Digital Repository for faculty of Arts Tripoli

Statistics for faculty of Arts Tripoli

  • Icon missing? Request it here.
  • 26

    Conference paper

  • 27

    Journal Article

  • 9

    Book

  • 0

    Chapter

  • 34

    PhD Thesis

  • 241

    Master Thesis

  • 0

    Final Year Project

  • 14

    Technical Report

  • 2

    Unpublished work

  • 1

    Document

التعليل في أصول ابن السراج

عندما أتممتُ كتـابة هذه الدراسة، وضعت تصورات، خرجتُ منهـا بنتائج وهي: إنّ كتاب الأصول لم يكن كتـاب تقعيد نحْوي فحسب، أو مجرد ترتيب لكتاب سيبويه ؛ وإنّمـا هو كتابٌ درس فيه ابن السراج الأصول متأثراً بالمنطق، وهـو أصولي تنـاول فيه الاستحسان، واستصحاب الحال، والقيـاس. . . . وغيرها من الأصول، وأكبر دليل على ذلك، هذه الدراسة التي ضمّتْ من القياس العلل التي وردت فيـه وقد وجدته معلِّلا للظاهرة الواحدة بأكثر من علّة، بما اسمـاه العلل الثواني والثوالث. إنّ العلّة تطوّرتْ ضرورية ؛ لتفسير الظواهر اللغويّة، واهتمّ العلماءُ بها ببيان شروطها، وقوادحها، ومسالكها، فهي مهمّة للعلم والعلماء. هنـاك توافق كبير بين الأصول الفقهيّة والكلاميّة الفلسفيّة، والنحْويّة، وكـلٌّ منها أثّر في الآخر لاختلاطه به، وقد يظنُّ الدارس عند قراءته لهذه الدراسة، أنّه لاعلاقة لهذا المبحث بمضمونها، ومـا كان عرضي له ؛ إلاّ لأنّ العلّة ركنٌ من أركـان القياس، ومهمّة في تفسير الظواهر، والقياس أصلٌ من الأصول في كل تلك العلوم. إنّ التعليل ظلّ تعليميّاً، بسيطاً منذ زمن التقعيد، حتّى القرن الثالث، ثمّ تطوّر تطوّراً كبيراً بـأثر الترجمة، وقـد ساهم في توضيح القواعد، فقد كـانتْ رغبة النحاة الوقوف على الحكمة من القاعدة النحويّة، وتمكينها، وتثبيتها، وفي إثراء اللّغة، وأنّهـا لم تكن تمحُّلاً ولا تسلية أو تبدّع من قبل العلماء ؛ بل أظهر التعليل الحكمة التي اتّسمتْ بهـا لغتُنـا العربيّة في بدايات القرن الثاني، فابن أبي إسحق قيل عنه إنّه أول من بعج النحو، ومدّ القيـاس، وشرح العلـل، حدث هذا بعد الانتهاء من وضع المناهج اللُّغويّة بقليل. كثيراً مـا يُظنّ أنّ التعليل نتاج المنطق الأرسطي اليوناني ؛ ولكن التعليل لـم يُعرف بعد اختلاط العرب مع غيرهم، أو بعد ترجمة العلوم ؛ بل عُرف قبل ذلك والتشابه الذي وُجد بين القياس اليوناني والقياس العربي في القواعد، نتج من تأثر العلوم بعضها ببعض. إنّ كتـاب الأصول لم يكن يقتصر فيه ابن السراج على آرائه وتعليلاته ؛ بـل كـان يرجع لأقوال أساتذته الذين سبقوه مستقلاًّ عنهم في بعض الأحيان، كما أنّه خرج عن آراء البصريين، موافقاً للكوفيين في بعض العلل والأحكام. لم تكن العلل عند ابن السراج عللاً جدليّة، منطقية مثلمـا آلت إليـه في زمن الزجاجي وابن جنّي ومن تلاهما ؛ بل كان تعليله لغويّاً، تعليميّاً، قياسيّاً. وأخيراً أسأل الله العون والتوفيق، والاستفادة، وأسأله أنْ يصلّي علـى الحبيب المصطفى محمد ـ صلّى الله عليه وسلم ـ سلاماً ملء السموات و الأرض. وآخر دعوانا أنْ الحمد لله ربُّ العالمين.
نوريّة محمد الصلاّبي(2009)

ظاهرة التأمل في شعر جماعة الرابطة القلمية (دراسة وصفية تحليلية)

عالجت هذه الدراسة ((ظاهرة التأمل في شعر جماعة الرابطة القلمية )) إذ من المعروف أن للرابطة القلمية دوراً لايستهان به في إثراء الأدب العربي الحديث، فهم جماعة عاشوا في ديار الغربة، تكاثفت جهودهم وتضافرت، وكان غرضهم بث روح جديدة في جسم الأدب العربي، و انتشاله من وهدة الخمول والتقليد، ويمكن أن نلخص أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة. أولا: انطلق دافع التأمل لديهم من إحساس نفسي شعر به هؤلاء نتيجة لصراع بين عالمين، يمثل الأول : عالم البساطة والسذاجة، والمفاهيم البريئة والروحانيات التي يمثلها الوطن الذي عاش في خيالهم وفي أرواحهم. ويمثل الثاني: عالم طغيان المادة، وضجيج الآلة، لا مكان فيه للروحانيات، ويمثله العالم الجديد وهو الواقع الذي عاش فيه هؤلاء، ولا مجال لتغييره. تانيا: ما كان منهم نتيجة لهذا الصراع بين واقع قاس، واقع أليم جثم علي صدورهم وقلوبهم التي تنبض بحب أوطانهم إلا الفرار والهروب إلي حيت يشعر هؤلاء بالأمان، فكان التأمل في الطبيعة، ولا تغيب عن أذهانهم طبيعة بلادهم التي كانت مصدر إلهامهم، والحنين للوطن كان دافعهم الأول للتأمل، ويمكن أن نطلق عليه التأمل الوجداني لأنه صدر عن نفوس معذبة، صوروا فيه كآبتهم النفسية، ومدى الآلام والعذاب التي تتحمل أعباءه نفوسهم. ثالثا: يمكن أن نطلق علي التأمل عند جماعة الرابطة، بأنه تأمل مزجوا فيه بين العقل والخيال، وبين الفلسفة والعاطفة، وإن كان لا يخلو من منطق فلسفي، فتفسيرهم للموت كان من هذا المنطق، فقد رأوا فيه استمراراً للحياة لانهاية لها. رابعا: أما تأملاتهم في النفس فكانت من منطلق التأثر بالثقافات والفلسفات قديمها وحديثها إسلامية وشرقية وغربية، لذلك اختلطت وامتزجت وأظهرت لنا ثقافة جديدة هي أمشاج لثقافات مختلفة. خامسا: إن تأملاتهم في الطبيعة والنفس والحياة كانت في الغالب من ذواتهم وانفعالاتهم الشخصية، وقد عبروا عن التفاعل والامتزاج بين عناصر الطبيعة، وتأملاتهم في النفس علي اعتبار أنها كانت الأقرب إليهم وهم في بلاد الغربة حيث الوحدة والاغتراب. سادساً: اختلفت وتباينت رؤية شعراء الرابطة القلمية في تأملاتهم فعلى الرغم من تشابه ظروفهم ومنابع ثقافتهم، فإن ذلك لم يمنع من أن يتحلى شعر كل عضو من أعضائها بطابع يميزه عن الأخر، ولكن تظل العلاقة التي تربطهم علاقة تكامل فكل واحد يكمل الأخر، لا علاقة تعارض فظهر من بينهم الثائر المتمرد المتعمق في عالم الروح والفكر، ومنهم الفيلسوف المتأمل، ومنهم الشاكي الباكي، ومنهم المتفائل الذي ينظر إلي الحياة نظرة خاصة، ومنهم الهادي المطمئن البعيد عن التأمل الفلسفي، وهذا التنوع لا يظهر اختلافاً وتبايناً، وإنما يوضح لنا نضج الأفكار و امتزاجها وتنوعها. سابعاً: أما فيما يتعلق بالجانب الفني فيبدو أن ظاهرة التأمل قد قلبت كل موازين الصورة الشعرية التقليدية القديمة، فأهم ما نلحظه على شعراء الرابطة القلمية عدم إحتفالهم بالصورة الشعرية التقليدية من تشبيه واستعارة ومجاز، لأنها صور حسية ترتكز على أشياء ظاهرية، فالصورة عندهم إبداع خالص للروح، وفيها تتجسد المشاعر و الأحاسيس، وتشخص الخواطر و الأفكار، وهى صور تعبر عن خيال خصب أما بالنسبة لمصادر التصوير فهي عديدة ومتنوعة، فلم تعد الطبيعة الجامدة فحسب مصدراً كافياً، بل الطبيعة جامدها ومتحركها من مصادر التصوير التي نلحظها بجلاء في أغلب دواوينهم الشعرية، كذلك فيما يخص الخيال و الرمز ودورهما في تشكيل الصورة الشعرية، أما الألفاظ و الأساليب فيبدو أن موضوع التأمل قد أوجد لديهم عديداً من الألفاظ والأساليب التي تدعو للوقوف عندها لأنها تحمل أكثر من معنى و إيحاء، أما الموسيقى الشعرية عندهم ففيها دعوة إلى التحرر من رتابة القافية و النظام التقليدي، وإن لم يخترعوا أوزاناً جديدة و لم يخرجوا عن الموسيقى التقليدية.
كريمة محمد التريكي (2009)

