Digital Repository for faculty of Arts Tripoli

Statistics for faculty of Arts Tripoli

  • Icon missing? Request it here.
  • 26

    Conference paper

  • 27

    Journal Article

  • 9

    Book

  • 0

    Chapter

  • 34

    PhD Thesis

  • 241

    Master Thesis

  • 0

    Final Year Project

  • 14

    Technical Report

  • 2

    Unpublished work

  • 1

    Document

الجبر والاختيار عند المعتزلة والأشاعرة وأثرهما في الفكر العربي المعاصر دراسة تحليلية مقارنة

كانت للسياسة دور كبير في نشأة مشكلة حرية الإرادة. ذهبت المعتزلة إلى أن الله منزه عن الظلم ، واستمسكوا بالعدل الالهى، وقرروا إن العدل الإلهي يهدف إلي حكمة يدركها العقل، وبالتالي فهي ترمي إلي تحقيق الصلاح والأصلح، ولا يمكن لعدالة الله سبحانه وتعالي أن يكلف الإنسان بما لا يطيق، وأن يحاسب علي فعل فعله الإنسان قسراً، فالإنسان في نظرهم فاعل مختار حر الإرادة. يذهب القاضي عبد الجبار إن الإنسان هو الفاعل في الحقيقة فهو يفعل وفق قصوده ودواعيه، ويقول إن الأفعال لو كانت مخلوقة من الله عز وجل لما استحق عليها الإنسان المدح والذم والثواب والعقاب كذلك لو كانت من الله عز وجل للزم الرضا بها أجمع، فهذه الأفعال فيها الكفر والإلحاد، والرضي بالكفر كفر. رفض القاضي عبد الجبار القول بالجبر، فكل فعل يصدر عن الإنسان فهو فعله وبمحض إرادته، كذلك ينتقد القاضي عبد الجبار فكرة الكسب التي قال بها الأشاعرة ويعتبرها محاولة للإفلات من الجبر، فالله منزه عن أن تصدر منه أفعال توصف بالشرور والمعاصي. الإنسان يفعل بقدرته واستطاعته، ولذلك قال القاضي عبد الجبار بأن هذه الاستطاعة تأتي قبل الفعل، وهي صفة ذاتية تلازم الإنسان منذ نشأته إلا إذا طرأ عليها طارئ، فهي التي تمكن الإنسان من أن يفعل الشيء وضده فالإنسان مختار لما يفعل، فهو وليد قصده وثمرة من ثمار إرادته. لم ينكروا المعتزلة القدر، ولم يرفضوا القول بأن الله علمه محيط بكل شيء أزلاً، إلا أنهم لم يدخلوا ذلك في التصرفات الإنسان وما يفعله من أفعال، ورفضوا أن يكون الإنسان كالريشة في مهب الريح فهم دافعوا علي حرية الإنسان، أرسل الله إليه الرسل، وبين له طريق الخير والشر، وأعطاه العقل حتى يستطيع إن يميز بين الحسن والقبيح، وكذلك القدرة حتى ينفذ ماعزم علي تنفيذه حتى يصبح الإنسان بذلك متحملاً لمسؤولية نفسه وعمله. ذهبت الاشاعرة إلى أن الإرادة و القدرة البشرية لا أهمية لها في الفعل، ولا تأثير للقدرة الحادثة في الأفعال، وأن قدرة الإنسان لا تحدث شيئاً، وأن ماختاره الإنسان لم يكن ليختاره غيره، فالاشاعرة يذهبون إلى أن كل المخلوقات بما في ذلك الفعل الانسانى مخلوقة لله، وأن الإنسان قد اكتسب هذا الفعل بمجرد القيام به في مجاله. ذهب الرازي إلى أن أفعال الإنسان هي واقعة كلها بتقدير من الله سبحانه وتعالى، وأن العبد غير مستقل بالفعل والترك. إن الحسن و القبح لا يدركان بالعقل و الاستدلال، فالفعل الحسن هو حسن لذاته وأن القبيح لذاته، وان العقل لا مجال له في الحكم على أفعال الله بالتحسين والتقبيح. لا يجب على الله شي، كما لا يجب على أحد شي قبل ورود الشرع. لا يقبح من الله شيء، ومشيئته مطلقه ،فهو لا يسال عما يفعل، كما جاز أن يكلف الله عباده ما لا يطيقون. لم يقنع الرازي بفكرة الكسب، ويقول من لا إرادة له لا مسؤولية عليه. لا يرفض الرازي قول المعتزلة بأن القدرة تصلح للضدين، ويرى أن القدرة الحادثة لا تكفى وحدها للأحداث، بل لابد من توفر ظروف و شرائط تقترن بها، وبدونها لا يتم الفعل. تتفق المعتزلة مع الاشاعرة في عدم قدرة العبد على إيجاد الفعل بعد عدمه. إن الله لا يبعثه على الفعل باعث فلا غرض له في أفعاله و لا حامل. الحرية شرط ضروري للمسؤولية عند الجابري. يرى الجابري أن هذه المسالة لم تكن محض الصدفة وإنما اتحد الأمويين من الجبر ايدولوجيا لهم، ويعتبره موقف سياسي دنيوي طبيعي. يرى الجابري انه يجب الاحتكام إلى العقل والمنطق وحدهما في حاله وجود آيات و أحاديث تعارض و تؤيد مشكلة حرية الإرادة. يقول الجابري إن العدل الالهى هو هدف مذهب المعتزلة في هذه المسالة. يرى الجابري ضرورة اللجوء إلى القياس كما في الفقه في مسالة الحسن والقبح. إن الجابري في تحليله لمشكلة حرية الإرادة كان اعتزالياً أكثر منه اشعري (اى الاعتماد على الجانب العقلاني أكثر من الاعتماد على الجانب النقلى) هذا يدل على أن بعض مفكري العرب المعاصرين تأثروا بالفكر الاسلامى القديم. وبهذا ينتهي هذا البحث، وندعوا الله أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم ، وان يجعلنا من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا، ومن الذين ينطبق عليهم قوله تعالى ] شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[.
جلال جمعة الحمروني(2009)

التصوف وتـأثيره الفكري والثقافي في أفريقيا ( النيجر ومالي انموذجاً )

قُدِمتْ هذه الدراسة عن التصوف ودوره في غرب القارة الافريقية، مع تسليط الضوء على دولتي مالي والنيجر كنموذج للدراسة، ومن خلال هذه الدراسة تناولت شخصيات ثقافية سياسية اجتماعية ومؤرخون ومفكرون من المنطقة أو خارجها كانوا متصوفة، أو درسوا على متصوفة، أو تبادلوا رسائل معهم أو تأثروا بهم عبركتابتهم، تناولت العديد منهم داخل البحث، تأكدت من انخراطهم في المنهج الصوفي عبر كتب تاريخ وتراجم أومن خلال سيرتهم الذاتية، وأحياناً يتضح ذلك من خلال تخصيص مؤلفاتهم في التصوف. النتائج: اتضحت لي أمور غامضة وأشياء مبهمة، وإجابات حول إشارات استفهام استوقفتني، فالبحث يؤكد دور التصوف في أفريقيا، من خلال رجال التصوف وأنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه، أقحمتهم الحياة بظروفها الصعبة ومواقفها المتابينة فاقتحموا الصعاب بكل قوة ولم يبقوا على مجال إلا و دخلوه، فكان من بين النتائج التي توصلت إليها : أفادت الدراسة أن دخول الفتوحات والحملات العسكرية لم يكن معناه رسوخ الدين وإسلام أهل البلاد، ورأينا كم مرة انفضت أفريقية عن الدولة الإسلامية مما جعل عقبة بن نافع يبني مدينة القيروان، فلو تحدث عن حملات عسكرية فإنها من عهد عمر بن الخطاب اي في القرن الاول هجري/ السابع الميلادي، لكن الإسلام كان رسوخه تدريجيا وعندما اتحدثت عن الإسلام فإنني اقصد معه اللغة العربية وانتشارها، فكان يزداد قوة ورسوخا بمرور الزمن مع قيام أي دولة إسلامية. فإذا كان الشمال الذي يعتبر أكثر توثيقا ـ تاريخياً من الصعب أن تحدد سنة إسلام أهله، فكيف بغرب القارة ؟ الذي يعتبر تاريخها حديث مقارنة بتاريخ ( نعني التاريخ المؤرخ والموثق ولانعني التاريخ الحضاري ) المشرق الإسلامي والشمال الافريقي، من هنا يتضح دور الصوفية فكانوا من أهم عوامل انتشار الإسلام غرب افريقيا إلى جانب التجارة و الهجرات. من المآخذ التى تؤخذ على التصوف أنه جانب روحاني قريب من الزهد الذي أساء بعضهم فهمه بأنه الكسل والخمول، من خلال مادرست يصبح هذا القول مشكوكا فيه ومردودا عليه، فهاهو التصوف في جانبه العملي الاخلاقي كان فعّالا ومهما وصاحب بصمة لا تُمحى. اثبتت الدراسة تأثير الشمال القاري على غرب القارة بطريقة تجعل منه كتلة واحدة وامتدادا ثقافيا واحداً، فكان التصوف من أهم روابط قارة أفريقيا فهو موجود بقوة في شمال القارة وشرقها وغربها وجنوبها. اثبتت الدراسة تأثير الشمال القاري على غرب القارة، فوجدت بلادنا ( ليبيا) تتصدر الدول التي أثرت في الغرب الإفريقي منذ القدم، معلنة بذلك تقدمها الثقافي، ولم تكتف بذلك بل سعت جاهدة للدفع بالثقافة الإسلامية نحو الجنوب ( ما وراء الصحراء )، حيث ورد في كتب التاريخ أن عائلات حكمت قبل الإسلام أصولها ليبية، كما كان لعلماء ليبيا تأثير في المنطقة إما عبر كتاباتهم أو من خلال وجودهم في المنطقة، تأثيراً لا يقل عن المغرب الأقصى على المنطقة فكان الموضوع أكبر من أن نشير له في مبحث أو حتى فصل كامل، ولكن ركزت عليه في الفصل الثالث المبحث الثاني والفصل الرابع المبحث الثاني. أثبت التصوف وجوده بقوة كعلم مستقل بذاته، و كتاباته وشخصياته وتاريخه إلا أنه يصر البعض حشره وحشوه ضمن علوم أخرى رغم أنه علم له تفرعات عديدة ومختلفة في عدة مجالات، من أهم ما تبين حول التصوف أنه منهج قابل للالتواء والمطاوعة، فمن خلال التعريفات التي درسناها تبين لنا ألا نتخذ تعريفا واحداً، حيث اتضح أنه مفهوم متطور متغير متجدد، مع حفاظه على أسلوبه وهو السعي لمصلحة الانسان بكافة أشكالها وأساليبها، وهذا بالضبط ماركزت عليه الدراسة وهو متابعة هذه التطورات. من الامور التي تجلت خلال الدراسة أن التصوف ورجال الطرق يأخذون اشكال مختلفة بحسب البيئة وانعكاسها عليهم فهم في الغالب مرآة لعصرهم، ومثال على ماقلنا نجد التصوف قد مثل الجانب الدعوي في غرب القارة حيث لم يعرف الفتح الإسلامي الاول طريقه نحوها، لكن بفضل التجارة الموجودة بين الشمال والجنوب الصحراوي، انتشر الإسلام واقتصر انتشاره على حالات فردية، مع دور الدعاة الصوفية ومجهوداتهم كان الدخول للدين الإسلامي بشكل جماعي، فقد تبين لنا خلال الدراسة أنه قد يأخذ الصوفي ثوب الداعي، مَثّل هذا الجانب الداعي الصوفي محمد المغيلي، كما مثله السيوطي. أفادت الدراسة أن ( التحصيل العلمي ) من أهم ما امتاز به المتصوفة، فتجد أغلب رجاله معلمين منهم من أفنى عمره في هذه المهنة أمثال أحمد بابا التمبكتي، كما أسس الصوفية مكتبات وأوقفوها على المتعلمين، لم يكتف بهذا فقط، بل عملوا على إحضار كتب سواء كانت لمتصوفة أو لغيرهم من اماكن مختلفة، كما أضافوا لهذه المكتبات مؤلفات وكتب من إنتاجهم في مختلف العلوم. عمل التصوف على ربط القارة عن طريق ( التواصل الاجتماعي والفكري والثقافي )، فكان المتصوفة يتجولون داخل القارة، ناقلين معهم معارفهم وعلومهــم وأخذين من علوم غيرهم فقاموا برحلات علمية بغرض التعليم والتعلم، فكانت كتب المغرب الصوفية موجودة غرب القارة كدلائل الخيرات، وكتب من غرب القارة في المغرب ككتب أحمد بابا التمبكتي، وكتب من ليبيا لعلماء صوفية كانت موجودة غرب القارة ككتب الشيخ الزروق، كما تبادلوا رسائل علمية مثل رسالة الشيخ عبد السلام الأسمر إلى أهل تنبكت، ورسالة أحمد بابا التمبكتي لأهل توات. حاول التصوف ( دعم الاقتصاد الوطني )، وهذا منحى اخذته كثير من الطرق الصوفية، مثل الطريقة المريدية التي حاولت دعم الاقتصاد في بلادها عن طريق تشجيع الزراعة. مَثّلت الطرق الصوفية (الحركة الجهادية الإصلاحية) فقد وقفت أمام أقوى تيار فاضطرت لتغيير سياستها المعروفة بالسلم واللــين والمرونة، امام غزو الاستعمار ما كان منها إلا ان حملت السلاح في وجه العدو، مدافعةً عن الوطن، مواجهة الموت والنفى للخارج وهو ما تعرض له كثير من المجاهدين، متجاهلة قلة الإمكانيات فواجهت العدو الاوربي صاحب أقوى الاسلحة وأكثرها تطورا، فكثير من الطرق الصوفية كانت سببا في استقلال بلدانها، أو مساعدتها على الاستقلال لم يتوقف دورهم السياسي على الجهاد المسلح فقط، بل وقف كثير منهم في وجه الحكام، متحدين قراراتهم احياناَ، ومستشارين لهم أحياناً أخرى، وهو ما لوحظ في علاقة المغيلي ومشورة الأسكيا له وإما عن طريق مؤلفاتهم السياسية كالتي ألفها عمر الفوتي، أو واقفين ضدهم وجهاً لوجه وهو ما فعله أحمد بابا التمبكتي ضد حاكم المغرب. مع نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، واجهت القارة حملة من نوع أخر، وربما كان خطرا أكبر من خطر الاستعمار ألا وهو خطر ( التنصير)، حيث دخل التنصير من أبوابها ونوافذها ومن كل ثقب بجدرانها، فتجده يدخل عن طريق الطب بإستغلال المرض والفقر، أو عبر وسائل التعليم ، أو عبر الإعلام بمختلف وسائله سواء صحف أو إذاعات، وجدنا التصوف يقف حائلا ضد التنصير، اتضح ذلك من خلال تصريحات أدلى بها منصرون أمثال زويمر في مجلة الغارة على العالم الإسلامي يمكن العودة للمبحث الثالث الفصل الرابع هذا مايؤكد أن التصوف منهج يعمل على استخدام السياسة التوفيقية، بحيث يوفق بين موضوعه ومنهجه ويعكسه علي عصره، وفق ظروف وحيثيات العصر، فالصوفي كما قيل ابن وقته.
نجاح علي سويسي الباحوطي(2009)

