Digital Repository for faculty of Arts Tripoli

Statistics for faculty of Arts Tripoli

  • Icon missing? Request it here.
  • 26

    Conference paper

  • 27

    Journal Article

  • 9

    Book

  • 0

    Chapter

  • 34

    PhD Thesis

  • 241

    Master Thesis

  • 0

    Final Year Project

  • 14

    Technical Report

  • 2

    Unpublished work

  • 1

    Document

الخطاب الفلسفي بين الغزالي وابن رشد " دراسة تحليلية مقارنة "

في نهاية هذا البحث أرى أنه من الضروري عقد مقارنة بين رأيي الغزالي وابن رشد قبل ذكر نتائج هذا البحث . أولاً: نقاط الإتفاق والإختلاف بين الغزالي وابن رشد : نقاط الإتفاق : يتفق ابن رشد والغزالي في طريقة عرض المسائل والموضوعات، فكما عرض الغزالي آراء المشائين، وفند أدلتهم للرد عليها ؛ كذلك فعل ابن رشد في كتابه حين عرض لأراء الغزالي وفندها للرد عليها أيضاً محاولاً الدفاع عن موقف سلفه من المشائين. كما يذهب الغزالي في الدليل الأول من المسألة الأولى إلى القول بجواز تراخي المفعول عن إرادة الفاعل ولا يجيز تراخيه عن فعل الفاعل المختار، نجد ابن رشد يسلم معه بالقول بذلك إذ يقول: " وتراخي المفعول عن إرادة الفاعل، جائز، وأما تراخيه عن فعل الفاعل له، فغير جائز . "(1) يتفق كل منهما في القول بأن تقدم الباري سبحانه وتعالى على العالم ليس تقدماً زمانياً، إذ لو كان القول بذلك غير صحيح لكان هناك فاصل بين الله والعالم هو الزمان وكان قبل الزمان الذي وجد فيه العالم زمان، وهكذا تتسلسل إلى مالا نهاية له وهذا محال . لذا ذهب الغزالي إلى القول بأن: (( . . . الزمان حادث ومخلوق وليس قبله زمان أصلاً، ومعنى قولنا: إن الله متقدم على العالم والزمان، أنه سبحانه كان ولا عالم ثم كان ومعه عالم، ومفهوم قولنا: كان ولم يكن معه عالم، وجود ذات الباري وعدم ذات العالم فقط ؛ ومفهوم قولنا: كان ومعه عالم، وجود الذاتين فقط فنعني بالتقدم انفراده بالوجود فقط ؛ والعالم كشخص واحد، ولو قلنا: كان الله ولا عيسى مثلاً ثم كان وعيسى معه، لم يتضمن اللفظ إلا وجود ذات وعدم وجود ذات، ثم وجود ذاتين، وليس من ضرورة ذلك تقدير شيء ثالث. ))(2) . ويقول ابن رشد: (( . . . فتقدم أحـد الموجودين على الآخر أعنى الـذي ليس يلحقه الزمان ؛ ليس تقدماً زمانياً، ولا تقدم العلة على المعلول اللذين هما من طبيعة الموجود المتحرك، مثل تقدم الشخص على ظله، ولذلك كل من شبه تقدم الموجود غير المتحرك على المتحرك بتقدم الموجودين المتحركين أحدهما على الثاني فقد أخطأ، وذلك أن كل موجودين من هذا الجنس، هو الذي إذا اعتبر أحدهما بالثاني، صدق عليه أنه: إما أن يكونا معاً، وإما أن يكون متقدماً عليه بالزمان، أو متأخراً عنه، والذي سلك هذا المسلك من الفلاسفة هم المتأخرون من أهل الإسلام ؛ لقلة تحصيلهم لمذهب القدماء. ))(1) -يسلم ابن رشد بما ذهب