السراج المنير في مدح البشير النذير

يمكننا استخلاص النتائج التاليـة لهذه الدراسة: إن العصر المملوكي لم يكن عصر انحطاط أدبي كما يظن البعض ويدعي ، وإنما كان عصر انحطاط سياسي ، أما من حيث الأدب فكان عصر التقدم العلمي ، وعصر التأليف والتصنيف. زخر هذا العصر بأعلام خلدهم الأدب العربي ، وخاصة في الشعر ، وشعر المدائح النبوية على الأخص. و من بين هؤلاء الأعلام الذين خلد ذكرهم الأدب العربي، و برعوا في نظم شعر المديح النبوي، الشيخ زين الدين الآثاري، الذي له الكثير من المؤلفات و التصانيف في مدح النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ و من بينها كتابنا هذا ( السراج المنير في مدح البشير النذير ) و قد سبق أن ذكرته له من ضمن تصانيفه و مؤلفاته. ارتباط قصيدة المديح النبوي بالتصوف غرضاً شعرياً ، باعتبار محبة الرسول e موضوعا من موضوعات القصيدة الصوفية، وما تحمله هذه القصائد من أبعاد صوفية لدى شعراء هذا الاتجاه في ثنايا قصيدة المديح النبوي الشريف، و لذلك خصصت مبحثا كاملا للحديث عن التصوف ومعانيه و أهدافه و قيمه النبيلة، و أقوال العلماء فيه و اهتماماتهم به ، وذكرت بعضاً من نماذج أشعار الصوفية. إن المدائح النبوية فن من فنون الأدب العربي التي أذاعها التصوف، فهي لون من التعبير عن العواطف الدينية الصادقة ، وباب من أبواب الأدب العربي الرفيع ، لأنها تصدر عن قلوب مملوءة بالإيمان، و مفعمة بالصدق والإخلاص. إن للمدائح النبوية تأثرا وتأثيرا كبيرين بالبديع الذي كان سائدا في العصر المملوكي ، حيث ظهر هذا الفن بدرجات متفاوتة مع ظهور قصائد المديح النبوي. يمثل شعر التصوف إشراقات، و مواجد صوفية تحاول أن ترقى إلى اسمى الكمال والجمال. إن التصوف باعتباره اتجاها دينيا متميزا له مبادئه ومتبعوه ، فقد ظهر مبكرا في المشرق العربي ، حيث كانت بدياته في غضون القرن الثاني للهجرة. أهتم شعراء الصوفية بمقدمات قصائدهم ، فهناك المقدمة الغزلية والمقدمة الخمرية. تعد زاويا الصوفية وخلواتهم مركزا من مراكز الفكر الصوفي ، مارس بعضها دوره العلمي الذي رفع عنها تهمة البطالة، والخمول. إن بردة المديح النبوي بعثت الحركة الأدبية الصوفية في العصر المملوكي وما تلاه من عصور. و قد أدخلت البردة مفردات جديدة إلى قصائد الموضوعات الأخرى في شعر ذلك العصر ، فكان الشعراء يختتمون قصائدهم بالصلاة على النبي e ، أو يختتمونها بمدح النبي e ، أو يمدحون الخلفاء ببعض ما يمدح به رسول الله e ، أو يقدمون للقصائد بما يقدم به للمدائح النبوية. و كتابنا ( السراج المنير في مدح البشير النذير ) للشيخ زين الدين الآثاري هو تخاميس لقصيدة البردة المباركة للشيخ البوصيري، جمع فيه مؤلفه تسعة تخاميس و أضاف إليها تخميسه، و لذلك خصصت فصلا تحدث فيه عن البردة المباركة، و سبب نظم الشيخ البوصيري لها، و سبب تسميتها بالبردة، كما تناولت بشيء من الاختصار حياة الشيخ البوصيري. انتشرت قراءة البردة في المناسبات المفرحة والمحزنة على السواء ،وتضمنت تمجيد الإسلام و المسلمين ، وإظهار قوة المسلمين وشجاعتهم في المعارك، و شرف العرب ببعث رسول الله e نبيا منهم. إن بردة المديح النبوي كان لها أثر تعليمي كبير تجلى في المعلومات الدينية والتاريخية ، وصور البطولة والعظمة ، والمواقف الأخلاقية الفذة والقدوة الحسنة ، والدروس المفيدة التي حفلت بها قصيدة البردة ، ولابد أن الناس أفادوا منها تاريخا وخلقا ومعرفة بسيرة رسول الله e ومعجزاته ، وأنهم حاولوا الإقتداء بسنته e والابتعاد عما يخالفها. إن تصوف البوصيري لم يكن تصوف دروشة ومظهرا يتمثل في إطالة اللحية ، ولبس المرقعات ، وحمل المسابح الطويلة ، بل كان تصوفه نقاء سريرة ، وصلاح عمل ، وتقوى وورعا ، إنه تصوف الرجال الفاقهين لمقاصد الشريعة ، والواعين لمراميها وأسرارها. إنه من الواجب اهتمام مدارسنا ومعاهدنا وكلياتنا بشعر المديح الديني ولا سيما شعر البوصيري الذي قصره على مناقب وفضائل إمام المرسلين، وسيد الأولين والآخرين محمد e ، وذلك لأن إحياءنا لهذا الشعر إحياء لحياتنا الدينية والأدبية على السواء ، خاصة وأننا نقدم لطلابنا في دور العلم شعراء غير البوصيري مدحوا في شعرهم رجالا غير النبي وفي الختام: فــلا يمكـن للباحــث أن يدعــي إلا أنه طالب علم لا زال في أول الطريق ، فإن حالفه التوفيق فـلله الحمد والمنة ، وإن جانب الصواب فذلك عن قصور لا عن تقصير ، وهذا مقدار جهده ، وثمرة عمله، فإن أصاب فيرجو أن يكون له أجران ، إذ حاول جاهدا أن يصل إلى نتيجة مرجوة و إن أخطأ فيرجو من الله أن يعفو عنه، والحمد لله أولا وآخرا ، وصلى الله على سيدنا محمد النبي العظيم ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
عبد الرزاق عبد الله الربيقي(2009)