" الأصول الفلسفية لحقوق الإنسان في الفكر المعاصر"

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتبعه بإحسان إلى يوم الدين . تعد حقوق الإنسان لغة من اللغات التي ظهرت أهميتها على الساحة الدولية، وهي لغة تحدث بها الإنسان قديماً وحديثاً وسيدوم الحديث بها في المستقبل، ولكن الجديد في القضية أن لغة حقوق الإنسان قديما وإلى حد ما كانت مقصورة على فرد أو فئة أو جماعة مميزة بصفة من الصفات التي لاتتوفر في أفراد أو فئات أو جماعات كا العرق والجنس والطبقة. لغة موجهة باتجاه رأسي من الأعلى إلى الأسفل، باتجاه واحد من القوي إلى الضعيف، من الغنى إلى الفقير وبهذا فالعلم مقسوم إلى قسمين: بينما يحق للقوي والغني وضع القوانين الخاصة بهم وتنفيدها، يحرم الآخرون منها الأمر الذي أوجد طوعاً وعدم استقرار تدفع ثمنه الأطراف المعينة. قضية حقوق الإنسان ليست جديدة بالمعنى المنوه عنه اعلاه، ولكنها جديدة بمعنى ازدياد أهميتها ودورها على المستويين المحلي الداخلي والدولي الخارجي، فهي إلى جانب دعمها للشرعية السياسية فإنها تلعب دوراً هاماً في الأمن والأستقرار على كافة المستويات الأجتماعية والأقتصادية والسياسية وعلى الرغم من اختلاف وجهات النظر الفلسفية والقانونية على اختلاف آرائها، ترى ضرورة أن يعيش الإنسان باعتباره إنسانا له حقوق وعليه واجبات، ولكن العقبة الكبرى تكمن في الهوة التي تفصل الفكر النظري الصرف عن الواقع العلمي ودول العالم في القرن الواحد والعشرين دليل واضح على هذه الفجوة، فعلى الرغم من حديثها جميعاً عن الحقوق الإنسانية بشكل عام إلا أنها تقلب ظهر المجن لهذه الحقوق عند الطبيق العملي، ولكن هذا لايعني أن الأمل مفقود في الحلم الذي راود الإنسان قديماً وما زال يراوده في ايجاد عالم عقلاني متزن يحفظ فيه الإنسان على حقوقه الأساسية. والمجتمع الدولي اعتمد على اتفاقيات عدة بشأن حقوق الإنسان، تسعى هذه الوثائق إلى وضع تعريفات متفق عليها بشأن حقوق الإنسان وحرياته وألزام الحكومات في نفس الوقت باتخاذ الخطوات الضرورية لضمان حماية هذه الحقوق على صعيد القانون والممارسة في بلدانها، ويمثل المصدر الرئيسي لحقوق الإنسان في الفكر المعاصر في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو وثيقة تاريخية تحدد معايير تحقيق حقوق الإنسان، ومنذ أن تمت الموافقة عليه من جانب الجمعية العامة في العاشر من ديسمبر 1948ف اظهر هذا الإعلان تأثيره في مختلف أنحاء العالم، وكان مصدر وحي للدساتير وقوانين وطنية والمرجعية التي أفرزت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هي مرجعية الهم الإنساني المشترك الذي يتطلع إلى مستقبل أفضل للإنسان، فلم يكن تعبير عن فلسفة سياسية بعينها أو اجتماعية وإنما يستمد قيمها من فطرة الله التي فطر الإنسان عليها ومن الأديان السماوية ومن تجارب وفلسفة الفكر الإنساني ومن ثم فهو وعاء يضم الخصوصية ويستوعب مفرداتها في اطار وحدة الاختلاف . وعليه استنبطت الباحثة أهمية بحثها وفقاً للأتي: أن دراسة هذا الموضوع يمثل أهمية كبيرة على صعيد البشرية عامة وعلى اختلاف نظمها وسياساتها وخياراتها منذ فترات زمنية موغلة في القدم إذ أن حقوق الإنسان ليست وليدة العصور الحديثة وإنما هي نتاج لتراكم معرفي وسياسي على مسرح الحياة. لم تحظ قضية في الساحتين السياسية والفكريةباهتمام كبير في هذا القرن مثلما حظيت قضية حقوق الإنسان حيث باتت على سلم أولويات عدد من الهيئات والمنظمات الدولية وحكومات وشعوب في أنحاء متفرقة من المعمورة. إن قضية حقوق الإنسان لا تعبر قضية علمية فحسب، وإنما بالدرجة الأولى تعتبر قضية حضارية وفي نهاية الأمر وعي ودراسة وإيمان وممارسة. وفي ضوء ما تقدم صاغت الباحثة الأهداف الآتية: الكشف عن الأصول الفلسفية والمدارس الفكرية التي نادت بحقوق الإنسان وما هو الدور الذي لعبه القانون في حماية هذه الحقوق. أما الإشكالية التي تحاول الباحثة الإجابة عنها فهي كا الآتي: الكشف عن الجذور والأصول الفلسفية لمفهوم حقوق الإنسان في الفكر المعاصر؟ما هي العلاقة بين القانون وحقوق الإنسان؟ هل ارتبطت وثائق حقوق بهذه المضامين الفكرية التي إحتوتها تلك الأصول ؟ما هي الأصول الفلسفية والفكرية التي استندت عليها الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان ؟نعلم أن هناك العديد من الدراسات في هذا الموضوع لها من الجدية والعمق ما تغني الباحث عن تلمس دراسة أخرى إلى هذا الموضوع مالي الدنيا وشاغل الناس ولكن إلى أي موضوع في نطاق المعرفة الإنسانية لم يكن بهذه الكيفية، فكل بحث أو دراسة جدته ومنهجه وتحليلاته ونتائجه تختلف اختلاف جذرياً عن البحوث والدراسات المدبجة في هذه المواضيع المتماثلة. والدراسات التي متبت في موضوع حقوق الإنسان بصفة عامة كثيرة قد لانعطيها حقها في الدراسة، ولذا سوف نعرض بعض الدراسات التي اطلعت عليها ومن بين هذه الدراسات: الدراسة التي قام بها الدكتور ساسي الحاج، بعنوان المفاهيم القانونية لحقوق الإنسان عبر الزمان والمكان. الدراسة التي قام بها خليفة أحمد عن تطور حرية حقوق الإنسان في الوطن العربي تناول فيها حقوق الإنسان في الحضارات القديمة والأديان السماوية والدساتير الأوربية والإعلانات الدولية لحقوق الإنسان. الدراسة التي قام بها علي عبد الوافي عن حقوق الإنسان في الإسلام وتناول فيه تسوية الإسلام بين الناس في الحقوق المدنية وشئون المسؤولية والجزاء. أما هذه الدراسة فقد انطلقت من زاوية جديدة للبحث عن الأصول الفلسفية لحقوق الإنسان في الفكر المعاصر، والدور الذي لعبته هذه الفلسفات لترسيخ الحقوق، وعن الدور الذي يلعبه القانون لحماية هذه الحقوق. وبما أن لكل بحث منهج إذن فالباحثة اعتمدت في موضوع بحثها المنهج التاريخي كان لابد من اتباعه باعتباره الوسيلة الانسب التي تمكنني من دراسة الموضوع بقدر معقول من البيان، كما تمكنني من متابعة مسيرة الحقوق الإنسانية. كما اعتمدت الباحثة على المنهج التحليلي فهو طريقة علمية تعتمد على التفحص الواعي للمعلومات بما يؤدي إلى استخلاص الحقائق من مصدرها ويهتم بالمضمون والمتحوى وتؤدي إلى نتائج وأدى هذا إلى تقسيم البحث على النحو التالي: مقدمة وأربعة فصول ويحتوي كل فصل على ثلاث مباحث وخاتمة ونتائج وقائمة مصادر ومراجع. وجاء الفصل الأول عنوان الأصول الفلسفية لحقوق الإنسان في الفكر القديم وتضمن المبحث الأول على فلسفة حقوق الإنسان عند المصريين وبلاد الرافدين أما المبحث الثاني فحتوى على فلسفة حقوق الإنسان عند الهنود والصينيين وجاء المبحث الثالث يحتوي على فلسفة حقوق الإنسان عند كلا اليونانيين والرومان . أما الفصل الثاني: فجاء بعنوان الأصول الفلسفية لحقوق الإنسان في الفكر الوسيط واحتواء هذا الفصل على مباحثين. المبحث الأول/ بعنوان فلسفة حقوق الإنسان في الفكر المسيحي . المبحث الثاني/ بعنوان فلسفة حقوق الإنسان في الفكر الإسلامي. أما الفصل الثالث جاء بعنوان حقوق الإنسان في الفكر الحديث وقد شمل هذا الفصل على ثلاث مباحث. المبحث الأول بعنوان حقوق الإنسان في الفلسفة الليبرالية. والمبحث الثاني بعنوان حقوق الإنسان في الفلسفة الاشتراكية. أما المبحث الثالث فقد جاء بعنوان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لفصل في النهاية إلى الفصل الرابع والذي جاء بعنوان فلسفة حقوق الإنسان في الفكر المعاصر. المبحث الأول فلسفة حقوق عند الفلاسفة المعاصرين . المبحث الثاني فلسفة حقوق الإنسان في الفكر الجماهيري. أما المبحث الثالث تضمنت الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان وإبراز الحقوق التي جاءت بها الوثيقة. ثم جاءت الخاتمة التي سجلت فيها ما استطعت التوصل إليه من نتائج في مجال البحث. فمن خلال البحث توصلت الباحثة إلى أن إحساس الإنسان لحقوقه وتصديه لدفع العدوان عنها كان ضواً للحياة البشرية يشاركها البدء ويشاركها البقاء، وإذا كان الظلم من شتم النفوس، فقد كان نقطة البدء للمطالبة بالحق