعارف وبأنه عطاء إلهي للإنسان، وهو مناط التكليف، وأن إدراك العقل أشرف من الإدراك الحسي . غير أنه يمكن أن ألمس رؤية الرازي بوضوح في مسألة مصادر المعرفة حينما أقرأ العيوب التي ذكرها الرازي في الحواس وأوصلها إلى عشرين عيباً ويعقب قائلاً وراء كل عيب بقوله: (( ولذلك كان العقل أشرف)). وإذا ما أردت توضيح مسألة شرف وأهمية العقل على الحواس فإنني أذهب إلى أن الإنسان عقل قبل أن يكون حواساً، فلو فقد الإنسان معظم حواسه وبقي عقله فإنه سيكون بمقدوره أن يكتسب بعض المعارف ولو يسيراً في حين أنه لا يكون قادراً على كسب شيئاً من المعارف لو فقد عقله، وبقيت جميع حواسه. ولأهمية المعرفة بواسطة القلب أفرد الرازي جانياً كبيراً، وحيزاً واسعاً للقلب باعتباره مصدراً أساسياً للمعرفة، وتجول عبر تفسيره فبين خصائص القلب المختلفة وركز على كون القلب محل الحياة والعلم والعقل، ووضع مقارنة بين القلب والفؤاد واللب والصدر. وقد قيل أن من فقد حساً فقد علماً، وأقول: إن من فقد عقلاً فقد كل العلوم والمعارف. أما في الفصل الثاني والثالث فقد دعى الرازي إلى ضرورة إعمال العقل وأنه لا سبيل إلى معرفة الله تعالى إلا بالنظر، كما أنه يؤكد على بطلان التقليد في المسائل العقدية في أكثر من مناسبة في التفسير وهو يرى أن المقلد ما حمله على التقليد إلا حب التنعم والكسل والخمول واللهو، لأن النظر والاستدلال يعني إمعان الفكر وبذل الجهد والابتعاد عن الترف والملذات، وقد ذكر وجوهاً استدل من خلالها على بطلان التقليد في المسائل العقدية، كما أنه دافع دفاعاً قوياً عن مسألة وجوب النظر وضرورة العمل به وقد ردّ على كل المزاعم المبطلة لوجوب النظر. ويعد الإمام الرازي أحد المهتمين بتحديد المصطلحات فقد عرف وحدد مصطلح المعرفة والعلم والفرق بينهما، وعرف النظر والفكر والحدس والوهم والإلهام والفراسة لكنه لم يعرف الإستدلال. ولعل ذلك يرجع - في تقديري - إلى كثرة تناوله لهذا المصطلح الذي يعد مألوفاً عند الخواص والعوام هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن مواضع الاستدلال في التفسير الكبير تغني عن تعريفه في كلمات قليلة، فما قدمه الرازي لهذا المصطلح، هو تفسير معنى الاستدلال والتفسير غير التعريف. إن من شدة حرص الرازي على أهمية النظر والاستدلال أن ذهب إلى أن من دعا إلى النظر والاستدلال، كان على وفق القرآن ودين الأنبياء ومن دعا إلى التقليد كان على خلاف القرآن وعلى وفاق دين الكفار. والاستدلال الذي دعا إليه الرازي ليس تفصيلياً وإنما على سبيل الإجمال. ولعل تمسك الرازي بالنظر والاستدلال هو ما جعلني أذهب إلى أن الرازي لم يندم على الاشتغال بعلم الكلام الذي أعترف به وآمن بأنه علم شريف لكونه يبحث في معرفة الله تعالى، وإن ما تم نقله من أقوال له هي صحيحة لكنه لا يفهم منها ندمه على الاشتغال بعلم الكلام، وإنما يفهم منها