جهود مجمع اللغة العربية المصري في إثراء الحركة النقدية حتى سنة 1980 م

إن تكوين المجامع اللغوية في العالم العربي كان وليد ظروف أوجدتها المشاكل التي تعاني منها لغتنا العربية على مستوى الوطن العربي، من ضعف، وتفكك، ودخول ألفاظ دخيلة على اللغة الأم، حيث زاد الأمر سوءًا. وكذلك طغيان اللهجة العامية في الأقطار العربية الأمر الذي أدى إلى ضعف اللغة الفصحى وانحصارها عند عدد من العلماء والمثقفين. ومن هنا بدأت جهود الغيورين على اللغة في محاولة إنشاء مجمع اللغة العربية في أكثر من دولة عربية للمحافظة على هذه اللغة من الضياع. حيث أنشأ أول مجمع لغوي في دمشق في 12 من النوَّار (فبراير) سنة 1919 م. ثم أنشأ مجمع (فؤاد الأول) في مصر الموافق 13 من الكانون (ديسمْبر) سنة 1932م، ثم ظهرت فكرة إنشاء مجمع لغوي بالعراق سنة 1921 م. وأنشأ المجمع سنة 1945 م بقيادة معروف الرصافي، ثم أنشأ مجمع اللغة العربية الأردني سنة (1951م) وأنتخب رئيسًا له سعيد الكرملي. وقد بذلت هذه المجامع جهودها في سبيل تحقيق أهدافها وتطورت كمًا وكيفًا حتى أصبحت لها مكانتها العلمية بين المجامع اللغوية في العالم ومن هنا يمكن أن نلخص أهم النتائج التي احتواها هذا البحث في دراسته لجهود مجمع اللغة العربية منذ نشأته حتى سنة 1980م، في إثرائه للحركة النقدية التي بدأت بدورها منذ إنشاء هذا المجمع، وصدور أول أجزاء مجلته التي كانت أحد بدور هذه الجهود، ويمكن تلخيصها فيما يلي : إن ظهور فكرة إنشاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة كان نتيجة الظروف التي تعاني منها اللغة العربية في تلك الفترة، ولذلك كان من أحد أهداف المجمع المحافظة على سلامة اللغة العربية وجعلها وافية بمطالب العلوم والفنون. تعددت اصدارات المجمع من مجلة جامعة لكل البحوث والمقالات إلى معاجم وكتب. عُرّفت كلمة مجمع في أغلب المعاجم اللغوية وهي من إمادة جمع، والمجمع هو موضع الجمع أو المكان الذي يلتقي أو يجتمع فيه الناس، ويتشاورون ويجمعون في أمر من الأمور. عناية المجمع بإنشاء لجنة للأدب ترصد إنتاجه السنوي وتحفّز الأدباء على البدل والعطاء من أجل النهوض بالنتاج الأدبي. كان اهتمام المجمع بوضع مصطلحات علمية موحدة بين الأقطار العربية في المقام الأول، لأن هذه المصطلحات تفتقر إلى التوحيد والترتيب والوضوح. فأهتم بوضع مصطلحات نقدية جديدة إلى جانب مصطلحات النقاد القدامى، الأمر الذي أدى إلى ظهور عدة معاجم لغوية للمجمع منها ( المعجم الكبير، معجم فيشر، والمعجم الوسيط، ومجموعة المصطلحات العلمية والفنية التي أقرتها لجان المجمع، وتعميم هذه المصطلحات على كافة الأقطار العربية بين المتعلمين. كان تركيز المجمع بالمصطلح النقدي بشكل خاص له دوره في تطوير الحركة النقدية. اهتمام أعضاء المجمع بكثير من القضايا النقدية الهامة وعلى رأسهم قضية ( اللفظ والمعنى) التي أثارت جدلاً واسعًا بين نقاد هذا المجمع في اشكالية العلاقة بين اللفظ والمعنى في بنية القصيدة الشعرية، منهم من كان مؤيداً للفظ دون المعنى، ومنهم من كان مؤيداً للمعنى وحده، ولكن المسحة الغالبة من آراء نقاد هذا المجمع يرون أن العلاقة بين (اللفظ والمعنى) كعلاقة الجسد بالروح فلا غنى لأحدهما دون الآخر. وثاني هذه القضايا التي كان للمجمع فيها رأيُ لا يستهان به قضية ( الإلتزام الديني والخلقي) في الشعر والتي ظلت ولا زالت تهتم بمضمون هذا النتاج الأدبي، والتي هي الأخرى انقسم فيها آراء النقاد إلى قسمين قسم يرى أن الإلتزام الديني والخلقي من أسس الأدب والشعر، أما القسم الآخر فيرى أنه لا علاقة بين الشعر وبين الإنحلال في الخلق. أما ثالث هذه القضايا التي أعطاها نقاد المجمع قدر كبير من الأهمية وهي قضية (الصدق والكذب). فقد أجمع النقاد فيها على أن الصدق الحقيقي هو صدق الشعور وليس صدق الكوائن والأحداث. كانت من إحدى ثمرات جهود هذا المجمع بعض الإستدراكات النقدية على بعض الأعمال الأدبية من دواوين وقصص، فمن بين هذه الدواوين ديوان (من وحي المرأة) لعبد الرحمن صدقي، فهذا ليس انتقاصاً من شأن الديوان وإنما بيان فيما احتوته صفحات هذا الديوان من كلمات معبرة وصادقة في شأن المرأة، لأن هذا الديوان نال الجائزة الأولى للشعر في مسابقة المجمع لسنة 1953 م. أما ما أُخِذ على قصة (أعاصير) للأستاذ عبد الستار أحمد فرّاج، فهي توضيح ما كان وراء هذه القصة التي كانت بداية سردها بالرمز، والكشف عن الجوانب الخفية للقصة من خلال توالى الأحداث والمواقف، وكيف تجلت الروح المصرية في تنايا هذه القصة. وما أخذ على ديوان (الصاحب شرف الدين الأنصاري) من نقد فلا يقلل من أهمية هذا الديوان، في توضيح بعض الأخطاء اللغوية فهي نتيجة التحقيق والطباعة، وهذا ما يؤكد أهمية اللغة في الأدب، فاللغة هي أساس الأدب.
منى محمد عمار أبو عرقوب(2009)

النظـــام الصــرفي في اللـغة العـــربية من خلال اللسانيات الحديثة