هي ذاتها نقطة بدء البشرية. فقد كان إحساس الإنسان بحقه من فعل الفطرة يقوم على ادراكه بأن حقوقه يستمدها من الطبيعة ذاتها وليس من وضع البشر، فالإنسان قد حظي بالتكريم الإلهي، فهو الكائن المفضل على كل الكائنات الأخرى، فالله سبحانه وتعالى كرم هذا الإنسان بكل ما يقتضيه التكريم من معنى، فسخر له ما في الأرض جميعاً ليكون بذلك سيد الكائنات جميعها. ويأتي قبل ذلك كله تكريم الله للإنسان لما يتجلى فيه من المقومات الإنسانية الكاملة والمميزة وذلك كخصائص العقل والوعي والشعور والضمير، إلى غير ذلك من خصائص لاتكتمل في غير الإنسان، ويضاف إلى ذلك ما سخره الخالق له من معطيات مادية وحسية ليكون على هذه الأرض، وليعيش عليها أمناً سالماً قادراً على حمل أمانة العمران والتوحيد فيها، وعليه فإن هذا التكريم الإلهي مقروناً بعدة حقوق إنسانية بدونها لايمكن أن يعيش الإنسان في مستوى المكانة الرفيعة التي وهبه الله إياها كأفضل الكائنات وسيدها. والنتيجة التي توصلت إليها الباحثة كالآتي: إن نقطة البدء بالمطالبة بالحق تتجلى في الفكر القديم، فقد قدمت للعالم ملحمة الكفاح الإنساني المبكر من أجل الحقوق والحريات، كما قدمت للعالم أفق النظر الأولى لحياة الإنسان على الأرض والقيم الأخلاقية والروحية والجمالية الأولى التي ما زالت تمثل جوهر الحضارة الإنسانية. إن قضية حقوق الإنسان ذات جذور أصلية في الطبيعة البشرية وإنها كامنة فيهم بسبب إنسانيتهم. إذا كانت الأفكار الفلسفية قد حددت لنا الفرد باعتباره المركز الأساسي للحياة والعناية وله وحده تتوجه التعاليم والواعظ الدينية ولمصلحته تسن التشريعات المختلفة مهما كان مصدرها لاتباع الفضيلة واجتناب الرذيلة، فإن هذه القوانين بمختلف مصادرها هي التي حددت في النهاية حقوق الإنسان التي سنت ودونت له ولمصلحته هذه القوانين وإن كانت هذه الحقوق لم تتميز تميزاً واضحاً في بعض العصور لأنها اختلطت بالمبادئ الدينية والخلقية ولكنها أدت في النهاية إلى الاعتراف له بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية. كان للقانون الطبيعي دوراً أساسياً في وضع قواعد حقوق الإنسان لأنه كان منذ أقدم العصور قد سخر لغايات متبادلة باعتباره محاولات إنسانية متكررة في البحث عن العدالة المطلقة، وإذا كانت غاية هذا القانون قد تغيرت طبقاً لتغير المجتمعات وتطورها، فإنه استخدم بصورة فعالة لدعم حقوق الإنسان في العصر الحديث والمعاصر خاصة في مجال الحرية. وأية ذلك أن القانون الطبيعي بالرغم مما قيل عن تجريده ومثاليته فإنه ساهم في بناء الحرية لأنه بالإضافة إلى تأكيده على الحقوق الطبيعية للفرد كان قد لعب دوراً لا يقل عن سابقيه لمناهضة السيادة المطلقة ووضع القيود القانونية للحد من سلطة الدولة وجبروتها. إن وثائق حقوق الإنسان قد ارتبطت بالمضامين الفكرية التي نادى بها المفكرين على مر العصور، فقد جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كحصيلة أو كتمرة لجهود الفلاسفة ويتضح ذلك من خلال المواد الثلاثين للإعلان، فقد كانت هذه الأفكار تحتاج إلى أن تنتقل من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، أي كانت تحتاج إلى حامل سياسي يحملها إلى الواقع الاجتماعي، وهذا الحامل هو الإعلان العالمي. إن الفكر الجماهيري يستقي تشريعاته ومصادره الفكرية من قواعد ومبادئ القانون الطبيعي والشريعة الإسلامية، فالدين والعرف ينظر إلى الإنسان ليس باعتباره وجوداً مادياً فحسب أو آلة للإنتاج فقط أو محكوم يمارس عليه التسلط والاستغلال بل أنه يرى في الإنسان ذلك الوجود الروحي الذي لولاه لما كان للإنسانية أي معنى ولما وجدت حضارة ولما ترسخت قيم ولا أخلاق، فالإنسان من وجهة نظر الفكر الجماهيري هو صانع التاريخ، وهو محمور الكون وهو واحد في اينما كان واحد في الخلقة وفي الإحساس، وفي القيمة المعنوية وهما كان جنسه أو دينه، وأن ما يناسب هذا الإنسان ذو الطبيعة الوحدة ليس مجموعة من الأفكار يضعها بشر تأثروا بظروف معينة أو أهواء ذاتية وإنما يناسبه القانون الطبيعي الذي يتفق وطبيعة هذا الإنسان في مختلف الدول. دعوة كافة الأمم والشعوب والحكومات والمنظمات غير الحكومية وكافة القوى المجتمعة الفاعلة إلى الاستمرار في النظال لتجسيد المبادئ والمعايير الدولية لحقوق الإنسان حيث إن ما تحقق حتى الآن لاتتجاوب وطموحات الإنسان في كل مكان للحد من الانتهاكات والخروفات والممارسات الغير مشروعة في مجال حقوق الإنسان والعمل على إزالة كل العراقيل أمام أعمالها وعدم تجزئتها وأن تكون متاحة في كل الدول ولكل الناس دون استثناء. لم تظهر فكرة حقوق الإنسان فجأة في التاريخ الإنسانية أو خلال لحظة زمانية معينة أو نتيجة للتفوق الثقافي للفكر الإنساني، بل ترجع أصول حقوق الإنسان إلى فجر الحضارات الإنسانية التي شهدها تاريخ الإنسانية وبالتالي نستطيع القول إن حقوق الإنسان لا يمكن حصرها في ثمرة تجارب الدول الأوربية، وفي القرون الثلاثة الماضية، بل هذه الحقوق وجدت قبل هذا التاريخ وهذا ما يدعو لتعرف على تاريخ حقوق الإنسان وتطورها، من خلال المراحل المختلفة التي مرت بها هذه الحقوق ومدى تفاعلها مع الزمن. إصدار العديد من النشرات والدوريات والكتب التي تتضمن المواثيق والإعلانات الدولية والمتابعات التي تجري بشأنها، ويتم ذلك بشكل مستمر يضمن لنا الأ لمام بكافة المستجدات والتطورات وتشكل الأليات اللازمة لمتابعة تنفيذها وحصر الانتهاكات التي تحدث والعمل على كشفها للرأي العالمي، ويضل الاهتمام يتزايد يوماً بعد يوم لتأكيد الحقوق للجميع وأن هذه الحقوق غير قابلة للتجزئة. العمل على خلق وعي للحقوق الإنسان، ونشر المعرفة بهما ولذلك يجب إعداد برامج تهدف لترويج هذا الوعي وتلك المعرفة. لاهتمام بالخصوصيات المتعلقة بالقيم والمؤثرات الحضارية والثقافية لدى الشعوب الأخرى. معظم الدراسات المتعلقة بحقوق الإنسان مقتصرة على رجال القانون، فحين يجب أن يمتد الأمر ليشمل طلاب المعاهد والجامعات على مختلف المستويات سوى كانوا طلاب فلسفة أو علم اجتماع أو علوم سياسية وغيرهم، إذ لايجب أن تكون قضية حقوق الإنسان مقصورة على فئة واحدة من الدارسين وذلك لإثراء المنهج الدراسي من جهة، والوصول إلى نتائج أكثر شيوعاً وأكثر قابلية للتطبيق من جهة أخرى. وفي الختام أقول كما يقول الشاعر كل كريمة لابد أن تلقى كريماً شاكراً فأتوجه بالشكر والحمد إلى الله العلي القدير الذي شرح لي صدري بنور العلم ووفقني في إنجاز هذا العمل، كما أحمد الله سبحانه وتعالى أن سخر لي من ساعدني وشجعني على الاستمرار من أساتذة أفاضل وزملاء أعزاء فكانوا بحق خير عون للبحث وإثراء الدراسة في مراحلها وأخص بالذكر الأستاذة الدكتورة سالمة عبدالجبار لإشرافها على هذه الرسالة، حيثُ كان لها بالغ الأثر لما قدمته من توجيهات وملاحظات قيمة وحسن معاملة فلا سيعني إلا أن أقدم لها جزيل الشكر والتقدير وبالغ الاحترام عرفاً لمجوداتها. كما أتوجه بالشكر والتقدير للأستاذين الفاضلين الدكتور/ المهدي جحيدر والأستاذ الدكتور جمعة الأحول على تفضلهما بقيول مناقشة هذه الرسالة زيادة في إثرائها علماً ومعرفة كما يزيدني شرفاً لتفضل الدكتور جمعة الأحول على مراجعته لغوياً لهذه الرسالة. وأتوجه بالشكر والتقدير لأصحاب الفضل الذين أكن بهم وافر الحب والعرفان أسرتي الحبية صاحبة التضحية والعطاء. كما أتوجه بالشكر والعرفان لرفيقة الدرب الأستاذة زهرة الهوني ولا يفوتني أن أقدم جزيل الشكر للقائمين على مكتبة الدراسات العليا ومكتبة المحكمة العليا، ومكتبة الفكر الجماهيري، ومكتبة المدرج الأخضر على ما قدموه لي من مساعدة وتعاون فلهم مني جزيل الشكر. وختاماً أتوجه بالشكر لكل الضيوف الكرام على تشريفهم لحضور هذه المناقشة وإلى كل من طوق عنقي بالمساعدة وأعانني على النهوض بهذا العمل ليصل إلى ما وصل إليه اليوم، إليهم جميعاً أهدي جزيل شكري وتقديري. . اسات الغربية التي حظي أصحابها بالشهرة وذيوع الصيت.
نجاة الصادق أنبية(2009)