أن هذا العلم ليس أمر هيناً وسهلاً يمكن أن يخوض فيه أي باحث أو طالب علم، وإنما هو علم له شروطه ومفاتيحه وطرقه الخاصة للخوض فيه والاشتغال به، والرازي لم " ينفض يده من علم الكلام والفلسفة "، إلا بعد أن عرف بها الله تعالى حق المعرفة، فاتجه بعد ذلك للقرآن الكريم، وإن أقوال الرازي في وصيته هي أقوال لعامة المسلمين، أما ما يقوله بأن علم الكلام علم شريف هو قول خاص لمن يفهم علم الكلام ويفهم موضوعه والغرض منه. أما في الباب الثاني الذي بدأته بالبحث في نظرية الحدوث فقد لاحظت على الرازي التكرار في بعض العبارات باللفظ والمعنى وهذا راجع في رأيي إلى أهمية المسألة وخطورتها وتشابكها فالتكرار ليس عيباً في بعض الأحيان، وإنما عدم التكرار هو ما يصير عيباً في أحيان أخر. ولعل ما أقوله أجد له آثاراً كثيرة في القرآن الكريم. لقد أشرت في بداية الخاتمة إلى مخالفة الرازي للمنهجيات البحثية التي ارتضاها في مؤلفاته الأخر. فهو لم يناقش نظرية الحدوث بطريقة منهجية في التفسير، في حين أنه كان منهجياً واضحاً في كتابه الأربعين حينما تعرض لمناقشة هذه المسألة تحديداً . . ومما يؤخذ على الرازي تردده في بعض ما يذهب إليه، في القول بحدوث العالم وأن الله خلقه من العدم لا من المادة القديمة، تارة يقول به، وأخرى يصرح بعدم القول وثالثة يقرر ما وصله من الآراء فقط دون الخوض في ترجيح بعضها على بعض. إن الإمام الرازي عالم مستقل في الجملة، ليس بالأشعري الصرف وخاصة في بعض المسائل التي لا تمس ثوابت العقيدة، فقد خالف الرازي جمهور أهل السنة والجماعة في معنى الخلق، حيث يرى أن الخلق بمعنى التقدير، وهم يرون أن الخلق بمعنى الإيجاد والإنشاء، كما أنه اختلف مع الكرامية في تحديد معنى لفظ الجسم حيث يجوز الكرامية إطلاق لفظ "الجسم" على الله تعالى فلفظ الجسم عند الرازي وغيره من جمهور المتكلمين يفيد الأجزاء بحسب الطول والعرض والعمق وهذا على الله تعالى محال. ولا يمكن تصوره. والإمام الرازي في كل ما ذهب إليه في نظرية الحدوث فهو لم يخرج عن اتجاه المتكلمين الذين يذهبون إلى القول بحدوث العالم وأن الله تعالى أوجده من العدم وأنه لا قديم إلا الله تعالى. أختلف الرازي مع المعتزلة و الاشعرية في تحديد الاسم وهل هو نفس المسمى ؟ حيث يرى الرازي أن الاسم غير المسمى وغير التسمية وهذا إنما يؤكد ما ذهبت إليه من أن الإمام الرازي له شخصيته الفريدة والمنفردة والمستقلة، فهو أشعري في عقيدته لكن آراءه لم تبق حبيسة ما يراه الاشاعرة وإنما يذهب إلى أبعد منهم، مرجع ذلك إلى عمق التحليل وغزارة العلم وقوة الشخصية. إن من أهم ما تميز به الرازي في التفسير الكبير ويكاد يشكل اسلوباً خاصاً به في البحث هو تقديم قوله في المسألة ثم سرد أقوال المناقضين لقوله ثم يناقش نواقض جوابهم ويرد عليهم، لاحظت ذلك في جزئية تعريف الاسم والصفة. إن من أهم ما يؤكد