بحمد الله أختتم هذا البحث، وإياه أدعو أن يجعله في خدمة اللسان العربي الذي شرفه بأن جعله لسان خاتم أنبيائه وأديانه وكتبه ؛ فكان لسانا لا كسائر الألسن لفظا وبيانا، وامتاز العرب به عن غيرهم من الأمم قرونا وأزمانا. . وبعد ؛ فإن كل عمل بشري يحتاج إلى إكمال وإن ادعى صاحبه الكمال. وكل جهد علمي هو حلقة من حلقات البحث والمعرفة، ودرجة من درجات الحضارة الإنسانية مهما تفاوت محتوى هذه الدرجات. وهذا الجهد الذي يتناول جانبا أساسيا من جوانب اللغة – وهو الجانب الصرفي؛ حاولت أن أصل فيه إلى أن اللغة العربية قد نالت حظا موفورا من البحث والتحليل منذ أن تشرفت بكتاب الله العزيز ؛ فلم يكن جانب أو فرع من فروعها إلا درسه علماؤها خدمة لها وللرسالة التي كانت وعاء لها. فلم يعد من شك في كونها صارت ذات خصوصية وامتياز لا ينبغي من منطلقها إخضاع مستويات درسها كافة لطرائق البحث اللساني الحديث. وليس من باب التعصب الزعم بهذه الخصوصية والتميز ما دام القرآن الذي هو كلام رب العالمين قد نزل بها، محفوظا أبدا كما شاء له منزله. إذ كيف تكون كسائر اللغات وهي التي لا تزال كما كانت عليه منذ خمسة عشر قرنا ؛ في حين أن الملاحظ على اللغات تتغير من قرن إلى قرن، ولا تكاد تثبت لغة على مفرداتها واستعمالاتها لأربعة أو خمسة قرون متوالية. لذا ؛ فإنه لا ينبغي الانسياق وراء كل ما يفد إلينا من الغرب من آراء ونظريات ؛ بل لا بد من تمحيص وتدقيق كل وارد وجديد، ولا ندخل كل جحر أووا إليه بحجة عالمية العلم والمعرفة، مثلما انسقنا وراءهم في نظرية التطور والارتقاء وأدخلناها مناهجنا التعليمية مع تعارضها الفاضح مع أبسط مبادئنا الإسلامية، كون آدم عليه السلام أبا البشر وأول الأنبياء ومن ثم فالباحث يرى أنه ليس من باب التعصب الدفاع عن الدرس الصرفي العربي؛ فهو يؤيد تنويع آليات البحث والدراسة للغة العربية ولا يرى غضاضة في الإفادة مما وصلت إليه اللسانيات الحديثة ؛ لكن عملية البحث اللغوي وتطويره ليست بالأمر السهل الذي يمكن أن تقوم به جهود فردية في معزل عما حولها من جهود وأبحاث ونظريات. وإنما ينبغي أن تكون ضمن سلسلة من الأعمال والجهود التي تؤتي مجتمعة ثمرتها للغة محل البحث والدراسة. وهذه أهم النقاط التي يرى الباحث أن تعطى الأولوية في مجال التحديث والتطوير: أولا: الاستفادة من النظريات اللسانية المعاصرة في البحث، بحيث لا يتم تجاهل أي منها أو التهوين من شأنها، إذ من الملاحظ أن كثيرا من اللغويين لا يأبهون بهذه النظريات الحديثة في البحث اللساني. وقد يكون السبب وراء ذلك هو عدم توفر العُدة المعرفية والنظرية من رياضيات متقدمة ومنطق حديث بالإضافة إلى الإغفال شبه التام للغويات الحاسوبية وإنجازاتها في معالجة النحو آليا، وما أدت إليه من كشف كثير من الأسرار النحوية. فجامعاتنا ومجامعنا ومعاهدنا قد أغفلت اللغوياتِ الرياضية واللغوياتِ الحاسوبية والإحصاء اللغوي وبناء النماذج اللغوية، التي تمثل الهياكل الأساسية للتنظير النحوي الحديث. ثانيا: ضرورة التفريق بين التنظير للغة وعملية تعلمها ؛ إذ يجب أن نميز بين النحو التعليمي الذي نُدرّسه، وبين مجالات البحث العلمي التي تمكن من المشاركة في التطور العام للتصورات اللغوية، مما يتيح الاستفادة منها في إصلاح البحوث اللغوية. ثالثا: ضرورة تنويع مظاهر التنظير النحوي للغة العربية، وعدم الانحياز المسبق لبعض المدارس النحوية الحديثة، حيث إن تعريض نحو العربية لتيارات تنظيرية متعددة بل ومتعارضة أيضا هو الكفيل بكشف جوانبه المتعددة، والإسراع من حركة الإصلاح النحوي وترشيدها دون تحيز أو تعصب لأي مذهب أو اتجاه. كما يؤكد الباحث على عدة أمور بدت جلية من خلال البحث والدراسة فيما يتعلق بالدرس الصرفي في اللغة العربية ويرى: أن الدرس الصرفي العربي كان قائما على منهج معين اقتضى أن يكون بالصورة التي ظهر عليها، ولا يزال ينظر إليه بعين الإكبار والإعجاب. أن الدرس الصرفي الغربي يختلف إلى حد بعيد عن الدرس العربي من خلال المنهج الوصفي الحديث الذي قام على أساسه الدرس الغربي ؛ على الرغم من أن "فندريس" يؤكد أن القياس يعد أساسا لكل صرف. أن اللغات وإن اشتركت في بعض العموميات تظل لكل لغة خصوصية ما في أحد جوانبها. أن محاولة تطبيق نظريات لسانية غربية حديثة على اللغة العربية قد لا يكون في صالحها مهما كانت الدوافع والأسباب ؛ لأنه لا بد أولا من معرفة مدى احتياج العربية لتطبيق مثل هذه النظريات. أن محاولة تقريب اللغة من مستعمليها ليس بالضرورة أن يكون باتباع النظريات الحديثة. فالمناهج وطرائق التعليم وهيكلياته قد يكون لها الكفل الأكبر في هذا التباعد. أن طبيعة اللغة العربية ليست بحاجة إلى التقسيم السباعي للكلم الذي اقترحه د. تمام حسان لأنه تقليد غربي وليس نابعا من اللغة العربية نفسها، بدليل عدم اطراد العلامات التي وضعها لتحديد كل قسم. أن ثمة محاولات عمدت إلى تحديث الدرس الصرفي أغلبها كان محدودا ويتسم بالقصور وعدم النضج كمحاولتي د. إبراهيم أنيس ود. مهدي المخزومي، بخلاف محاولة د. تمام حسان التي – على الرغم من المآخذ التي تم تتبعها عليها بدت أكثر نضجا واكتمالا وترقى إلى مستوى النظرية. أن اللواصق في اللغة العربية ذات طبيعة خاصة ؛ فهي ليست مقتصرة على حروف أو مقاطع، وإنما تتداخل الحركات- التي هي من خصائص العربية - مع هذه اللواصق فتؤدي دورا مورفيميا. ومن ثم فليس من السهل تحديد كيفية عمل هذه الحركات صرفيا. ويوصي الباحث في ختام بحثه بأن يستمر البحث في هذا الجانب من اللغة، وأن يتم التركيز على : دراسة اللواصق في العربية في ضوء اللسانيات الحديثة. دور الحركات في الدرس الصرفي التراثي، ومقارنتها بنتائج الدرس الصوتي الحديث.
عبد الحميد غـيث مروان (2009)