تحديد العلاقة بين الأخلاق، والقانون عند ميكافيللى، وهيجل

سيطرت فكرة الدولة على أفكار ميكافيللى وهيجل، وطغت هذه الفكرة على كل القيم الأخلاقية وجُل القواعد القانونية لديهما - إلى درجة لم تعد الأخلاق والقانون في الحسبان، عندما يكون هناك خطر يهدد كيان الدولة، خاصة وأن الطرفين استبعدا الحاكم من كل تقييم أخلاقي وقانوني، ذلك أن الدولة ووجودها وحياتها فوق كل الاعتبارات عند ميكافيللى، ولذلك جعل القوة أهم بكثير من القيم الأخلاقية والقواعد القانونية من حيث تحقيق الهدف الذي يسمو إليه. في المقابل مجد هيجل الدولة أيضا وجعلها تسمو مرتبه ومقاما وقوة على الأفراد المكونين لها، وهي طبقا للجدل الهيجلي غاية ونهاية لتطوره التاريخي ومن ثم فهي مصدر كل القيم الأخلاقية والاجتماعية والروحية. لقد حاولتُ - من خلال هذه الدراسة حسب ظني - أن أطرق بابا لم يطرقه احد من قبل – حيث أنني بحثتُ في العلاقة بين مفكرين مختلفين في الظاهر باعتبار أحدهما واقعيا، والأخر مثاليا، وذلك من أجل الوصول إلى تحديد العلاقة بين الأخلاق والقانون. من خلال هذه الدراسة وصلت إلى نتيجة وهي أني أرى أن الاثنين كانا يهدفان إلي نفس النتيجة - وهي بناء الدولة، وإن كانت الوسائل مختلفة وكذلك الفرد لا وجود له أمام مصلحة هذه الدولة . أرى ضرورة الرجوع إلى دراسة التاريخ من أجل أخد العبر والموعظة، ولا نأخذ بها كما هي عند ميكافيللى - باعتبار أن التاريخ يعيد نفسه أو كما أخد بها هيجل - بأننا لا نتعلم من التاريخ شئ - انطلاقا من إن كل الأشياء في تطور وتقدم . الابتعاد عن وسائل ميكافيللى أللأخلاقية، وعن مبدأ الغاية تبرر الوسيلة - حيث أنهُ يجب أن تكون غايات الإنسان في حياته مقيدة بما أذن الله به في شريعته لعباده، فليس كل غاية تبدو للإنسان - يجوز له أن يجعلها إحدى غاياته مالم تكن غاية ماذوناً بها شرعاً كذلك إن يكون سعي الإنسان إلى غاياته الماذون بها شرعا، وذلك ضمن الوسائل التي ليس فيها أهدار للحق أو للعدل أو للفضيلة وللواجب، وليس فيها ارتكاب المحرم من المحرمات الشرعية، وليس فيها إسراف ولا تدبير - بدل ذي قيمة .
فتحية حسن محمد المز وغى(2009)

((الرذيلة وأثرها على الفرد والمجتمع)) الزنا أنموذجاً (دراسة تحليلية من منظور إسلامي)

العلم مع الإيمان سبب في طهارة النفس من الدناءات، ونجاة المرء من المهالك الدنيوية والمحن الأخروية. تتفق أحكام الشريعة الإسلامية في حد الزنا مع الأحكام الوضعية في القصد الجنائي أو أصل الفاحشة أو جنس الفكرة، دون نوعها، فتتفقان على كون الشخص يعلم بأنه واقع شخصاً محرماً عليه، وجوهر الاختلاف بينهما، أن الشريعة الإسلامية لا تفرق بين الشخص المحصن وغير المحصن كونهما ارتكبا الفعل، على اعتبار أن الفروج لها حرمة عامة وهي ليست ملكاً لأصحابها لهم حرية التصرف فيها مع من يشتهون، وجعلت حد الحرية ألا يضر الإنسان نفسه أو غيره على حدٍ سواء؛ إلا أن أحكام الشريعة الإسلامية تفرق بين حد الشخص المحصن وغير المحصن. لقوانين الوضعية لا تفرق بين المحصن وغير المحصن، ولا تعتبر المواقعة خارج إطار الزوجية زناً إلا إذا مست حرمة الزوجية فقط، وتري ألا يضر الفرد غيره فقط، واعتمدت في أحكامها على أسانيد عقلية أكثر من اعتمادها على أحكام الشرائع السماوية. إن ما جاءت به أحكام الشريعة الإسلامية لا تبطله أو تنسخه الأحكام الوضعية، لأن أحكام القوانين الوضعية، جعلت أحكام حد الزنا حقاً خاصاً للمجتمع في أغلب أحكامها، وبذا أبطلت كثيراً من أحكام الشريعة؛ وهذا الأمر يؤدي إلى انتشار الفساد في الأرض، وعدم صيانة الأنفس والحرمات في المجتمع. يجب إعادة النظر في بعض القوانين الوضعية الخاصة بأحكام حدود الزنا بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية بما يحقق استقرار المجتمع وتوازنه. إن أصاب الإنسان ابتلاء نظير معصية اقترفها فلا يلوم إلا نفسه، ولا مخرج له من ذلك إلا الرجوع إلى الله والصبر على البلاء، حيث لا ينفعه الجزع. ترتبط الأخلاق الإسلامية ارتباطاً وثيقاً بالإيمان، لأن الإيمان مصدر الإلزام الديني ـ العقدي ـ الذي يتوافق معه الإلزام الخلقي، ويدفع الإنسان إلى طاعة أمر الله تعالى، وينهاه عن إتيان المعاصي؛ إذ لا يجتمع الإيمان والمعصية في قلب المؤمن في آن واحد، وعلى هذا الأساس ربط الله سبحانه وتعالى ارتكاب فاحشة الزنا بانتزاع الإيمان من قلب المؤمن عند اقترافها؛ لكونه مفسدة تؤدي إلى مفاسد كثيرة. ثانيا: نتائج وملاحظات خاصة نسترشد من الدراسة الميدانية بالملاحظات والتوصيات التالية: القيم الأسرية داخل المجتمع لها انعكاس على سلوك الأبناء سلباً وإيجاباً، وذلك من خلال علاقة الآباء بأبنائهم، فأغلب القيم الأولى يتعلمها الأبناء من الآباء، وممن لهم اتصال بهم بشكل مباشر بالمجتمع المحيط، لهذا لابد من الاعتدال في التعامل مع الأبناء، مع الرقابة الأبوية وبالأخص في مرحلتي الطفولة والمراهقة. وضع استراتيجية عامة في المجتمع بهدف الاهتمام بالنشء، من خلال مناهج تربوية، وبرامج ثقافية واجتماعية، على المستويين الفردي والجماعي والمجتمعي، بدءاً من الأسرة وانتهاءً بالمحيط الخارجي لها، ومنها المدرسة والمؤسسات التعليمية بشكل عام، والنادي والرفاق. . . إلخ. إضافة مادة للمقررات الدراسية، تحت مسمى" مبادئ الأخلاق" لطلاب الشق الثاني من مرحلة التعليم الأساسي، تدرس فيها أحكام وأسس العلاقات الأسرية وفق أحكام الشريعة الإسلامية، والقيم المثلي والفضائل الأخلاقية، وما يضادها من رذائل، كي يجتنب النشء السلوك الشاذ، لما يترتب عليه من أضرار نفسية وجسمية، واقتصادية واجتماعية. الإعداد الفني والمهني للمتعاملين مع مرضى الإيدز، والأمراض المعدية الأخرى في مجال العلاج والوقاية أو التعامل المهني، مثل الأطباء والعناصر الطبية المساعدة، والعاملين بالمختبرات الطبية العامة والخاصة، والمرشدين الصحيين والنفسيين والاجتماعيين، وأجهزة الأمن التي لها صلة بالتعامل معهم، ومؤسسات الإصلاح، والمؤسسات الاجتماعية والأجهزة القضائية، والمواطنين ممن لهم اتصال بالمرافق الخدمية العامة والخاصة، وحث الجميع على الأمانة والصدق والدقة في بيان المعلومات وانسيابها إلى الجهات ذات الاختصاص، مع تحميلهم المسئولية التامة في حالة الإهمال أو إفشاء المعلومات في غير وجهها، كاستخدامها لأغراض شخصية أو دعائية لا تتناسب مع طبيعة المهنة. وما لم يكن هناك فهم وقناعة بخطورة مرض الإيدز والأمراض المعدية المصاحبة له، فإن احتمالات انتقال العدوى من المصابين إلى الأصحاء أمر قائم. إبراز الأضرار الناجمة عن سوء التعامل مع بعض وسائل الإعلام، ومنها على وجه الخصوص؛ الكتب والمجلات الماجنة، وكذلك سوء استخدام، الأجهزة والوسائط التقنية الحديثة، ومنها الإذاعتين المسموعة والمرئية، والسينما، وشبكة المعلومات (الإنترنيت)، والهواتف المحمولة. . . ألخ؛ وذلك ببيان آثارها السلبية النفسية والعقلية، على أفراد المجتمع، ناهيك عن أضرارها الاجتماعية والإقتصادية. يجب أن يكون هناك تنسيق بين الهيئات العامة والخاصة بالمجتمع، وذلك بغية إيجاد ترابط وتكامل وتوحيد الجهود المبذولة من أجل القضاء على السلوك السلبي المنحرف عن قيم وأخلاقيات المجتمع؛ ومنها على سبيل المثال: أن يخضع المصابون بالمرض للاختبار الطبي المعملي، لمعرفة المدمنين للمخدرات أو المسكرات والمؤثرات العقلية، وتتبع من يشاركونهم في تعاطي هذه المؤثرات. الكشف على مثل هذه الحالات يحدد نسبة تفشي هذه الأوبئة في المجتمع للوقوف عليها ووضع برامج وقائية وعلاجية لها على المدى القريب والمستقبلي البعيد. بذل الجهود الشعبية والأهلية بإنشاء هيئات متخصصة، بتعاون ومساهمة الأقسام المتخصصة بالجامعات ومراكز البحوث العلمية والنقابات والروابط المهنية المتخصصة لدراسة وتشخيص العلل الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع، ومن ثم اقتراح الحلول والتصورات العملية لمواجهتها، وتقديم التوصيات والمقترحات العامة لأخذ التدابير الوقائية بشأنها مستقلاً. إرشاد المصابين بفيروس العوز المناعي البشري: HIV بطرق التعامل مع غيرهم، ليبتعدوا عن السلوك المحفوف بالمخاطر، والذي يجنب الآخرين انتقال العدوى إليهم، وينبغي توجيه الناس على مختلف المستويات، إلى فهم السلوك العام الذي يجب ألا يمارسوه حتى لا يقعوا في مصيدة الإصابة بالمرض دون تعمد، ومحاولة إيقاف انتشار العدوى أو الحد منها على أقل تقدير، ببرامج الوقاية والتثقيف والإرشاد الصحي، لبيان كل ما يتصل بطرق العدوى، على مستوى الأفراد والجماعات، سواء منها الأسرية والأحياء السكانية، وجماعات النشاط أو جماعات العمل. . . الخ. يشعر المرضى بأنهم يحملون أسرهم ودويهم أعباء مادية كثيرة، بما ينفقونه عليهم من مبالغ مالية لا طاقة لهم بها، مقابل مصاريف العلاج بوجه خاص، ورعايتهم بوجه عام، وبالأخص عندما يشعر أفراد الأسرة بأن المريض ميئوس من شفائه، ويشعر المريض بأن المحيطين به يتحملون ضغوطاً نفسية سيئة، بما يتخذونه من احتياطيات وتدابير وقائية، خوفاً من انتقال العدوى إليهم، ومن الشواهد على ذلك ما قاله أحد المصابين بالمرض بعد أن طرد من العمل: (( إنك لا تعيش آلام الإيدز فقط، ولكنك تعيش منبوذاً من المجتمع. وحتى إذا متَّ فإنهم يرفضون تجهيز جك. ولا شيء يجعلك تشعر بالتعاسة أكثر من هذا )). تخصيص قسم إيوائي للمرضي، يتم فيه عزل المصابين بالمرض، يقدم لهم فيه العلاج الطبي والإرشاد والنصح، مع توفير الأدوية اللازمة للمرضى ورفع مستوى الرعاية الطبية والوقائية والإرشاد الصحي لأفراد المجتمع المحيطين بهم. إلزام من تكن له إقامة بالمجتمع من الأجانب أكثر من ثلاثة أشهر، إجراء كشف طبي على الأمراض الوبائية، في مراكز متخصصة تحت إشراف المجتمع. والمحصلة النهائية مما سبق، أنه عندما يدرك الإنسان قبح رذيلة الزنا والسلوك المشين الناتج عنها، بقلب مطمئن مغمور بالإيمان، يتيسر له السبيل لفعل النقيض منها، وهو الفعل الفاضل الحسن دون مشقة، بغض النظر عما تقتضيه الضرورة الأخلاقية أن يفعله، ودون أن يفكر فيما يترتب على الفعل من جلب المنفعة إليه أو دفع الضرر عنه، إن المؤمن بالله تعالى إذا طلب منه أمر دعت إليه أحكام الشريعة الإسلامية أو نهت عنه، امتثل إليه دون أن يسأل عن العلة أو السبب في ذلك. إن نفوسنا وأجيالنا الناشئة الفتية لأحوج ما تكون إلى التحصين بالإيمان القوي المتين الراسخ في النفوس، وإلى تعلم المزيد من الأدب والعمل بالآداب والأخلاق السامية من منهج الدين الإسلامي الحنيف. وفي الختام أقول: ها أنا ذا قد حاولت إصابة الهدف، فإن قاربت فقد استشرفت معالي الأمر بما وجهت إليه مما أردت، وإن لاح القصور مما ابتغيت، فالكمال لله وحده وعلى الله قصد السبيل، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد بن عبد الله المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدي بهديهم إلى يوم الدين.
سليمان حندي صالح سليمان(2008)