استقلالية الرازي هو أنه برغم مهاجمته الشديدة للمعتزلة في أغلب المسائل العقدية في التفسير الكبير، غير أنه في مسألة إمكان الصفات وزيادتها على الذات، يميل إلى قول المعتزلة وإن ما جعل الإمام الرازي يميل إلى المعتزلة في هذه المسألة شعوره بضعف المذهب الأشعري، وأحياناً يخرج عن المذهبين ويقرر ما جاء به القرآن فهو يقول: " إن من توغل في التنزيه وقع في التعطيل ونفي الصفات، ومن توغل في الإثبات وقع في التشبيه وإثبات الجسمية والمكان فهما طرفان معوجان، والصراط المستقيم هو الإقرار الخالي عن التشبيه والتعطيل ". لقد تيقنت في غير ما مناسبة أن الإمام الرازي باحث واقعي ومتواضع جداً برغم غزارة علمه فهو لا يتردد في أن يعلن عجزه عن فهم كنه بعض المسائل العقدية بقوله: ( قلنا هذا السؤال صعب، وهو ما نستخير الله تعالى فيه ). وفي رأيه في أقسام الصفات يقول: ( والإنصاف أنه لا دلالة على ثبوت هذه الصفات ولا على نفيها فيجب التوقف )). وقد تردد الرازي في أقسام الصفات بين ثلاثة أقسام وقسمين وفي قول له أنها لا حصر لها. إن الإمام الرازي إضافة إلى واقعيته في إصدار الأحكام ورسم خارطة منهجيته، فهو يعد من أنصار المقدمات العقلية كمفتاح للولوج في أي موضوع، ولا شك أن أي موضوع يناقش على أساس مقدمات عقلية مؤكد ستكون المطارحة والمناقشة فيه مفيدة، لأن معالم المسألة أو الموضوع واضحة، من البداية إلى النهاية ومن الأصل إلى الفرع، ومن التحليل إلى النتائج. لقد عرض الرازي في التفسير الكبير آراء المتكلمين في حقيقة الإنسان من حيث كونه مجرد جسد وهيكل، أو أنه شيء في القلب، أو شيء له تعلق بالقلب، أو أن حقيقة الإنسان شيء مغاير للسطح واللون وكل ما هو مرئي ؟ أم أن الإنسان موجود ليس بجسم و لاجسماني ؟. ثم أجاب عن كل هذه التساؤلات والرؤى في معرض حديثه عن إثبات أن النفس ليست بجسم. حيث سار الرازي على منهج الغزالي الذي لم يفرق بين النفس والروح. تحدث الرازي في التفسير الكبير على النفس وطبيعتها من منظور عقدي، منطلقاً في أغلب الأحيان من رؤى صوفية، لاحظت ذلك في التفسير الكبير من خلال استخدام الرازي لمفردات التصوف، حيناً وأحياناً أخرى يذهب مذهبهم. يؤكد الرازي في مسألة الحسن والقبيح أن لا حكم للأشياء قبل ورود الشرع. وهو في ذلك يختلف مع المعتزلة الذين يرون بأن العقل هو الفيصل في ذلك والشرع إنما أكد ما قبحه العقل وما حسنه. لقد أقر الرازي بصعوبة الخوض في مسألة الجبر والاختيار التي خاض فيها المعتزلة والاشعرية وذلك ما جعله يلتمس العذر للمعتزلة بقوله: (( إنهم لم يريدوا إلا الحق )) إلا أنه في مسألة أخرى يتهمهم بأنهم هم الخصم الحقيقي لله يوم القيامة. يذهب الرازي إلى أن العلاقة بين الإنسان وربه يجب أن تكون علاقة تسليمية وتوحيدية تنزيهية لله تعالى. هذا وقد ناقش الرازي مسألة النبوة وما يتعلق بها من جزيئات حيث وقف الرازي