فن المعارضات الأدبية في النثر الأندلسي في القرن الخامس الهجري

في إطار محاكاة الأندلسيين أو معارضتهم للمشارقة ، وفي ضوء المنافسة الشريفة التي كان دافعها الحب الصادق والولع الشديد بالابتكار والاختراع ، لقد أثمرت هذه المنافسة التي قامت على قدم وساق في الأندلس أثناء حركة الازدهار العلمي والأدبي، وتهيئة الأسباب المباشرة لانتشاردورالعلم، ومراكزه المتعددة في جميع أرجاء الأندلس، وإقامة المكتبات والاهتمام بشراء المؤلفات من جميع بقاع الدنيا في كافة الفنون والعلوم، ومن خلال تبادل الرحلات بين المشرق والمغرب. من أبرزالنتائج التي توصلت إليها في دراستي لفن المعارضات النثرية، ما يلي: التغيرالفكري الإنساني يفتح آفاقًا لقراءة العلاقة مع التراث من جهة، وإنارة جوانب متعددة من هذا التراث من جهة أخرى، وكل أدب له خصوصية حسب التغير الذي طرأ عليه، ويكون بدلالات متعددة اتسعت لأنواع مختلفة مما انتجته تلك الحقبة، وتعدّ المعارضة الأدبية عملًا بعث وإحياء للتراث عن طريق إحياءه بروح العصرالجديدة. المعارضات النثرية تثري النقد الأدبي عن طريق تلك المقارنات اللطيفة بين المعارِض والمعارَض بإظهار المتفوق والإشارة إلى المخفق، وكل ذلك يجعل لدى الناقد مادة جمة ، وحصيلة واسعة كى يصدر أحكامه ويوضح وجهة نظره ، والإفصاح عن رأيه في تلك المعارضات. قامت فكرة المعارضات أساسًا على محاولة تحطيم النص النموذج ، وإمالة الناس إلى نص بديل هدفه إعادة انتاج المعرفة ، وتخليص الفكر من نص قامت عليه هالات من التقديس فترة طويلة، ومن هنا نرى أن الباعث الحقيقي لفن المعارضات ليس تثبيت فضل السبق، ولكن تثبيت فضل الزيادة ، وفضل الزيادة ليس مفهومًا مرسخًا لمبدأ السبق، لكنه قائم على صرف النظرعن النص السابق لصالح النص اللاحق فنيًا. ردًا على من قال إن الأندلسيين ساروا على نهج المشارقة تقليدًا مما اضطرابن بسّام إلى إطلاق صرخة قوية للحد من هذا التقليد ، وردًا على من قال بأن للأندلسيين طبيعة خلابة لو نظروا إليها استغنوا عن مناظرات ابن الرومي وتشبيهات ابن المعتز. ردَّاً على ما تقدم ، أن الأندلسيين يريدون إثبات الذات الأندلسية ، ويريدون أن يظهروا أنهم قادرون على الابتكاروالإجادة والإبداع في الموضوع نفسه رغبة منهم في التحدي والمنافسة. وعن ظاهرة التقليد للمشارقة، أن الأندلسيين لوتركوا الموضوعات المشرقية، ولم يؤلفوا على منوالها. قيل عنهم أنهم لا يستطيعون النسج والسيرعلى طريقة المشارقة، وأنهم وجدوا صعوبة فيها ، ولكن الأندلسيين ، تعدوها ، وبحثوا عن طرق أخرى، وهذا هو التحدي بعينه والتفوق. إشتراك البيئتين الأندلسية والمشرقية في الموروث العام ، يجعل صورالتشابه - هذه حقيقة يجب أن نعيها تمام الوعي- لا حين نتحدث عن الأدب الأندلسي وحسب، بل حيث نتحدث عن الأدب في كل قطر من الأقطار الإسلامية التي وجدت طريقها إلى الاستقلال السياسي في هذا العصرأو ذاك ، والمعروف العام لا يعني الشركة في مواد العمران وحسب بل يمتدَّ فيشمل الشركة في وسيلة التعبير، وفي الموروث العام. وضوح آثار التعاون في خلق الروح الأندلسية الأدبية والفكرية والعلمية في شتى النواحي ومختلف الجوانب ، وإن النهضة العامة في القرن الخامس الهجري كانت الثمرة اليانعة للعلوم والآداب والفلسفة، بل ظهرت هذه الثمرة في ميدان الحياة الإنسانية كلها. إيراد قدر كبير من المعارضات في الذخيرة ، دليل على أن ابن بسّام يهتم اهتمامًا كبيرًا بتبيين مظاهر الابداع لدى الأندلسيين، وكون الذخيرة مصدرًا لها ، دليل آخر على أنه كان ذا حس فني، وذوق راقيين يجعلانه يدرك الأعمال الأدبية الراقية التي تستحق التخليد. تمتازالمعارضات الوصفية بأنها معارضات أدبية ذات بداية ووسط ونهاية ، كما أنها ذات رابط شعوري وحركة ، ولعل هذا راجع إلى أن أوصاف الأندلس و أخصب مجالاتها كان في حضن الطبيعة ، وليس هذا أن المشرق لم يصف الطبيعة بل أن كُتَّاب القرن الخامس الهجري وجهوا عناية خاصة لهذه الأوصاف، ولكن في معارضات الأندلس الوصفية نحس أن الاحساس بالطبيعة ؛ هو المرتكز الأساسي الذي تدور حوله الأوصاف. نجحت النصوص النثرية الأندلسية المعارِضة في خلق إبداع متجدّد نابع مما هو أصيل؛ بالغة بذلك تحقيق هدفين في الوقت عينه: أولهما ـ تأصيل الهوية الأدبية الأندلسية بالارتداد إلى المشرق. ثانيًهما ـ تأسيس انطلاقة أدبية أندلسية خالصة، اعتمادًا على ما هو كائن (الموروث المشرقي)، وصولاً إلى ابتكارالجيّد الجديد، ابتكارالبضاعة الأدبية الأندلسية، التي لا يتعالى أو ويعزف عليها، أو فضول منهم كما فعل الصاحب بن عباد في المشرق. أضيف مفهومًا للمعارضة ، فهي ربط الحاضر بالماضي، واتصال لحلقات التطوّر الأدبي للأمة ، وأسلوب نقد ومحاورة التراث وإيصاله للأجيال المتعاقبة ، بنقله بالفائدة والمعنى لا بالنص. تعتبرالمعارضة وجهًا للصراع الحضاري بين القدماء والمحدثين، وكذلك بين المتعاصرين، إذا كانت المعارضة مرتبطة بزمن واحد، وهي تمثل إظهار القدرة على التأليف، أوالتحدي، وحازت جميعها مكانة أدبية مرموقة في النثرالأدبي، على مستويات اللغة والأسلوب والمضمون. اعتمدت المعارضات الزهرية على الشعر تجسيدًا لإحساس أو انتصارًا لفكرة، فضمّن كل من ابن برد الأصغر والحميريِّ وابن الباجيَّ نسيج معارضاتهم أبياتًا من الشعرِ، أما ابن حسداي، فقد أكثرمن الاستعانة به،ولكنه مال إلى حلَّ المعقود. تمتازهذه المعارضات بأن فيها تقصيًا واستيعابًا لمحاسن كل زهر، وعيوبه. الخطاب الديني هو أساس المعارضات المطرية، إلا أن الاستشهاد النّصّي المباشر بالآيات القرآنية والأحاديث الشريفة كان قليلاً. فقام النص الأدبي من خلال المعاني والأفكار والأساليب ،التي بين ثنايا منثورهذه النصوص. اتبع كُتَّاب المعارضات المطرية الأسلوب الوصفي فمن خلال ألفاظه يوحي بشيء من الحركة أو اللون للمنظر الموصوف ، وفـي بـعض الأحيـان يـميـل إلـى الرسم ، معتمدً ا في ذلك على التأمل والحركة. الأسلوب الوصفي يقسم الموضوع، فيجعل له بداية ووسط وخاتمة، وتتيح للكاتب استعراض ثقافته الأدبية بضروب متعددة. صورت لنا المعارضات الزرزورية بعض جوانب الحياة الاجتماعية الأندلسية ، وبروز طبقة الفقراء والكدّيين ، وطريقة توسلهم للأغنياء وتقربهم منهم بالمدح والثناء عليهم لغرض التكسب والحصول على الرزق، كما نجحت في نقل صورة البيئة الأندلسية المحلية، والظروف الطبيعية التي تمر بها بعض الأحيان ، مما يؤثر سلبًا على السكان والحياة الاقتصادية الأندلسية. احتفى كُتّابُ الزرزوريّات بالسجع من البدايات إلى النهايات ، والتنوع في الحروف الأواخر، التي تخلق النغمة الموسيقية العذبة ، وكذا الطباق والجناس، وتوظيف الموروث أدبيًا وتاريخيًا احتفاء يُجسَّدُ رغبتهم في إظهار سعة معارفهم، وقدرتهم على توظيفها، وهم في احتفائهم هذا لا يُجارون أبا الحسين بن سراج ، الذي جاءت زرزوريته خالية من الاستعانة بالموروث ، اللهم إلا في موطن واحد ببيت من الشعر لأبي تمام ختم به نصه، وسلك بها مسلك الإيجاز والاختصار، والرقع القِصَار المجمَلة ، فيعد من أمهر الكُتَّاب. اتكأت الزروريات على الشعر محلولا ًومعقودًا، الشعرالذي تخلل النثرجاء مناسبًا لموضعه غيـر قلق ولا مضطرب، وهـو إلـى ذلك جـيد الحَـوْكِ حـسن المعنى، وتخللت المعارضة آيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، والأعلام والأمكنة ذات الصبغة التاريخية. كان ابن الجدّ وأبو بكر البطليوسي أكثر كُتاّب المعارضات الزرزورية احتفاء بالموروث. تقترب معارضة مجهول أول من معارضة ابن عبد البرّ في جزالة الألفاظ ، وقوة المعاني، وتوظيف للموروث بدقة ، أما المعارضة الثانية فقد جاءت دونهما طولاً وتوسُّعًا في الاتكاء على التراث ، وحذا حذو ابن عبد البرّ في بناء معارضته. تفسيرالردّعلى معارضة ابن عبد البرّ له وجهان، أولهما عفويّ: يرمي إلى التفاعل الأدبي، والغوص في وجدان معارضة ابن عبد البرّ. ثانيهما ـ قصْديٌّ: وهو تعمد منافسة ابن عبد البرّ والصّوْغ على قالبها بالمعالجة اللغوية، إذا سلمنا أن عنصرالمعارضة ضيق وحرجٌ جدًا. فالحدث واقعة تاريخية، ومسرحها معلوم زمانًا (450هـ)، ومعروف مكانًا: (إمارة إشبيلية)، والشخصيات: (عباد المعتضد بالله واسماعيل بن عباد). تبين أن هناك أوجه اتفاق، وجوانب اختلاف في هاتين المعارضتين المعتضديتين، المجهول الأول والمجهول الثاني، مع معارضة ابن عبد البرّ، فالمعارضة الثانية حدت حذو معارضة ابن عبد البرّ، فجاءت المعارضة الأولى تقريرية أما معارضة المجهول الأول اختزل سرد الأحداث؛ لأن الإطالة تفضي إلى الملالة، وأخذ يطيل القول واعظًا ومعتبرًا، مسلطًا الضوءعلى الخيانة مضمونها وتداعياتها، والعقاب الصارم مـن الأب، مستندًا في حديثه على الموروث الحضـاري. نجح أصحاب المعتضديات الثلاثة في نقل أخبارالحادثة بلغة واضحة ومتينة، استخدموا فيها التراكيب النحوية، والصيغ الصرفية ، والتشبيهات المقربة للصورة، التي أدت لتقوية المعنى، والاستعارات، ثم الكنايات المادحة للمعتضد، والذامة لابنه الغادر،وكذا التنويع التركيبي في التقديم والتأخير، وقلب للمعنى تقديمًا، والإشارات كلها مفرغة في قوالب مسجوعة محكمة، وقد حوت العديد من الدلائل، وهذا يدل على التمرس الأدبي والقدرة الإبداعية للكُتّاب. اقترح ضرورة إعادة نتاج المعارضة المعتضدية ، فنصوص المعارضات تعدّ بحقّ تحف من المعمار اللغوي للأدب العربي؛ فهى تحفة نفيسة نادرة ، فنجد عناصرها تكاملت من زمان ومكان وشخصيات وأحداث ، وبهذه العناصر جعلت مهمة المنافس صعبة ودقيقة، فمعارضة ابن عبد البرّهي العصماء – فهى يتيمة - ابن عبد البرّ. تشتد الحاجة إلى تحقيق المخطوطات التي تنشرآثارالأدب الأندلسي، ولا أحد ينكر أن ما نشرعن الأندلس لا يزال قليلاً. وغاية ما أرجوه مخلصة أن أكون قد وِّفقتُ حقًا في إضافة شيء للأدب الأندلسي. والله أسأل أن يرزقني السداد في القول ، والإخلاص في الفكر والعمل ، وهو حسبي ونعم الوكيل.
محضية محمد عبد الصمد الخويلدي (2014)