العولمة وآثارها الثقافية والسياسية على الوطن العربي

مع مطلع العقد الأخير من القرن العشرين حدثت مجموعة من المتغيرات الدولية والإقليـمية ألقت بظلالها على جميع أوجه الحياة، وساهمت تلك المتغيرات في مجملها في ظهور نظام عالمي تحتل فيه مجموعة قليلة من الدول مقعد القيادة، وتمارس مختلف أشكال السيطرة والهيمنة والوصاية على العالم فى ظل ما اصطلح على تسميته بالعولمة، فقد ألقت العولمة بتداعياتها على جميع أوجه الحياة، وبدأت آثارها تظهر فى مختلف بلدان العالم والبلدان العربية بوجه خاص، بعد أن دخلت كثير من الدول دائرة الغرب واهتماماته بشكل واضح، وفتحت آفاقاً للترابط مع النظام الجديد، على نحو يصعب الفكاك منه واختلفت الآراء حول العولمة فهناك من يرى ضرورة سرعة الاندماج وخاصة الدول النامية في النظام العالمي الجديد، حتى يتسنى لهذه الدول الاستفادة من التطورات التكنولوجية و زيادة حجم التجارة والاستثمار الدوليين، وذهب فريق آخر إلى أنه من الخطر على الدول الأقل نمواً الاندماج في النظام الجديد . وأياً كانت الآراء فإن العولمة طرحت العديد من التساؤلات حول من المستفيد من النظام العالمي الجديد ؟ وهل هناك خيارأمام الدول العربية خاصة باعتبارها من الدول الأقل نمواً في الاندماج في هذا النظام ؟ فهناك مجموعة من المتغيرات المصاحبة للعولمة ، التي أخذت تشكل تحديات تفرض نفسها على الساحة العربية، وتستلزم ضرورة العمل على تعظيم الإيجابيات على قدر الإمكان وتقليل السلبيات التي يمكن أن تلقي بظلالها على واقع السياسة والثقافة العربية، فهذه الدراسة تناقش آثار العولمة وتحدياتها على مستقبل الأمة العربية، وكيفية مواجهتها في مختلف المجالات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية، وهي تحديات متداخلة يصعب فهمها بشكل منفصل. إن العولمة المعاصرة تعني الخضوع لمجموعة من القواعد والمعايير الدولية التي تنظم مجالات كانت تدخل في صميم سيادة كل دولة: من حقوق الإنسان في المجال الـسيـاسـي، إلـى اقـتصـاد الـسـوق بـمـا يتـضمنـه من إزالة القيود على انتقال رأس المال ، والسلع، والخدمات ، والعمالة، وحقـوق الـملكية الفكرية في المجال الاقتصادي، وانتقال الأفكار والمعلومات في المجال الثقافي، حيث تهدف عولمة الثقافة إلى صهر الثقافات المحلية في بوتقة واحدة، قد تضيع معها الخصوصيات الثقافية، ومن ثم فإن عولمة الثقافة تشكل خطراً كبيراً على الثقافات المحلية، حيث تصبح تلك الثقافات أكثر عرضة للغزو الثقافي في ظل التطور غير المتكافئ الذى طرأ على وسائل الإعلام مما يؤدي إلى زيادة المستهلكين لمنتجات الثقافة الغربية، ففـي ظل العولمة بدأت تظهر مخاطر الاختراق الثقافي، وتهـديـد الخصوصية والتبعية الثقافية للدول الأقل نمواً حيث تتجلى تداعيات العولمة الثقافية في التوجه لصياغة ثقافة عالمية من خلال تعميم النمودج الغربي الأمريكي، وبذلك يصبح الحفاظ على الهوية الثقافية والخصوصية الحضارية أحد التحديات التي تواجه الأمة العربية. ومما لاشك فيه أن الثورة المعلوماتية تركت بصماتها على دور الدولة الـذي بدأ يضعف فـي مجتمع عصر التدفق الحر للمعلومات عبر تقنيـات الاتصال الحديثة ولم يعد بالإمكان التحدث اليوم عن السيادة الإعلامية ضمن الحدود السياسية للدولة، وعن التحكم بعملية تدفق المعلومات داخل تلك الحدود، وبالتالي الانفراد بتشكيل عقول مواطني الدول بما يضمن الولاء التام للدولة، خاصة وإن تأثير ثورة المعلومات قد شمل سلباً الدولة بكل مكوناتها من حدود سياسية معترف بها، وشعب وحكومة، وأصبحت السيطرة على عملية تدفق المعلومات شبه مستحيلة بعد أن تحولت المعلومـات إلـى عناصر ملموسة، وغير مرئية، يسهل تنقلها واختراقها لأية حدود جغرافية، فقد تقلص البعد الجغرافي، وزال الفاصل الزمني، وأصبحت تقنيات الاتصال الحديثة تقفز من فوق الحواجز وتخرقها. وتكمن اشكالية هذه الدراسة في أن هناك انبهاراً بحضارة الغرب والرغبة في التشبه بها دون اقتراح آليات ومشاريع علمية و عقلية لتحقيق ذلك ، فالحاجة ماسة اليوم إلى ممارسة النقد الحر، والسعي إلى بناء كل ما هو مثمر وجديد. إن هذا العصر هو الذي يحدد ما تكون عليه أمة من الأمم من ناحية القوة والضعف ومدى تجاوبها السلبي أو الإيجابي مع معطيات العصر وتقلباته، وعلى مدى جدية الموقف العربي في التفاعل مع العولمة لأخذ مكانة متقدمة بين الأمم، بحيث نسهم في بلورة رأي بشأن الظروف الموضوعية للنشاط الفكري الثقافي المعاصر لنرى مدى اقترابه أو ابتعاده عن الطموح في التقدم العربي. مما تقدم فإن العولمة، تشير إلى متغيرات حقيقية ذات أهمية أساسية، ولهذه المتغيرات آثار عميـقة فـي السياسة كما في الاقتصاد والثقافة والنشاطات الأخرى، فالعولمة فيها من الفرص بقدر ما فيها من المخاطر، والقدرة على اغتنام الفرص وتجنب المخاطر تعتمد إلى حد كبير على القدرة على التعامل مع الظواهر الجديدة القادمة مع العولمة، فيجب التحرك بسرعة المتغيرات نفسهـا، ليـكـون لـنـا رأي ودور فـي هذه المتغيرات. ونـظـراً لأهـميـة الـمـوضـوع وخـطـورتـه عـلـى الـوطـن الـعـربـي، وفـي ضـوء الـتـحديـات والـمستجـدات الـتي يـشهـدهـا الـعـالـم، وانـقسـام رؤى الـمـفـكـرين والـمثـقفـين حـولـهـا، جـاءت هـذه الـدراسـة مـحـاولـة لـتحليل بعض الآثار المترتبة على العولمة، من خلال آراء المفكرين والمثقفين، وذوي الاهتمام بهذا الموضوع ، وقد تناولت الباحثة التأثيرات المتعددة للعولمة، وكان التركيز على أربع محاور أساسية: المحور الأول: يدورحول العولمة من ناحية تحديد المفهوم والنشأة التاريخية، وأثر المتغيرات الدولية المعاصرة، لاستيضاح طبيعتها وتحديد موقعها، فمن الصعب الحديث عن العولمة بمعزل عن تطور الرأسمالية العالمية والمتغيرات الدولية المعاصرة في ظل ثورة المعلومات. المحور الثاني: يتعلق بالثقافة العربية والخصوصية والهوية، وما يحدث الآن من تشويه للثقافات على مستوى العالم، ولما للإعلام من دور في نشر وتسويق الثقافة الأمريكية والثقافة الغربية التي تتصادم مع المحلي القائم، فما يحدث الآن هو صراع بين الوافد والمحلي، مما يهدد بالاستبعاد والتشويه للثقافات المحلية الخاصة، فقد تم التركيز في هذا الجانب على أثر الثقافة الغربية على الثقافة العربية الإسلامية في ظل عصر المعلومات. المحور الثالث: يتعلق هذا المحور بالجوانب السياسية، حيث إن تطورات الأوضاع العالمية في العقد الأخير من القرن العشرين قد كرست مفهوم الأحادية القطبية، وتشكيل النظام الواحد المهيمن، مما يدعونا إلى التساؤل عن وضع الدولة وموقعها في هذا النظام الأحادي، فالدولة بدأت تنهار وتضعف أمام قوى الشركات العملاقة التي تسعى إلى إسقاط حق الدولة في التدخل بالشؤون الداخلية والخارجية، من خلال فتح الأسواق، وسيطرة المنظمات العالمية على أمور السياسة واستبعاد الدبلوماسية، فعصر العولمة هو عصر تسقط فيه الحدود وتفتح فيه الأسواق، وهو عصر الشعارات كحقوق الإنسان والديمقراطية التي تأتي جاهزة من الخارج، وتسيس بها الدول حسب مصالحها، بالإضافة إلى حق التدخل وحق تقرير المصير التي هي مجرد شعارات فارغة . المحور الرابع: يتعلق بالهيمنة الاقتصادية وتبعاتها السياسية والثقافية على الوطن العربي، وهوجانب أتعرض فيه لنقد ظاهرة العولمة، فالهدف اقتصادي وهو بالتالي يؤثر في السياسة والثقافة والتبعية للغرب المسيطر. وفي ظل ذلك وانطلاقاً من أن الأحداث الدولية التي يشهدها العالم اليوم، أصبحت تؤثر في الحياة العربية، فقد عرضت للتحديات التي تواجه الثقافة والسياسة العربية أمام التحول العميق الذي أحدثته ثورة الاتصالات، وذلك من خلال عرض وتحليل عدد من الدراسات والبحوث المهمة المتعلقة بالدراسة ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الباحثة ما