موقفاً معتدلاً من مسألة مهمة النبي وضرورة وجوده بالقدر الذي لا يفقد العقل مهمته ووجوده في الإنسان. إن الرازي يدافع على حقيقية رؤية الرسول – صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام وهو يميل إلى أن مسألة تلقي الوحي هي مسألة يقينية، وهو بذلك يبطل ما ذهب إليه الفارابي وابن سينا من أن الوحي يأتي نتيجة رؤية من النوم . يوافق الرازي المتكلمين في ما ذهبوا إليه من أن الله تعالى هو فاعل كل شيء، وكل المعجزات التي خص بها أنبياءه هي من أثر قدرة الله تعالى، وليست ناتجة عن تحلي النفس النبوية بقوة ما. يربط الرازي بين موضوع التخيل والوهم بموضوع السحر، واعتبر أن الكل واحد ومتى أطلق أفاد ذم فاعله، وهو يستند في التفريق بين المعجزة والسحر على مسألة ماهية كليهما. لقد تنبه الرازي إلى خطورة الخلط الذي وقع فيه المتكلمون في عدم تفريقهم بين المعجزة والكرامة والسحر، واعتبر أن الفيصل في ذلك هو تحديد المصطلحات. لقد خالف الرازي بعض المعتزلة والأشعرية والشيعة وابن حزم في وجه إعجاز القرآن الكريم حيث ذهبوا إلى أنه الصرفة، وأتفق مع القاضي عبد الجبار في أن وجه الإعجاز هو الفصاحة، غير أنه يتردد في أحيان أخر بين طريقي الفصاحة والصرفة، والرازي وهو يذهب إلى ما ذهب إليه في هذه المسألة لم يجانبه الصواب، وأني أرى أن من ذهب إلى أن كل الوجوه محتملة وجائزة هو أقرب إلى الصواب، وذلك بما يشتمل عليه القرآن من شرائع وأحكام وأخلاق وأخبار وردت بأسلوب خارق للعادة في النظم والبلاغة والفصاحة. إن الخلق في رأي الرازي ليس إلا للعبادة، فالمقصود من إيجاد الإنسان هو عبادة الله. اتفق الرازي مع سائر الفلاسفة الإسلاميين بأن النفس باقية بعد فناء البدن، وهو يعول في إثبات خلودها على الأدلة النقلية أكثر من تعويله على الأدلة العقلية. إن الإمام الرازي يعد من أبرز الذين كرسوا جهدهم ووقتهم في تبيان وتفسير الآيات القرآنية الدالة على حدوث المعاد. وقد برع الرازي في ربط التفسير بالمسائل العلمية جاء ذلك في تفسيره لآيات سورة الواقعة التي ذكرت مسألة بدأ الخلق، في الإنسان والزرع الأمر الذي استوقفني كباحث متواضع فعلقت على ذلك بإعجاب ودهشة، داعياً إلى ضرورة مواكبة التفاسير للتطور العلمي . أما في مسألة الإمامة فالرازي أشعري يدافع عن آراء الأشاعرة ويقارع بكل ما أوتي من علم وعمق تحليل وتفسير الروافض من الشيعة الإمامية. ولذلك فالرازي يقول بالإمامة وبوجوبها ويذهب إلى أحقبة أبي بكر بها ويرفض ما ذهب إليه الشيعة بأن الأحقبة لعلي ابن أبي طالب ( رضي الله عنه ). وهذا ما جعلني أعارض شيخي الرازي وأذهب إلى أن مسألة الإمامة مسألة تاريخية اجتهادية إن صحت وقبلت فذلك راجع للظروف والشروط التاريخية لكنها الآن في نظري تعد من الموروث الثقافي الإسلامي الذي إن اتفقنا على أهميته فإنه لا يكون بمقدوري أن أسلم به جملة وتفصيلاً.