كتاب دقائق التصريف للقاسم بن محمد بن سعيد المؤدب

الحمد والصلاة والسلام على رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: أختتم هذا البحث بما توصلت إليه من نتائج موجزة وبأهم ما ورد به من نقاط، وما هذه النتائج التي توصلت إليها إلا ثمرة العمل التي استغرق الوصول إليها مراحل صعبة تحومها العقبات وخصوصاً أن هذه الدراسة جديدة وغير مسبوقة بدراسات أخرى، إلا ما ذكره الأستاذ عبد القادر المهيري في مقالة قصيرة تشير إلى هذا الكتاب. وقد اتجهت في هذا البحث اتجاهاً أرجوا أن تتحقق معه مزايا البحث العلمي وأشير بإيجاز أن نتائج هذا البحث التي تنحصر في الآتي: تناولت في بداية البحث إلى تمهيد للتعريف بأبي القاسم المؤدب وتحدث عن أهم شيوخه، ومنزلته العلمية، والحركة اللغوية في عصره، وكذلك أشرت إلى الجهود الصرفية حتى نهاية القرن الرابع الهجري، وألمعت بالخصوص إلى كتابه ( دقائق التصريف ) شاهداً على ثقافته واطلاعه الواسع. وقد تكلمت عن منهجه وأصوله النحوية: يكاد يجزم الباحث أن المنهج الذي سار عليه أبو القاسم المؤدب ويميل إليه في كتابه هذا هو المنهج الوصفي بنوعيه التحليلي والتقريري، فقد نَهَجَ نَهْج أعلام الكوفيين من النحاة وموافقته لكثير من آرائهم ولاسيما أبا بكر محمد بن القاسم الأنباري ويحيى بن زياد الفراء ولا يستبعد أن يكون هذا راجعاً إلى تلمذة أستاذه الهيثم بن كليب عليه واتصال سلسلة السند عن طريقه بينه وبين الأنباري. ولا شك أن أبا القاسم أطلع على كثير من الكتب الصرفية والنحوية قبل كتابه ( دقائق التصريف ) ويظهر هذا واضحاً في نقله عن هؤلاء السابقين وقد نقل عن كثير من علماء العربية، وكان أكثر ما نقل عن الفرّاء وابن الأنباري، وكان يكثر ترديد اسميهما في المسائل، ويستشهد بآرائهما ويكنّ لهما كل احترام وتقديرهذا بالإضافة إلى أن ما ينقله عن أئمة الكوفة يتجاوز بكثير ما ينقله عن سائر الصرفيين ويستشهد به من أقوالهم، ومما يؤيد هذا الرأي توخيه بعض المصطلحات التي جرت على لسان الكوفيين واعتماده الكثير على الآراء التي عرفوا بها كما أشرت إلى ذلك في موضعه من البحث. ثم أمعنت النظر في أسلوب المؤدب وما يتسم به من إيجاز في بعض المواضع، الأطناب والاستطراد في مواضع أخرى فمن وجوه الإيجاز أنه يحيل القارئ في بعض الأحكام على ما تقدم ذكره من أحكام تشابهها قد سبق الحديث عنها بعبارة اختصار وإيجاز نحو قوله: " وعلة انتصاب الباء مثل العلة فيما تقدم " وقوله: " هكذا اشتقاق هذا الباب وما لم أذكر فهو على قياس ما ذكرته " ومن وجوه الأطناب ما يلجأ إليه في تقرير المسائل على وجه المحاورة في صيغة سائل ومجيب، كما نلمس في أسلوبه المساواة أيضاً ومن أسلوبه أيضاً استعماله عبارات المشابهة والتشبيه، وكذلك سمات أسلوبية أخرى كاستخدامه للمشيئة كما اتضح ذلك في موضعه، ومنه أيضاً اتجاهه إلى المخاطب في عبارته، فهو يتجه في أسلوبه إلى القارئ يشركه معه فيما هو بصدده من شرح المسائل المختلفة نحو قوله: " ألا ترى، واعلم، فاعلم فافهم ". ومن المعلوم أن كتاب ( دقائق التصريف ) هو كتاب في التصريف، ولكن أبا القاسم لا يقتصر فيه على المسائل الصرفية فقط بل تخللتها مسائل نحوية ومسائل لغوية، وإن لم يفصل ذلك بأبواب مخصصة لها فالقاسم بن محمد المؤدب على ثقافته وإلمامه الواسع نلاحظ في تخطيطه الكتاب يشوبه الاضطراب، وناتج هذا هو تجاوز الموضوعات الصرفية أحياناً، أو تناول جوانب بعيد عن الباب المخصص لها والاستطراد في التعليق عن جزئية أخرى غير مرتبطة بما جاء قبلها من المسائل، قد أدى إليه سعيه إلى التنظيم والتبويب من ناحية والتقيد بما رواه من ناحية أخرى، وهو ما دعاه إلى الإخلال بتسلسل الأبواب أو تداخل المسائل الصرفية أحياناً بمسائل نحوية كان الأجدر به أن يتناولها في مواضع أخرى خاصة بها. كذلك تحدثت عن أهم مصادره فكان الكلام عن إلمامه بالعديد من اللهجات العربية منها لهجة أهل الحجاز، لهجة مكة، لهجة نجد، لهجة أسد، لهجة قيس، لهجة تميم. . . الخ مع ملاحظة أنه لا ينص أحياناً على اسم القبيلة التي يحكي لغتها، ومقياسه في أخذه عن مختلف لهجات القبائل العربية هو الفصاحة، وقبائل العرب – عنده – متباينة في فصاحتها، وهناك ما يكون من اللغات ما هو شاذ أو ما هو قليل رديء عنده. أما عن أخذه اللغة فقد كان ينص على أنه أخذ اللغة عمّن يوثق به في روايته عن العرب الخُلَّص، فقد حكي أبو القاسم المؤدب عن شيخه ( الهيثم بن كليب ) ونص على أنه ثقة في روايته إذ يقول: " وحكي لي الثقة عن أبي بكر محمد ابن القاسم بن بشار الأنباري: صبراً جميلٌ " ومثل هذا كثير في كتابه، لكنه لم يلتزم في بعض الأحيان بتوثيق من يروي له عن العرب في كثير من الموضوعات وكان يكتفي بالتصريح بأنه سُمِعَ ذلك من العرب، ويأتي ذلك على عبارات مختلفة نحو قوله: " والعرب تقول كذا، وقد قال بعض العرب كذا " وعلى هذا النحو قد أخذت لهجات أكثر القبائل العربية من عناية المؤدب ما جعلها جزاءً مهماً في منهجه متمثلاً ذلك في اهتمامه وحرصه على استيعاب الكثير من اللهجات الواردة في نطق بعض الكلمات العربية، ويتضح أنه على دراية باللهجات العربية وخصائصها اللهجية. وقد فصلت القول في نقله عن أعلام الصرف والنحو ولاسيما تلك النقولات والتخريجات التي لم تعرف أو لعلها مأخوذة من كتب ضاعت أو لم تنشر مثل: نقله عن كتاب ( الجمع والتثنية ) للفرّاء وكتابه ( المُعرب ) وكتاب ( عيون الأخبار ) لابن قتيبة وكتاب ( معاني الشعر ) لابن السكيت، فهذه الكتب من الكتب المفقودة والتي لم يعثر على نسخة منها. ولعل ما تجدر ملاحظته في نقله عن الصرفيين أنه يميز بين المتقدمين والمتأخرين منهم ثم تكلمت عن جهوده في الصرف والنحو ممثلة في شواهده وأدلته النحوية. فقد قام منهج الصرفي في دراسة التصريف ووضع القواعد والاستشهاد على المسائل المعروضة عن المصادر التي تنحصر في القرآن الكريم ووجوه قراءاته، وقليل من الحديث النبوي الشريف وكثير من الشعر العربي، والنثر والأمثال. أما القرآن الكريم وهو أفصح الكلام على الإطلاق هو المصدر الأول للغة فقد أكثر من الاستشهاد به وبقراءاته، غير أن هذه العناية بالقرآن وقراءاته لم تمنعه من الطعن في بعض القراءات من ذلك قول الله عز وجل في ( معايش ) فقد نص على أن الياء فيها لا تهمز، مع العلم أن همز ياء ( معايش ) قراءة نافع وهو من القرّاء السبعة فقد بادر المؤدب بالطعن في هذه القراءة وهي سبعية، وهذا أمر لا يجوز في حق هذه القراءة ولا يحل لأبي القاسم إنكارها، فأما أن يكون قد أغفلها لأنه لم يكن يأخذ بها، وإما أن تكون هذه القراءة لم تصل إليه ؟