يلي: العولمة ظاهرة تستهدف تحطيم الحدود الجغرافية والجمركية وتسهيل نقل الرأسمالية عبر العالم كله كسوق عالمية، مما يعني انفتاح الحدود الاقتصادية والتشريعات التي تسمح للنشاطات الاقتصادية الرأسمالية بتوسيع حقل عملها ليشمل العالم كله، فالعولمة هي حقبة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء في ظل هيمنة الدول الصناعية الكبرى وبقيادتها وتحت سيطرتها، وفي ظل سيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ، العولمة بذلك هي العملية التي عن طريقها تصبح الأسواق والإنتاج في الدول المختلفة معتمدة كل منهما على الأخرى بشكل متزايد بسبب ديناميات التجارة في السلع والخدمات وتدفق رأس المال والتكنولوجيا، وهي ليست ظاهرة جديدة، ولكنها استمرارية للتطورات التي تتابعت لفترة طويلة من الزمن. فقد مرت العولمة بعدة مراحل منذ بداية الكشوف الجغرافية، أهمها: مرحلة تطور الرأسمالية التجارية، ثم الرأسمالية الصناعية، وبعدها الرأسمالية المالية، تليها رأسمالية بعد الصناعة أو الثورة التكنولوجية، وهي التي بدأت تترسخ أكثر فأكثر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتميزت هذه المرحلة بتطور في مجال البحث العلمي التطبيقي في التنمية الاقتصادية، ففي هذه المرحلة المتقدمة من تطور الرأسمالية تندرج العولمة باعتبارها مظاهر اقتصادية اجتماعية وسياسية لإنجازات علمية وتكنولوجية مثلت ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصال روحها وعمودها الفقري، ولا تمثل الموجة قفزة نوعية في تطور وسائل الإنتاج فقط بل أيضاً مرحلة جديدة في مراحل الرأسمالية. فهنـاك ربـط بين تطورالـعلم والـعولمة، ولكن التقدم العلمي وسيلة وليس سبب العولمة، فالربط بين التقدم العلمي والعولمة يستهدف تحرير العولمة على أنها نتاج التقدم العلمي مثل أي إنجاز آخر، ويتجاهل بأن التقدم الـعلـمـي يجري في خدمة الرأسمال، والتقدم العلمي إنجاز كل البشرية في تاريخها الطويل لسعادة الإنسان وليس لـخـدمـة الـرأسمـال. كانت الثقافة العربية في تاريخها الطويل ثقافة حوار وتعاون وكانت بحكم موقعها الجغرافي منطقة لقاء الثقافات وامتزاجها، وكانت بحكم طبيعة العرب المنفتحة أخذاً وعطاءً ثقافة تعاون وتفاهم بين الشعوب، ومع التطور الفائق السرعة الذي حققته التقنية في مجال الاتصال بين الأمم والشعوب أصبح الحوار والتعاون لزاماً، يضاف إلى ذلك أن الثقافة تنمو وتزدهر كقيمة في الحضارة الإنسانية بقدر تفاعلها مع الثقافات الأخرى، وبما تقدمه لتفاهم الشعوب وتعاونها من إسهام في إغناء الحضارة. فقد أصبح عبور المجتمعات المعاصرة إلى الحداثة العالمية ضرورة حتمية، لا فرق في ذلك بين مجتمعات متقدمة ومجتمعات نامية ، قد يبدو عبء العبور بكل تكاليفه الاقتصادية والثقافية أسهل بالنسبة للمجتمعات المتقدمة التي خاضت اختبارات الحداثة منذ قرون، إذا ما قورنت بالمجتمعات النامية، فمعركة المجتمعات النامية تتطلب السعي لمحاولة العبور إلى العالمية في عصر العولمة، بكل ما تفرضه من شروط سياسية وقيود اقتصادية، فالنقل عن الحداثة الغربية يفتح الطريق أمام التبعية الثقافية ويكرسها ، فالانبهار بالعقل الغربي ومنجازاته، واحتقار العقل العربي ومنجازاته تقع في قلب الشرخ الثقافي الذي يعيشه الإنسان العربي اليوم. إن مراكز المعلومات وتكنولوجيا الاتصال هي التي تمتلك اليوم مفاتيح الثقافة، ولذلك نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في نشر ثقافتها عبر القارات والترويج لأفكارها وقيمها الثقافية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية، على حساب اكتساح الثقافات الوطنية واتباعها ضمن الحلقة الثقافية الأمريكية إن الحوار بين الثقافات لا يكون منتجاً إذا انغلقت الثقافات، فالبحث عن الهوية الثقافية لا يعني العزلة فكوننا جزءاً من هذا العالم الجديد وإدراكنا لحقيقة العولمة، تؤكد حاجتنا إلى تعزيز خصوصيتنا في مواجهة أخطار التبعية وإلغاء الهوية القومية، فلوسائل الاتصال الدور الأكبر في حماية الثقافة ونقلها وتغيرها أيضاً، كما أن للأفراد خصوصيتهم و كل شعب من شعوب العالم له ذاته القومية، ومن حق شعوب العالم أن يتم التعبير عنها وعن هويتها الثقافية ، حيث صارت وسائل الاتصال تهدد الهوية الثقافية في كثير من المجتمعات، فالدول الأكثر قدرة على امتلاك وسائل الاتصال، هي الدول الأكثر هيمنة ثقافية، وهي بالتالي تقوم بتصدير ثقافتها وتعمل على فرضها بطرق واضحة أو خفية، مما يدعو إلى نظام إعلامي جديد، والمقصود من هذا النظام الذي يدعو إليه الكثيرون مواجهة المواقف السلبية الناتجة عن أساليب الترويج والإعلانات التجارية، وتلافي العواقب الناتجة عن بعض الجوانب من هذا النوع من الإعلام، التي تنال القيم الثقافية والاخلاقية في مختلف المجتمعات. بدأت عملية احتكار المعلومات مع بداية الثورة الصناعية حيث كان الحرص على عدم انتقال التكنولوجيا من بلد لآخر، وفي وقتنا الحاضر أصبحت المعلومات عنصراً أساسياً لا غنى عنه في أي نشاط، فهي المادة الخام للبحوث العلمية، وهي الأساس والمحك الرئيس لاتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب، ومن يملك المعلومات الصحيحة في الوقت المناسب يكون قد ملك عناصر القوة والسيطرة، إن توافر المعلومات يساعد على نقل خبراته إلى الآخرين واستيفائها من الآخرين ليستعين بها على إدارة شؤونه وتطوير وسائل إنتاجه وتمكنه من القدرة على القيام بإنتاجية مبتكرة ومتجددة ، فالوضع السيئ لاقتصاديات معظم البلدان النامية وتخلفها في مجالات أخرى كثيرة نابع من تخلفها في مجال المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، وإن التحفظ وسوء الإدارة يعود جزء كبير منه إلى افتقاد هذه البلدان إلى عنصر المعلومات. ويرجع تأخر الدول النامية ومنها الدول العربية إلى افتقارها للحصول على المعلومات التي أصبحت سلعة خاضعة لقانون العرض والطلب الأمر الذي يتيح للشركات الكبرى التابعة للدول المتقدمة احتكارها وبالتالي تعمل على حجب المعلومات الهامة عن الدول النامية التي تحرص على بقائها مستوردة لمنتجاتها المصنعة والتي مصدرها الأساس هذه الدول النامية، إن لتكنولوجيا المعلومات عواقب سيئة ونتائج أخذت ملامحها تظهر وتزداد وضوحاً يوماً بعد يوم، فالتدفق الحر للمعلومات الذي تدعمه القوة الاقتصادية قد أدى إلى موقف عالمي أصبح فيه الاستقلال الثقافي لكثير من الدول يخضع للإنتاج الإعلامي وللمفاهيم التي تبثها قلة من الدول الكبرى التي تتحكم في اقتصادها اعتبارات السوق، والاتهام القائم هو أن مضمون البرامج الإعلامية قد استخدمت أداة هامة لتحقيق الاستراتيجيات الثقافية للدول الرأسمالية، بهدف مد نفوذ أنظمتها. أصبحت شبكة الإنترنت بما توفره من ثروة في المعلومات منبراً للتفاعل بين المستفيدين، فإمكانية الاشتراك في شبكة الإنترنت أصبحت سهلة للغاية، فالإنترنت لها من الإيجابيات بقدر ما لها من السلبيات، ففي إطار ربط العالم عبر الإنترنت في عالم القرية العالمية الصغيرة فإن الفرص أمام النخب العالمية للاتصال والتفاعل الإنساني سوف تزداد، وبالنظر الشامل إلى التطورات الهائلة في مجال الاتصالات سيقوم عصر الوسائط المعلوماتية بتغيرات أساسية منها دخول الحواسيب البيوت في أشكال متنوعة، فقد أصبح المنزل بؤرة اهتمام الشركات المصنعة للحوسبة والاتصالات، وكل هذه الإنجازات والمخترعات المتجددة والمتغيرة بسرعة تؤكد أن ثورة الاتصالات هي روح عصر العولمة وعمودها الفقري، ولا يمكن إدراك أبعاد هذه الثورة إلا بإدراجها في إطار أشمل هو الثورة التكنولوجية والعلمية بشكل عام. تختلط الأمور السياسية بالأمور الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً، وهي بالتالي تصب في الاتجاه نفسه ، فالعولمة السياسية