عبد الرحيم محمد علي رمضان(2011)

الاستحسان في الشريعة الإسلامية موقعه بين أصول التشريع وتطبيقاته الفقهية المعاصرة

بعد هذه الرحلة العلمية الشاقة في دروب أصول الفقه وأفانينه الزاكية، وبين رياض المتقدمين العظماء من أئمة الفقه وأصوله الذين تركوا لنا مصنفات يضيق علينا أن نصنف لها شبيهاً في الدقة وسعة الأفق، فضلاً عن دراستها وفهمها، أعرض هنا موجزاً لأهم ما توصلت إليه من نتائج على النحو التالي: أولاً: الاستحسان دليل مهم وواسع من أدلة الأحكام الشرعية يأتي دوره في الأهمية بعد الأدلة المتفق عليها عند جمهور العلماء. ثانياً: تبين من هذه الدراسة أن أكثر العلماء تطبيقاً له ولقرون عديدة هم علماء الحنفية خلال حكم الدولة الإسلامية العباسية والعثمانية. وهم الذين دافعوا عنه وأوضحوا حدوده وتعريفاته. ويرجح القول بأن الأخذ بالاستحسان دليلاً شرعياً للأحكام، كان من أسباب انتشار الفقه الحنفي خلال قرون عديدة من الحكم الإسلامي، ذلك لأن الاستحسان يمثل جانباً مهماً من جوانب المرونة والسعة في الشريعة الإسلامية، وبخاصة الاستحسان المبني على الضرورة والعرف ـ فإن أعراف الناس تختلف من بلد إلى بلد، ومن زمن إلى زمن آخر ـ وفي مسايرة الشريعة لأعراف الناس التي لا تخالف أصلاً من أصول التشريع، ولا تجلب مفسدة، مما يجعل هذه الشريعة صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان. ثالثاً: أن تطبيق الاستحسان عملياً في الأحكام الشرعية يعود إلى عصر الصحابة، تبين أن أكابر الصحابة استنبطوا بعض الأحكام الشرعية استحساناً، وبعد إقرارها من بقية فقهاء الصحابة، صارت إجماعاً، ومنها جمع القرآن الكريم، وعدم توزيع أرض السواد على المقاتلين. رابعاً: بعد عهد التابعين الذين أخذوا بالاستحسان، ونظراً لإكثار بعض فقهاء المذاهب ـ خصوصاً الحنفية ـ من تطبيقات الاستحسان دليلاً لإيجاد الحلول للمسائل الفقهية، جهر معارضو الاستحسان الذين ظنوه قولاً بالهوى والتشهي بدون دليل، وعلى رأس هؤلاء الإمام الجليل الشافعي ـ رحمه الله تعالى، الذي عارض الاستحسان بشدة في كتابيه الرسالة والأم، وروي عنه أنه قال: "من استحسن فقد شرع". خامساً: إن هجوم علماء الشافعية ومن معهم على الاستحسان كان هجوماً على أمر مجهول قبل أن يوضح علماء الحنفية الذين جاءوا بعد عهد الإمام الشافعي، حقيقة الاستحسان، وبأنه ليس قولاً بالهوى والتشهي، لكن ترجيح حكم على آخر بقوة دليله، ولهذا نجد معظم المعارضين للاستحسان عدلوا عن هجومهم، وقالوا إن الاستحسان بالصورة المذكورة عند الأئمة المتقدمين من الحنفية والمالكية والحنابلة ليس محل خلاف. فالإمام الشافعي ـ رحمه الله تعالى ـ شدد النكير على الاستحسان، وكان ذلك من باب الورع عن الفتوى بالتلذذ والتشهي واتباع الهوى من غير نص أو دليل، فهو لم يعب على أبي حنيفة ـ رحمه الله تعالى ـ استحسانه المستند إلى الأدلة التي سبق ذكرها من نص أو إجماع أو قياس وباقي الأدلة. سادساً: تم بحث العديد من المسائل الفقهية التي وضع الأصوليون المتقدمون الحلول الشرعية لها عن طريق الاستحسان، ويتضمن مسائل في جميع أبواب الفقه من عبادات ومعاملات وفرائض وحدود. تم في هذه المسائل ذكر وجه الاستحسان وترجيح نوع الاستحسان من أنواعه التي