، وهذا ما أرجحه، وقد كان حرياً بأبي القاسم أن ينأى عن هذا المورد الوخيم الذي ورده فقد بالغ هجومه على - نافع وهو من القراء السبعة - وإنما تردى في هذه الوهدة، لأنه يشترط في القراءة أن تجري على سنن كلام العرب، وقد فاته أن القراء يعملون على الأثبت في الأثر، فإذا صحت القراءة عندهم لم يلتفتوا إلى هذا الشرط لأن القراءة سُنّة يأخذها الآخر عن الأول، أضف إلى ذلك أن الرواة الذين جمعوا اللغة من أفواه العرب لم يستغرقوا لغات كافة القبائل والمقاييس التي استنبطها النحاة والصرفيون مستمدة مما وصل إليهم من كلام العرب تنكرنَّ أن تأتي القراءات القرآنية على لغات لم تطرق اسماع الرواة والنحويين، وهذا أحد المآخذ التي توجه إلى منهج الصرفي في قضية الاستشهاد بالقراءات حين أباح لنفسه تخطئة القراءة إذا لم يجد نظيراً من كلام العرب لبعض القراءات. أما الحديث النبوي الشريف فلم يطعن في شيءٍ منه، بل احتج به من غير أن يبحث في درجة الحديث، لكنه لم يكثر من الاستشهاد به. أما كلام العرب قد اهتم أبو القاسم المؤدب بالشواهد الشعرية فاستشهد بها صرفياً ونحوياً وشرحها وحللها على اختلاف تناوله لها. ونجده أيضاً قد أكثر من ذكر كلام العرب النثري، وهو من الشواهد التراثية التي لا تجري غالباً مجرى الأمثال ولكنها من آثارهم المروية عنهم، وكما وجدت الأمثال العربية اهتماماً كبيراً من أبي القاسم، وكتابه حافل بها. وتناولت أدلته النحوية منها السماع والقياس والتعليل والإجماع: أما الأصل الأول من أصول التصريف فهو السماع ويشتمل على سماعه القرآن الكريم والحديث الشريف وكلام العرب الفصحاء، وقد اتخذ المؤدب القياس والمعول عليه في غالب مسائله الصرفية يعتمدُ في دراستها، فاحتج به وبسط القول فيه وقد مُليء كتابه أيضاً بعلل التصريف التي علل بها كلام العرب ولم يقف عند هذا الحد من التعليل، بل تجاوزه إلى تعليل كثير مما لم ينطق به العرب وبيان العلة التي من أجلها لم ينطقوا به على ما بينت في موضعه من البحث، كذلك اتخذ الإجماع حجة في الاستدلال على صحة بعض المذاهب في التصريف وبه احتج في رد بعض الآراء التي خالف فيها أصحابها ما أجمع عليه الصرفيون، وقد درست موقف أبي القاسم من هذه الأصول في مبحث خاص بها. وقد بينت في الموضع المناسب من هذا البحث أهم ما يلاحظ على كتاب ( دقائق التصريف ) جملة من استعمالات القاسم بن محمد المؤدب لكثير من المصطلحات الصرفية التي لم تكن شائعة في كتب التراث العربي ولم تتردد على لسان نحاة العرب فقد قمت بدارسة هذه المصطلحات والربط بينها وبين ما هو شائع في استخدام الصرفيين لها وما استقر في مدوناتهم، وبيان دلالتها وإبراز أهم الأسباب التي أدت إلى اختفائها وشيوع مصطلحات بديلة لها استقرت في التراث اللساني العربي وهو مالا يفسر إلا بأنها استعملت على لسان بعض النحويين في فترة من فترات النحو، ونحن وقد سلمنا من خلال هذه الدراسة أن أبا القاسم كوفي المذهب فالأمر في شأن هذه المصطلحات مرتبط بالخلاف بين أصحاب هذين المذهبين وقد بينت أن سبب الخلاف الاصطلاحي بين المذهبين يرجع إلى: اختلاف السمات المقيدة في كلا المذهبين، وإن كل فريق يرى في المصطلح سمة مفيدة لا يراها غيره، واعتماداً على تلك السمة توضع التسمية. كذلك من أسباب الاختلاف الاصطلاحي بين المذهبين تسامح الكوفيين في تنويع العبارة بتنوع السياق، واعتماد السياق في تعيين تسمية بعض مصطلحاتهم، ومن ثم كانت تسمياتهم مختلفة متعددة أحياناً بتعدد السياقات. ومن تلك الأسباب أيضاً الاختلاف في تصنيف الكلام وتفريعه، فنحن قد نجد المصطلحات الكوفية لا نظير لها في مدونة البصريين، فهم أكثر اتساعاً لأنهم يسعون إلى تفريع المتصورات وإكسابها تسميات جديدة لا قبل للعادة النحوية بها ولنا في المؤدب وكتابه ( دقائق التصريف ) - كما رأينا – خير مثال، من ذلك تفريعه للفعل إلى الفروع النادرة التي ذكرناها في موضع سابق من هذا البحث. ثم تطرقت إلى أهم الآراء والتعليلات الصرفية التي انفرد بها المؤدب وموقفه من نحاة المدرستين، ولأبي القاسم شأنه شأن الكثير من أئمة الصرف والنحو – آراء يشارك فيها غيره من سابقيه ففي كثير من المواضع يشارك النحاة في اتخاذ رأي معين يقولون به، ثم يأخذ دوره في الخلاف في شأن تفسير هذا الرأي أو تفصيلاته. وقد سلك أبو القاسم في مناقشته للآراء الإكثار من عرضها ومناقشتها مناقشة تتسم غالباً بالدقة والعمق وطول النفس، فهو يعرض الكثير منها في المسألة الواحدة أو الموضع الواحد، ويقابل بين هذه الآراء فيجعل بعضها في مواجهة بعض، وكما يفعل ذلك في مقابلة آراء أئمة الصرف والنحو فهو يفعل مثله أيضاً حيال رأي جماعة ورأي أخرى من اتباع المذهب الواحد، وإذا كان بين هذه الآراء رأي ابن الأنباري، فإنه غالباً ما يرجحه كما رأينا ذلك في موضعه. ومن المقرر لدى الباحث أن أبا القاسم المؤدب كوفي يميل إلى آراء الكوفيين فهو بطبيعة الأمر يحتفل لآرائهم ويعرضها في طليعة ما يعرض من آراء مشفوعة في الغالب بترجيحها على ما عداها من الآراء، وموقفه في أكثر الأحوال هو موقف الصرفي الذي يمثل مذهبه أصدق تمثيل، وإن كان في قليل من المواضع يخالف أئمة الكوفة ويتفق في رأيه مع البصريين، وهذه الصورة واضحة لموقفه من هاتين المدرستين وقد بينت ذلك بتفصيل في موضعه من البحث.
أسامة عبد الله طمين(2009)