هي انتهاء الحدود بين الدول بحيث تثأثر كل دولة بما يجري حولها من الدول، ولعل أهم سمة من السمات السياسية هو ترسيخ النظام العالمي الجديد، فالعولمة السياسية تعني نشر مفاهيم الديمقراطية الليبرالية وتعميمها وما يصاحب ذلك من رفض وإنهاء للشمولية في الحكم، وتبني التعددية السياسية والالتزام باحترام حقوق الإنسان، وكذلك استخدام الأمم المتحدة لحماية حقوق الإنسان في العالم، والحماية الدولية للأقليات، والتدخل الدولي الإنساني، وغيرها من آليات النظام العالمي الجديد. فقد أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية إمبراطورية بلا حدود، وذلك لما تملكه من قوى عابرة للقارات، سواء من النواحي العسكرية أو الاقتصادية أو السياسية أو الثقافية يساعدها كل ذلك قدرة اتصالية فائقة، ففي ضوء المستجدات والمتغيرات الدولية العالمية وجدت الإمبريالية الاستغلالية الأمريكية فرصتها في التمدد والهيمنة على كثير من مناطق العالم عموماً وعلى منطقتنا العربية خصوصاً متذرعة بأحدث الذرائع الزائفة تحت عنوان مقاومة الإرهاب، وجوهره مقاومة كل إمكانية أو حركـة تستهدف استنهاض عوامل القوة والتحرر الديمقراطي القومي، بمثل ما تستهدف تكريس تبعية شعوب هذه الأمة وتخلفها من جهة، وإعادة هيكلتها وتكييفها بما يضمن إلحاقها بصورة شبة مطلقة لسياستها في المنطقة بما يتوافق مع مستجدات المصالح الأمريكية الراهنة إن الشعارات الليبرالية التي تتعلق بتقديس مبدأ حرية السوق، باعتباره الحل لكل مشكلات الإنسانية، تحتاج إلى وقفة نقدية، فلا يكفي رفع شعارات الحرية السياسية والقناعة بسياسة اجتماعية تقوم على التأمينات أو برامج الدعم للطبقات الفقيرة، ذلك أنه حين تزداد الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وحين تستولي القلة على الجزء الأكبر من الدخل القومي، فإن المخاطر جسيمة على النظام السياسي ذاته، لأن الجماهير التي تتدهور أحوالها الاقتصادية لن تستكين إلى أوضاعها المتردية، ومن ثم فالاستقرار السياسي وهو ضرورة أساسية لأي نمو أو تنمية يمكن أن تقضي عليه تحركات الجماهير المحبطة. ففي المجال السياسي تتجسد نظرية حقوق الإنسان في شكل الديمقراطية التي يريد الغرب فرضها في كل مكان، ولا يوجد من ينازع في أن الديمقراطية شكل متطور من أشكال الحكم، إلا أن الديمقراطية كما نعرفها اليوم هي صناعة أمريكية، ولدت في مجتمع غربي نتيجة لتطورات طويلة في التاريخ الغربي، إن حقوق الإنسان والديمقراطية نظريات واعدة لا تخلو من مزايا، ولكنها تحتاج إلى عنصر أساسي وهو الاحترام المتبادل، فلكي تنجح العولمة لا بد أن تحترم الشعوب بعضها بعضاً وينتفي مطلب البقاء للأقوى. إن الـدولـة الـمعـاصرة غير قـادرة بمفـردهـا علـى السيطرة على بعض الظواهر مثل الشركات العالمية، والأقمار الاصطناعية والمشاكل العالمية، والأسواق المالية العالمية، حيث إن هذه الظواهر لا يمكن حصرها ضمن فضاء إقليمي يمكن أن تمارس الدولة عليه سلطة حصرية، كما أن التقدم المذهل في تقنيات الاتصالات أدى إلى تدفق الأفكار والمعلومات بين المجتمعات بعيداً عن سيطرة الدولة، مما قلل من سلطتها على اللغة والتعليم والثقافة، إن سلطة الدولة في الحفاظ على قيم المجتمع وتقاليده وأعرافه، والتعبير عنها على النحو الذي يؤكد وجود هوية حضارية متميزة تعمق انتماء المواطن لدولته في مواجهة الآخر، غير أن وظيفة الدولة الثقافية قد تآكلت بفعل تسارع آليات الاتصالات الدولية بفعل العولمة، وأصبح المواطن عرضة لأشكال متنوعة من قيم وتقاليد وأعراف أجنبية عنه. وكل هذا من شأنه تطويع الطابع القومي لشعوب العالم النامي لمقتضيات العولمة وللآليات التي تفرضها قوى السوق، بشكل يخلق نماذج استهلاكية مشوهه، ويفرز قيماً تتعارض مع ثقافة المجتمع، فالتحدي الرئيس أمام العرب اليوم هو كيفية تغير أو ما الذي ينبغي فعله حتى تغيرموقعها من العولمة، وبالتالي تغير دورها فيه من مجرد تابع إلى عنصر فعّال. إن المعركة الحقيقية لا تكمن في مواجهة العولمة كعملية تاريخية، وإنما ينبغي أن تكون ضد نسق القيم السائد الذي هو إعادة لنظام الهيمنة القديم، وهنا ينبغي تحديد طبيعة المعركة في النضال للقضاء على ازدواجية المعايير في تطبيق حقوق الإنسان، وعدم فرض نموذج النظرية الغربية كنموذج أوحد للديمقراطية، وإتاحة الفرصة للشعوب لكي تمارس حقها السياسي، فهناك ضرورة لتقنين حق التدخل، حتى لا يشهر كسلاح ضد الشعب العربي، كـمـا أن قـضية حل الصراعات بأسلوب سلمي، وتحقيق السلام العالمي، وإعادة النظر في مفهوم التنمية على المستوى العالمي، كل هذه الميادين تحتاج إلى نضالات متواصلة لضمان صياغة نسق قيمي عالمي يحترم حرية الشعوب، ويسهم في تقدمها في ظل حضارة إنسانية جديرة بالتحقق، إن الفجوة في المعرفة تتسع بيننا نحن العرب وبين الدول المتقدمة، فنحن ما زلنا في مجال استهلاك المعرفة ولم نعبر بعد إلى مجال المعرفة، ومن ثم لا بد من سياسات فعّالة لضمان الاستهلاك المنتج للمعلومات المتاحة، حتى يكون ذلك مجرد خطوة تجاه الإسهام في إنتاج المعرفة المعاصرة، إن صناعة المستقبل لا يمكن أن تكون حكراً على الدول المتقدمة، بل لا بد من أن نساهم في صنعها من خلال عملية نشيطة وفعّالة لحوار الحضارات نقدم فيها صورة إيجابية وخلاقة لحضارتنا . إن هيمنة العولمة على النظام الاقتصادي الدولي وقلق كثير من الدول النامية ومنها الدول العربية، من عدم تعبئة مجتمعاتها التعبئة الشاملة والحقيقية لمواجهة الاحتياجات المستقبلية ، يؤكد أن تطبيق مبادئ التنمية المستدامة هو الطريقة الصحيحة والأكثر فاعلية ؛ لأن الاهتمام برأس المال البشري وزيادة قدرته على التكيف مع التطورات التكنولوجية العملاقة من أهم عوامل الاستفادة من العولمة بدلاً من التخوف من سلبياتها، فليس هناك من بديل أمام الدول العربية في أن تكاملها في الاقتصاد العالمي في المدى الطويل، ونجاحها في تحقيق ذلك يتوقف على قاعدة من الموارد البشرية القادرة على التنافس، حيث تُعَدّ المعرفة عنصراً جوهرياً من عناصر الإنتاج ومحدداً أساسياً للإنتاجية، فقد أصبح تمايز الاقتصاديات يرتكز على مستوى التقدم العلمي والتكنولوجي، كذلك يجب الاهتمام بزيادة الإنفاق على البحث والتطوير العلمي، إذ لا سبيـل للأمة العربية في البقاء والحفاظ على قيمها وثراثها وهويتها العربية والإسلامية إلا بالعلم . إن الأمة العربية بكل أقطارها وتفرعاتها المصطنعة تشكل اتفاقاً خصائصياً من حيث القيم والتقاليد والتاريخ والدين واللغة، أي إنها تمثل نموذجاً فريداً يجعل من السهل عليها واليسير أن تقيم سياسة ثقافية إعلامية تقيم بعض الحواجز ضد الاختراقات الاستغلالية الغربية، التي تستهدف كيان الأمة وخصائصها القيمية والثقافية، ومحاولة طمس الهوية والذاكرة التاريخية للأمة العربية، وتحصنها ولو جزئياً من أنماط وسلـوكيات الحياة الغربية والأمريكية التي أصبحت جوهر العولمة ، إن العولمة الأمريكية تسعى جاهدة ودون أي تهاون إلى اختراق الأمة العربية مستخدمة كل الوسائل: إعلامية وثقافية وسياسية، وعلينا التسليم أن العولمة تؤدي إلى وجود رابحين كما تؤدي إلى وجود خاسرين، وغير مستفيدين منها، فلا بد من اتخاذ الإجراءات والاحتياطات التي تخفف من حدة اللامساواة الحاصلة من العولمة. إن حماية ثقافتنا رهينة بمدى رغبتنا نحن في العمل على انعاشها والاستفادة من معطيات العولمة والتفاعل معها أخذاً وعطاءً، لا رفضاً وسلباً، فالوصول إلى رسم سياسة عربية تربوية وثقافية موحدة في إطار رؤية عربية للتنمية الشاملة أصبح اليوم أمراًً حتمياً، سياسة تجمع بين القيم الأصيلة في حضارتنا العريقة والقيم الإنسانية الكبرى في الحضارة البشرية كالحرية والمساواة بين البشر وتوفير المناخات الملائمة للنهوض بالإنسان.
أسماء أحمد الحميدي(2008)