سبق بحثها في هذه الرسالة، وهي استحسان النص، واستحسان القياس الخفي، واستحسان الإجماع، واستحسان العرف، واستحسان الضرورة، واستحسان المصلحة، واستحسان بمراعاة الخلاف، واستحسان بترك اليسير لتفاهته. ومن خلال المسائل الفقهية التي تم بحثها تبين أن الأئمة الأربعة المجتهدين كلهم أخذوا بالاستحسان، حتى أن الإمام مالك ـ رحمه الله تعالي ـ روي عنه أنه قال: "الاستحسان تسعة أعشار العلم". كذلك وردت استحسانات للإمام الشافعي ـ رحمه الله تعالى. سابعاً: تم بحث العديد من القضايا المعاصرة التي تهم المسلمين في حياتهم، ووضع الحلول الشرعية لها عن طريق الاستحسان؛ ومن ثم دراسة فتاوى علماء المجامع الفقهية لهذه المسائل، والتي لم يذكر فيها الأدلة الشرعية التي تم بها التوصل إلى الفتاوى، فتبين أنها عموماً موافقة للأحكام التي تم التوصل إليها عن طريق الاستحسان، ومن هذه القضايا المعاصرة: صرف الزكاة لطباعة الكتب والأشرطة الإسلامية ولصالح المواقع الإسلامية على شبكة المعلومات. نقل الأعضاء الآدمية وزرعها. -بيع السلم في التطبيقات الفقهية المعاصرة. -أداء الدين وتغير العملة. -بدل الخلو (السرقفلية) في البحث الفقهي المعاصر. -تنفيذ العقود في الظروف الطارئة. -التأمين التجاري وصور منه مرجعها الاستحسان. وفي الحالات التي ظهر فيها خلاف بين فتوى علماء المجامع الفقهية والحكم عن طريق الاستحسان، تبين أن الأخذ بالاستحسان يؤدي إلى التيسير ورفع الحرج وتحقيق العدالة، فكان هو المرجح. ثامناً: تمت دراسة العديد من المسائل الفقهية المعاصرة التي تهم أمر المسلمين، والتي يمكن وضع الحلول الشرعية لها عن طريق الاستحسان، فتبين أن الأخذ بالاستحسان يؤدي إلى التيسير ورفع الحرج وتحقيق العدالة، ومن هذه المسائل: -تطهير الملابس بالسوائل الكيماوية. قصر الصلاة في السفر. -إعطاء الزكاة للمؤلفة قلوبهم. -تفجير الإنسان نفسه. -التصاوير والتماثيل. -الوصية الواجبة. -الجراحات التجميلية. وغيرها. تاسعاً: يتبين من استقراء الأمثلة المذكورة في جميع أنواع الاستحسان أنها تعتمد في حكمهما ـ عموماً ـ على مراعاة الضرورة أو الحاجة التي تندفع بها المشقة والحرج عن الناس، وتتحقق العدالة التي هي أساس الشريعة الإسلامية، قال تعالى: }يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ{الآية. وقال تعالى: }وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ{الآية. وقال تعالى: }إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ{الآية. وقال النبيe: [أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة]. عاشراً: من دراسة أبواب وفصول هذه الرسالة، خصوصاً التطبيقات على الاستحسان في استنباط الأحكام الشرعية لكل المسائل الفقهية في الماضي والحاضر، يتضح المجال الواسع للاستحسان في التعرف على الأحكام الشرعية، كما يتبين بأن الاستحسان أوسع مجالاً للتعرف على الأحكام من القياس؛ ذلك لأن القياس يكون فقط عندما يكون في مسألة حكم سابق مستنبط من الكتاب أو السنة أو إجماع علماء الأمة، فيقاس على ذلك الحكم عند اتحاد العلة بين الحكم المعروف والحكم المجهول لمعرفة حكم الأخير. فإذا وردت مسألة فقهية فيها قياسان، تحتاج إلى معرفة الحكم الشرعي لها، ولم