إليه الغزالي من أن الأمر الثالث الذي يتصوره الفلاسفة ( الزمان ) ما هو إلا من عمل الوهم وليس له وجود بذاته ولا له وجود خارج النفس، فالزمان: (( نسبة لازمة بالقياس إلينا . . . ))(2) إذ هو شيء يفعله الذهن في الحركة، والحركة لا يمكن إبطالها، والزمان كذلك ولا يمتنع وجود الزمان إلا مع الموجودات التي لا تقبل الحركة، وأما تقدير وجود الموجودات المتحركة فلا ينفك عنها الزمان ضرورة وهذا ما أوضحه ابن رشد بقوله: (( إن الموجود نوعان: أحدهما من طبيعته الحركة والآخر ليس من طبيعته الحركة . . . ))(3) . يتفق الفيلسوفان في القول بأن تعدد الأنواع والأجناس يوجب التعدد في العلم وأن عقلنا الإنساني يستمد علمه من الموجودات الجزئية لأنه (( عقل منفعل ومعلول ))(4)، أما علم الله فهو (( فعل محض وعلة ؛ فلا يقاس علمه على العلم الإنساني ))(5) . وفي المسألة الثالثة يتفق كل منهما في القول أن النفس لا تفنى بفناء الجسد وإنما تبقى بعد الموت، كما دلت عليه الدلائل العقلية والشرعية وإنه لا بد من الإيمان بعودة النفوس إلى أمثال أبدانها لا عين أبدانها وهذا ما عبر عنه الغزالي بقولـه: (( . . . لأنه مهما انعدلت الحياة، فاستئناف خلقها، إيجاد لمثل ما كان، لا لعين مـا كان، بل العود المفهوم، هو الذي يفرض فيه بقاء شيء، وتجدد شيء، كما يقال فلان عاد إلى الإنعام أي أن المنعم باق، وترك الإنعام، ثم عاد إليه، أي عاد إلى ما هو الأول بالجنس، ولكنه غيره بالعدد، فيكون عوداً بالحقيقة إلى مثله، لا إليه، ويقال: فلان عاد إلى البلد، أي بقي موجوداً خارج البلد، وقد كان له كونٌ في البلد، فعاد إلى مثل ذلك. . . ))(1)، وأيده فيه ابن رشد بقوله: (( وأن يضع أن التي تعود هي أمثال هذه الأجسام التي كانت في هذه الدار لا هي بعينها، لأن المعدوم لا يعود بالشخص، وإنما يعود الموجود لمثل ما عدم، لا لعين ما عدم . . . ولذلك لا يصح القول بالإعادة، على مذهب من اعتقد من المتكلمين أن النفس عرض، وأن الأجسام التي تعاد هي التي تعدم، وذلك أن ما عدم ثم وجد، فإنه وجد بالنوع، لا واحد بالعدد، بل اثنان بالعدد . . . ))(2) نقاط الاختلاف : الاختلاف في النشأة، حيث يوجد اختلاف كبير بين الفيلسوفين وظروف عصريهما : - فبينما كانت حياة الأول منذ بدايتها حياة فقر وزهد، وسعى لطلب العلم في مختلف المجالات وفي أي مكان، كانت حياة الثاني حياة هدوء وسكينة، فقد نشأ في بيت جاه، وكان طلبه للعلم ميسراً، فلم يحتج إلى السفر إلى أي مكان لتحصيل العلم ؛ بل درس الفقه والطب والفلسفة في قرطبة مسقط رأسه . الإختلاف في الفكر : بينما اتجه فكر الغزالي إلى التصوف والدفاع عن الدين والعقيدة الإسلامية الصحيحة، اتجه فكر ابن رشد إلى الفلسفة مدافعاً عنها وعن فلاسفتها المشائين . الإختلاف في المسائل الثلاث : يرى الغزالي ليس استحالة تأخر المعلول عن علته في الموجَب والموجِب الضروري الذاتي فحسب بل في العرفي والوضعي