عبد الرحمن بدوي ومشروعه الوجودي

وبتوفيق من الله انتهيت من إعداد هذا البحث المتواضع، وقد توصلت من خلاله إلى النتائج التالية: الوجودية أخذت تسميتها من مصطلح الوجود، وهذا أعطاها نوعاً من الهلامية، والصعوبة في التعريف والتعين، وتكمن أيضاً الصعوبة في التعريف في رفض بعض فلاسفتها لهذه التسمية، كما رفض تحديد تخصصه وحصره في ميدان ضيق، كما رفض المذهبية، أو أن توصف الوجودية بالمذهب. وهذا ما نراه واضحاً جلياً في فلسفة رائدها الأول(كيركجور). إن الوجودية كان لها طابع مميز، فهي مثلاً بحثت في بعض التجارب العميقة المتعلقة بالإثم، والخطيئة، واليأس، والقلق، والموت. . . الخ، وقد واجهت جميع الاتجاهات الوجودية في (الأربعينيات، والخمسينيات) من القرن (العشرين) هذه المشكلة. فنجد (هيدجر) على سبيل المثال يتحدث عن الحياة الزائفة، و(ياسبرز) يتحدث عن المواقف المقيدة. و(مارسيل) عن الوجود، والملك، واليأس، كما تميزت بطابعها النقدي، أو طابع الرفض والثورة. الوجودية كفلسفة أول من استعملها في مضمون فلسفي في الساحة العربية هو الفيلسوف (عبد الرحمن بدوي)، وقد اطلعنا على سيرة (بدوي) الذاتية التي أراد لها أن تكون وصيته الفلسفية الأخيرة فإنها لم تكن تجميعاً للحقائق اللازمة؛ بل أحداثا مأخوذة بالزمن متتابعة التواريخ، وهذه التسلسلية هي أسلوب أو مستوى تنظيم لحياته على إطار الزمن فليس الزمن عنده مجرد تسلسل؛ إنما الزمن عنده تكتسي فيه الأحداث مظهر التجربة المعيشية ذات البداية، والوسط، والنهاية، وتؤكد أن لهذه التجربة معنى وواقعية، وتستمر هذه المعاني على مدى أجيال زمنية متعاقبة. تكمن أهمية فلسفة بدوي في إثبات القيمة الكبرى للإنسان، واعتبار الإنسان محوراً أساسياً متفرداً، بعيداً عن التصوير التقليدي للفلسفات التي كانت تبخس حق الإنسان وتجعله مستسلماً للغيب والقدر وللآخرين أيما كانت صفتهم؛ بل يصور الإنسان على أنه كائن فاعل له دور كبير في هذا العالم الذي ألقي فيه صدفة – مع تحفظنا على هذا المعنى – دون إرادة منه أو قرار، وأن الإنسان قادر على تطويع المشكلات وإيجاد الحلول، وخلق قيم للخير والجمال. يقول (بدوي) كما هي الوجودية بالفردانية، وأن الإنسان عالم قائم بذاته، وقلعة محصنة من الفردانية، والإرادة، والحرية، وعلى حد قول الشاعر: وتحسب نفسك جرماً صغيراً وفيك انطوى العالم الأكبر فالوجود هو الوجود الفردي، والذات هي الأنا المريد المتواجدة بين الإمكان والواقع، أو من الإمكان إلى التحقيق، وهذا الوجود زمانياً في جوهره وبطبيعته فأصبح الكائن زمانياً لا مجرداً ولا صورياً، ذاتياً لا موضوعياً، جزئياً لا كلياً فردياً لا عاماً، فردياً في النوع لا العدد، وجوده أسبق من ماهيته، وجوده الفعلي هو وجوده حاضراً هنا الآن، وبالتالي فلا وجود إلا مع الزمان وبالزمان وما ليس بمتزمن بزمان فلا يمكن أن يعد وجوداً. انتقدت الوجودية ووصفت باللأخلاقية إلا أنها لم تكن ضد الأخلاق أو تنكر وجودها إلا أن الأخلاق الوجودية قائمة على موقف (الإنية) أو(الذات المريدة)، فالفرد هو صاحب الموقف والخالق للقيمة، والسلوك الأخلاقي قائم على الحرية الشخصية. يعلن بدوي صراحة أنه من غير الممكن قيام أخلاق وجودية، ويقيم نسقه الأخلاقي على أساس الفعل الدائم أياً كان نوعه ونتائجه، هذا الفعل النابع من فعل الأمر: " أفعل ما شئت مادام جديداً ! وما أحرانا أن نستلهم القيمة العملية في فلسفة بدوي من أجل إصلاح الإنسان في أمتنا، والنهوض به نحو مواطن الإبداع والحضارة، وأحسب أن في ذلك إحياءً حقيقياً لتراثنا العربي المعاصر وامتداداً لمشروع النهضة العربية القائم على الواقع وتغييره نحو الأفضل، متمثلاً في الفعل الإنساني فإن لم يخطيء الإنسان فلن يصيب، ولهذا لا يجب أن يتوقف عن الفعل أبداً بل يستمر إنساناً فعالاً مدى حياته ساعياً بفعله نحو اكتمال ذاته ووصوله إلى الإنسان الكامل. وفي النهاية أقول أن فلسفة بدوي إسهام يستهدف الحقيقة بشمولها، يبقى دون الكمال، غير أنه يرسي الأساس لمشاريع أبحاث أخرى تستكمل المحاولة، وتثري حقيقة تاريخية يجري بناؤها، لبنة لبنة، وخطوة خطوة. وانتهى بحمد الله، وإن كان في بحثي هذا تقصيرُ، فإني مدركة لما أنا عليه من قصور، فالقصور من عندي، وإن حاز القبول فبفضل من الله وحده وهو وحده ولي النعمة والفضل. . . (ربنا لا تؤاخذنا، إن نسينا أو أخطأنا)، وعلمنا ما ينفعنا، وأنفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، إنك على كل شيء قدير. سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم والحمد لله وكفى وسلاماً على عباده الذين اصطفى.
فوزية منصور محمد(2008)

إشكالية اللغة عند أبي الفتح عثمان بن جني دراسة فلسفية لكتابه "الخصائص"

هذه الدراسة تناولت شخصية تراثية من رجالات القرن الرابع الهجري الذي يعد من أخصب القرون العلمية وأنضجها، عرف أهم أقطاب العلوم اللغوية، وأهم نقاد الأدب وعلماء البلاغة والبيان، وأقطاب المتصوفة والفقهاء والمتكلمين والفلاسفة، وكان شيخنا ابن جِنِّي من أبرزهم ثراءً عقلياً وأجرأهم علماً ونقداً، والباحث في مصنَّفاته يقف على جملة من الحقائق ومجموعة من الأفكار والتي لها صداها إلى يومنا هذا خاصةً تلك التي تتعلق بعلم اللغة العام، وبنظرته الفلسفية التي تتصل بالتقعيد والتعليل، والتي يمكن أن استنتجها من هذه الدراسة هي الآتية: شخصية أبي الفتح عثمان ابن جِنِّي امتازت باختراعات علمية صارت لدى كثير من الباحثين في الحقل اللغوي وصور الاستدلال والاستنباط مثلاً للشخصية اللغوية في مختلف مراحل تاريخ علوم اللغة والتي نصبها للذود عن لغة القرآن الكريم، ومحاربة كل طاعن في هذه اللغة الشريفة. إن مشروعاً كمشروع الخطاب التأصيلي لشيخ العربية نجده مشروعاً فكرياً فيه توازن وتوافق بالتمسك بنصوص اللغة ونضدها حسب ما تجود به النظرة العقلية التي يقتضيها مقام التناول. حرصه على لغة العرب، قام برحلات – قدوة بأسلافه– يجمع اللغة ويخالط الأعراب، وكان لا يأخذ من أحد حتى يمتحنه ويسبر طبيعته وسجيته، خاصةً مع أولئك الذين لم تفسد لغتهم بمخالطة أهل الحضر قرب مُدُنهم وقُراهم، ومن هنا كانت له سعة بالرواية. كان شيخنا واسع الدراية في اللغة وجاء هذا وفق منهجه في العودة إلى التراث والأخذ من أسلافه النحويين واقتفاء أثرهم، ولكن مع هذا لا يحرج في نقدهم إذا استوجب النقد. فتح باب الاجتهاد في اللغة، خاصةً مع الحُذّاق المتقنين الذين يتوفر فيهم شروط الاجتهاد. نظرته إلى اتساع لغة العرب وقبولها للوافد الأجنبي حسب مصالح أهل اللغة وحاجاتهم المختلفة، فهو يرى أننا نملك اللغو قياساً كما تملكنا سماعاً ونصاً، لذا نجده يناصر مقولة: ((ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب)) إلى جانب شجاعة العربية في الحذف وأنواعه، والإيجاز والاختصار. نظرية اتساع لغة العرب وقبولها للوافد الأجنبي، طرحتها مثالاً مُوَظفاً في معالجة إشكالية التطور اللغوي بوصفه تطوراً حتمياً مطلقاً حسب أصول المنهج الغربي للغة على مستوى الحداثة والمعاصرة، والرأي الذي استنبطه من خصائص ابن جِنِّي والذي يرى فيه أن سنة التطور في لغة العرب محكوم بضوابط وقوانين. الإشارة أعلاه استنبطت منها أن العرب يقفون إلى جانب الفصحى، ويروْن في حفظها وصونها من التردي واجباً دينياً ومسئولية حضارية، ولا يُعيرون اهتماماً للغة الطبيعية أو الدارجة، وهذا على خلاف الغرب الذي يعولون على اللغة الطبيعية، في بحوثهم اللغوية وتحليلاتهم الفلسفية، في نفور من اللغة المثالية (الفصحى) التي تسبب ارتباكاً لهم. أرى أن المعاصرة هي من صيغة مفاعلة ومشاركة، لا تقليد واتباع، ويمكن تحديث تراثنا ومعاصرته بما يفرضه عصرنا الذاتي وعصر الآخر بموضوعيه، فيها "وسطية" القبول لذاتنا وللآخر، بدون ذوبان وتميع بين الطرفين، ولنا في ابن جِنِّي مثالاً. تقرر عندي أن خطاب ابن جِنِّي، واضح وبين من جانب الطرح النظري على الرغم من الإطناب والتكرار، ولكن يعوزه الوضوح حول الجانب التطبيقي المتعلق بالأدلة العملية في الأمثلة التي كان يمثلها من قضايا الصرف وحدها، فجعل هذا الجانب كثيراً ما يكون محاط بالغموض والتقعيد، لصعوبة هذا المكوِّن وتشابكه وتداخله مع المكوِّنات الأخرى، بقدر تشابك وتداخل الظاهرة اللغوية في ذاتها، لذا نجد ابن جِنِّي يكرر أمثلة العملية في أكثر من موقف ويضفي عليها صوراً أخرى حسب بغيته من الطرح الذي يسعى إليه. وهذا التشابك والتداخل جعل ابن جِنِّي ينزع إلى حل الإشكالات عن طريق "الوسطية" وهي مرتقى صعب حسب رأيي.
أحمد ميلاد حيدر(2007)