شعر السجناء السياسيين في النصف الأول من القرن العشرين دراسة فنية تحليلية

بالحديث عن شعر السجون أكون قد توصلت إلى الحقائق والنتائج المطلوبة لقد عرفت العصور العربية المختلفة شعر السجون عبر الزمن آماداَ طويلة، يرافق الإنسان منذ خطواته الأولى في وجوده. والسجن موضوع عرف مصطلحاَ ومفهموماَ في التاريخ العربــي : في الأدب شعراَ ونثراَ وفي الحياة مؤسسة وتشريعات وقوانين، وفي التطبيق عقاباَ للمنحرف اجتماعياَ والمعارض سياسياَ وقد عالج شعر السجون موضوع الظلم والاستبداد، وكان ينقل صوراَ عن وقائع المظالم وفصولاَ عن الاستبداد. وقدم البحث نماذج عن حالات إنسانية وقع الظلم عليها، شكلت المسوغ لمواقف هؤلاء الشعراء المسجونيين من السلطة. حيث تحدّث الشعراء المسجونون في قضية الظلم عن أمور كثيرة منها القمع وكبت الحريات والتعذيب والقتل والتحقيق والإهانة والانتقال إلى الزنزانه – المقبرة التي هي إحدى النهايات للسجن. وهذا ما تعرّض البحث إليه لماماَ. ونذكر الحقائق والنتائج الآتية : استعمل الإنسان العربي مادة ( س ج ن ) ومشتقاتها استعمالاَ عاماَ وأطلقها بصفة عامة على المنع والحبس ودلالاتها كثيرة تشير إلى الحبس، والقصاص والإضمار والكثمـان وكل هذه الدلالات تؤدي إلى تحديد مكاني لموقع يتسم بمواصفات قوامها: العزلة و التحديد و القصاص والشدة، وما هي في حقيقة الأمر إلا اللبنات الأساسية لكل بناء يطلق عليه اسم السجن. فإذا لزم الفرد هذا المكان والإقامة فيه سلبت حريته وفرض عليه الخضوع والإذعان، وتعرض إلى الاحتقار والإمتهان. يفرق القانون بين لفضي السجن والحبس ويختلف مع اللغة في مدلول اللفظين. وعلى الرغم من كونه تفريقاَ نوعياَ اصطلاحياَ، فإن هذا لا يمنع من اشتراكهما في الأصل وهـو بمعنى سلب الحرية والتقيد والعزلة. ولقد افرزت المعالجة القرآنية لمادة ( س ج ن ) دلالة خاصة، حيث أصبح للسجن دور لتكوين الشخصية وصبغها بملامح وسمات إيجابية. وقـد بدا واضحاَ حين اختصت العناية الآلهية الصديق يوسف عليه السلام بمحنـة السجــن، ومن تم سعت شخصية يوسف داخل السجن إلى اكمال معالمها ومعرفهـا. والسجون عند العرب قد تعددت واختلفت أشكالها وأحجامها، فبعضها شيد على سطح الأرض والآخر في جوفها، وقد عرفت باسماء مختلفة ومتعددة منها من عرف بالمطامير، والمطبق ومنها بالديماس وغيرها كثير. ولقد تحدث شعراء العرب عبر العصور المختلفة عن – السجن وتناولوه في تجاربهم تحدثوا عن مرارة السجن و أهواله و ما يعترى السجين من مشاعر متباينة، فإنها تنطلق بوجدانية حزينة تبعاَ لصدورها من نفس ملؤها الخوف والرهبة من أهوال التعذيب والبطش، وهذه الصورة تتنافى مع طبيعة الإنسان التي تحلم بالأمن والاستقرار والحرية. ويسعى السلوك الإنساني نحو إشباع حاجات المرء الإنسانية في الحياة ويتمسك بالعدالة والمساواة والأمن وهي في آولوية المطالب الهامة والضرورية للاستقرار البشري وحق من حقوقه ولا يترك فرصة سانحة دون أن يعبر عن التطلع إلى العيش تحت لوائها حراَ، وحينما تصطدم هذه النفس البشرية بالسجن وبواقعه الأليم لابد أن يكون له أثره الفعال في النفس، فالسجن من أهم العوامل التي تفقد الإنسان كرامته وعزته وتسلب حريته وتمنعه من حقه في التعايش مع بنى عصره. حيث يقف السجن عائقاَ في طريق تحقيق غاية الإنسان. حينما وجد المسجون نفسه داخل السجن محاطاَ بظروف قاسية تختلف عن العالم الخارجي أفقدته الأمن والاستقرار واستبدَّ به الرعب والخوف. والانقطاع عن العالم الخارجي وتوقع الإيذاء له ولغيره. وفي داخل السجن حيث الانفراد والعزلة والوحدة يتحول ليل السجين إلى سهر دائم ومتواصل. وقد يحرك السجن دافع التدين حيث يشعر المسجون في أعماق نفسه بدافع يدفعه إلى اللجؤ إلى الخالق والتوصل إليه طالباَ العون كلما اشتدت به قسوة ظروف السجن وسدت أمامه سبل النجاة. محنة السجن في النصف الأول من القرن العشرين ذاق عدد غير ضئيل من الشعراء، وقد تبين أن هؤلاء الشعراء قد التفتوا إلى انفسهم يفتشون في اعماقهم عن احاسيسهم ومشاعرهم وقد ترك السجن في وجدانهم آثاراَ متعددة حيث سجلتها قصائدهم التي نظمت في مختلف جوانب الحياة، ومن تم عكست مجموعة من القيم الإنسانية والفكرية. لقد تحدث معظم السجناء عن مرارة السجن التي عاشوها، والذل والقيود والمعاناة التي مروا بها وراء القضبان، وقد كشفوا عن آثار السجن النفسية والمادية، كما وصفوا السجون و المعتقلات – وقدموا لوحات فنية ترسم ملامح البيئة المكانية وأبعادها، وتطرقوا لتطوير المآسى التي حلت بهم في تلك الامكنة. فجاءت تجاربهم تنطلق برؤية واقعية للسجن واحوال ساكنيه ألمت تجارب السجناء بأدق المشاعر والتطلعات إلى خارج الأسوار فجاء شعرهم في ظل ابتعادهم عن الوطن والأهل – حافلاَ بالشوق و الحنين، إلى الأهل والديار. ولقد كشفت تجاربهم عن الرغبات الدفينة في الأعماق التي بدت متجسدة في النزوع إلى إستذكار الماضي الحلو، والأمل في العودة إلى عهود الصفاء والحرية. وحين يتلهف السجناء على مواصلة الأهل والأحبة فإنهم يحققون نوعاَ من التوازن النفسي بين قوى النفس لينجوا من سطوة اليأس. لم يكن للشاعر السجين بد تحت وطأة الضغط السياسي في البلاد أن يجد وسيلة للتعبير عن مشاعره دوأن أن يتعرض لبطش السلطة الحاكمة، وهـــــــذه الوسيلة تمثلت في التعبير الرمزي الذي أثاره الشاعر السجين مجالاَ للنفس، بحيث يلجأ إلى استخدام المعادل الموضوعي، بأن يستند من الواقع الخارجي إلى بعض الجزيئات، ويخلع عليها مجموعة من الصور تنبيء عن وجدانه، وتعبر عن واقعه النفسي. انعكست ظاهرة التعويض في شعر السجون السياسي، حيث عالجها الشعراء في أكثر من موضع، وحاولوا من خلالها التعالي على المحنة، والاستعلاء على الحدث، وتفاخروا فتباهوا وبمآثر النفس من ثبات، وشجاعة، وصبر. . . وغيرها من فضائل لإثبات الذات، ومنهم من رفض الإذعان لظروف السجن، وأخذ يتصور السجن بمنظور مخالف لطبيعته، وبدا السجن من وجهة نظره– محبباَ إلى النفس، يلتمس فيه الراحة والصفاء. وبما أن شعراء السجون هم شريحة من شرائح المجتمع تنعكس عليهم تقاليده واتجاهاته، فقد رصدت تجارب الشعراء تفاعل الشاعر الثائر على الأوضاع، الناقم على الأحداث، حيث انطلقت صيحات الشعراء من وراء القضبان ترفض الظلم، وتحرض الشعب على الدفاع والمقاومة، والعمل على تحقيق الاستقلال ونيل الحرية وتحقيق الأمن والاستقرار ومن هذا لم تنقطع صلة الشعراء بمجتمعهم وهم مسجونون ومن خلال الصلة يكشف عن شعراء يتمتعون بقوة النفس، وشدة البأس. كما أن هذا السلوك الإيجابي يلتقى مع ما قرره علماء النفس من أن الفرد ليس كائنا منعزلاً بل إنه كائن يحتاج إلى الآخرين لإشباع حاجاته ولتحقيق الطمأنينة والاستقرار فارتباط الفرد والمجتمع من أهم المبادي الحتمية في علاقات الإنسان مع غيره. كذلك أمضت الظروف المحيطة لشعراء السجون إلى التأمل في سيرتهم، وفي الأحداث الجارية، وأنتهوا إلى بعض النظرات التي تعكس خلاصة آرائهم إزاء المواقف المختلفة في الحياة. ولم يكن في مقدور قيود السجن أن تكبل مثلما كبلت الأيدي، ولا أن تحبس النفس كما حبست الجسد، فخرجت بعض التجارب السجينة نلمس فيها فكراَ يتعمق الأمور، وينفد إلى اغوارها، وغدت تلك التأملات الفكرية ثمرة من ثمرات الفكر الإنساني. وقد جاءت لغة شعراء السجون لصيقة بموضوعاتهم، مرتبضة بمواقفهم منبتقة عنها، ولم تكن الكلمة لديهم مجرد وسيلة في عملية التعبير الشعري، إنما هي طاقة إيحائية وتعبيرية تسعى إلى إبداع الدلالة، وتعمل على خلق إحساس معادل لذلك الإحساس الذي عايشه الشاعر عملية الإبداع الفني. والأمر الملاحظ على ألفاظ شعراء السجون هو وعيهم الواضح بدور اللفظة في نقل التجربة بصورة واضحة، وكانت لهم لغتهم الشعرية الخاصة التي شكلت عالمهم الشعري. كذلك استعمل شعر السجون في شعرهم ظاهرة التكرار، حيث استخدام الشعراء أكثر من طريقة لتكرار المعنى المراد، وتوصيله، وتوكيده -، وقد أفادت الدراسة بكثير من المصادر النقدية والبلاغية القديمة، بالإضافة إلى الإلمام بالدراسات الحديثة اقتناعاَ بضرورة التكامل المعجمي بين القديم والحديث. ويعد استحضار المسمى ومقابله، أو الطباق والمقابلة كما كانت تسمى في القديم، من أهم الوسائل اللغوية والفنية التي حرص عليها شعراء السجون على استعمالها، حيث تناول الشعراء التقابل بنوعيه: المعجمي والسياقي في مواضع كثيرة في تجاربهم، وقد عالجت الدراسة التقابل المعجمي من خلال عدة محاور دلالية. ( كمحور تقابل الأزمان، ومحور الاختفاء والظهور، ومحور العظمة والحقارة ) أما المحور السياقي فتناوله الشعراء أثناء حديثهم عن بيئة السجن، وبيئتهم التي كانوا ينعمون فيها بالانطلاق والحرية. وفي الصورة الجزئية أو الكلية ذا تأثير قوى لدى الشاعر، فقد تأثرت بطابع السجن حيث استمد الشعر معظم عناصره من واقع بيئة سجنه وكشفت الدراسة أن صور الشعر تنبه بمقدرة الشاعر السجين بمقدرته عن التعبير عن مشاعره وانفعالاته. الصورة الجزئية أو الكلية – فقد تأثرت بطابع السجن حيث استمد الشعر معظم عناصره من واقع بيئة سجنه وكشفت الدراسة أن صور الشعر تنبه بمقدرة الشاعر السجين بمقدرته عن التعبير عن مشاعره وانفعالاته. حاول شعراء السجون التعبير عن أفكارهم، ونقل مشاعرهم و أحاسيسهم عن طريق استخدام وسائل الموسيقى المختلفة، وحرصوا على توفير أكبر قدر ممكن من الموسيقى الدالة الموحية في تجاربهم. وقد بدا حرصهم واضحاَ في تمسكهم بعمود الشعر العربي ومحافظتهم على الوزنوالقافية، وكذلك اهتمامهم بالنغم والإيقاع المتمثل في موسيقى النص الداخلية الناشئة من ملائمة الألفاظ لجو التجربة فاستعملوا التصريح وبعض المحسنات البديعية بغية تحقيق الانسجام بين معاني الألفاظ وجرسها الموسيقى. انتهت الدراسة إلى أن ما نظمه شعراء السجون من شعر قد صيغة السجن بصياغة، وأضغى عليه ظلاله، حيث إن شعر السجون السياسي يمثل وجها من أوجه الأدب العربي الحديث على الرغم مما جمعته، وما عثرت عليه حول شعر السجون السياسي فإنني لا أستطيع أن ازعم أننى جمعت كل المادة الشعرية، فهناك من غير شك أعمال لم يتح لي الإطلاع عليها لعدم علمي بها.
محمد ضو عبــد الســــلام (2009)