يتبين ذلك الحكم من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس لعدم وجود علة مشتركة، فهنا يأتي دور الاستحسان بأنواعه التي سبق التفصيل فيها لمعرفة الحكم الشرعي لها، ومهما كان نوع المسألة؛ لأن أنواع الاستحسان تتضمن مقاصد الشريعة الربانية. حادي عشر: من خلال دراسة الاستحسان في القضايا الفقهية المعاصرة التي بحثت في هذه الرسالة، يتبين أن الاستحسان يعد طريقاً ممهداً لتحصيل أحكام الكثير من الوقائع والنوازل المعاصرة، سواء كان بتطبيقه منهجاً للحصول على الأحكام أو بتوسيع ما استحسن عن الأئمة المتقدمين وتطبيقه ليشمل قضايا معاصرة، وكما ورد في الرسالة عند البحث عن السلم والاستصناع. كما يمكن القياس على استحسانات الإجماع والعرف التي قال بها الفقهاء المتقدمون للتعرف على أحكام العديد من المسائل المعاصرة، وكما سبق بيانه في المبحث الرابع من هذا الفصل من الرسالة. لذا فالاستحسان آلة للمجتهد يستعين بها للتوصل إلى الأحكام الشرعية للقضايا المعاصرة. ثاني عشر: في عصرنا الحالي، عصر التقدم الهائل في الحاسب الآلي وإمكانية اطلاع المجتهد على تفاسير القرآن الكريم للأئمة المتقدمين، وكذلك الاطلاع على معظم الأحاديث النبوية وتخاريجها، إضافة إلى الأحكام الفقهية والفتاوى لأئمة الفقه المتقدمين بسهولة ويسر وبدون الحاجة للحفظ، فإن الطريق أصبح ممهداً للباحث المؤهل أن يبت في شرعية مسائل عن طريق الاستحسان بصورة أسهل كثيراً مما كان في العصر قبل عصر الحاسب، وأن يتعرف على المسائل التي يمكن معرفة أحكامها عن طريق الاستحسان. ثالث عشر: من خلال هذه الرسالة، فقد ثبت أن علماء أصول الفقه في عصرنا الحاضر أجمعوا على الأخذ بالاستحسان مصدراً غير مختلف فيه من مصادر الأحكام الشرعية؛ لذا فاستناداً للرأي الراجح من إمكان حصول إجماع العلماء بعد عهد الصحابة، فإن إجماعاً فعلياً قد حصل بين عموم علماء المسلمين على الأخذ بالاستحسان المعرف في هذه الرسالة دليلاً مهماً وواسعاً لاستنباط الأحكام الشرعية. رابع عشر: إن القول بعدم حجية الاستحسان يعني في الواقع سد باب الاجتهاد الواسع، خصوصاً في عصرنا الحالي؛ لأن الحوادث متجددة وغير محددة وسريعة فلا يمكن معرفة الحكم الشرعي لها من أحكام محدودة، فالمحدد لا يفي بالمتجدد بديهة، كما أن سد باب الاجتهاد يعني جمود الشريعة، ومحال أن تكون شريعة الله تعالى التي شرعت من قبل الله الواسع الحكيم لكل زمان ومكان جامدة. خامس عشر: أخيراً، وفي معرض التوصية للباحثين من الفقهاء، نذكر بالآتي: صح عن رسول الله e أنه قال: [خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم]، "والصحيح أن قرنه e الصحابة، والثاني التابعون، والثالث تابعوهم"(. ومن المعلوم أن أئمة الفقه من الذين أخذوا بالاستحسان وطبقوه في حل المسائل الفقهية هما الإمامان أبو حنيفة النعمان، ومالك بن أنس، هما من التابعين وتابعيهم، يليهم الإمام أحمد بن حنبل، وكان تلميذاً للإمام الشافعي ـ رحمهم الله تعالى جميعاً. فحري بمن يريد الهداية والفتح في التعرف على الأحكام الشرعية أن يقتدي بهؤلاء أئمة الفقه المتقدمين، ويطبق الاستحسان في التعرف على حكم المسائل المعاصرة على كثرتها وسرعتها وتعقيدها.
راسم محمد عبد الكريم(2010)