أيضاً، وقد مثل لذلك بمسألة الطلاق(1)، بينما نجد ابن رشد يرى أن الأمر في الوضعيات ليس كالأمر في العقليات إذ (( لا نسبة للمعقول، من المطبوع في ذلك المفهوم إلى الموضوع المصطلح عليه ))(2) . وفي حين يرى الغزالي أن كل ما هو مدرك بمعرفة أولية يجب أن يعترف به جميع الناس، يرى ابن رشد أنه ليس من شرط المعروف بنفسه أن يعترف به جميع الناس لأنه ليس أكثر من كونه مشهوراً، ولا يلزم فيما كان مشهوراً أن يكون معروفاً بنفسه . بينما يذهب الغزالي إلى القول بنسبية حركة الأفلاك، وتقسيمها إلى شفعية ووترية، يرى ابن رشد أن هذا لا ينطبق إلا على الأمور المحدثة ذات البداية والنهاية ولا يصح البتة إطلاقه على ما لا نهاية له لأن المحدث وحده يخضع للتجزئة والتقسيم كما أنه لا يسعنا أن نفترض وجود اللحظة الأولى التي تحرك فيها العالم، وبما أن الزمان هو مقياس الحركة، والحركة الأزلية ناشئة عن العالم، فإن العالم الذي صدرت عنه الحركة أزلي أيضاً . يرى الغزالي، بأن أخد أحد الشيئين المتماتلثين هو تمييز الشيء عن مثله(3)، نجد ابن رشد يرى أن أخذ أحد الشيئين المتماتلثين ليس تمييز الشيء عن مثله، (( وإنما هو إقامة المثل بدل مثله، فأي منهما أخذه بلغ مراده، وتم له غرضه، فإرادته إنما تعلقت بتمييز أخذ إحداهما عن الترك المطلق، لابأخذ أحدهما وتمييزه عن ترك الآخـر . ))(4)هـ-بينما يتفق – الغزالى وابن رشد – فى القول بأن تقدم البارى سبحانه وتعالى على العالم ليس تقدماً زمانياً، نجدهما يختلفان فى نوع التقدم ففي حين يقول الأول: بأن تقدم الأول على التانى تقدم بالذات. يقول الثـانى: بنوع آخر من التقدم دون أن يحدد هذا النوع من التقدم إذ يقول: (( فإذن تقدم أحد الموجودين على الآخر هو تقدم الوجود الذى هو ليس بمتغير ولا فى زمان على الوجود المتغير الذى فى الزمان، وهو نوع آخر من التقدم . ))(1) في الدليل الثالث بينما يسلم الغزالي - من أجل إثبات حدوث العالم - بأن العالم قبل وجوده كان له إمكانات غير متناهية بالعدد إذ يقول: (( العالم لم يزل ممكن الحدوث، فلا جرم ما من وقت إلا ويتصور إحداثه فيه . . . ))(2)، ومعنى ذلك هو أن يكون قبل هذا العلم عالم وقبل العالم الثاني عالم ثالث وغير ذلك إلى غير نهاية له، نجد ابن رشد يبطل ذلك، فيرى أنه من المحـال أن يكون قبل هذا العالم عالم آخر وهكذا إلى غير نهـاية له، لأن ذلك (( يلزم أن تكون طبيعة هذا العالم طبيعة الشخص الواحد الذي في هذا العالم الكائن الفاسد، فيكون صدوره عن المبدأ الأول بالنحو الذي صدر عنه الشخص، وذلك بتوسط متحرك أزلي و حركة أزلية، فيكون هذا العالم جزءاً من عالم آخر، كالحال في الأشخاص الكائنة الفاسدة في هذا العالم، فبالإضطرار إما أن ينتهي الأمر إلى عالم أزلي بالشخص، أو يتسلسل، وإذا وجب قطع التسلسل، فقطعه بهذا العالم أولى، أعني بإنزاله واحداً بالعدد أزلياً ))(3) . بينما يرى الغزالي في الدليل الرابع أن الإمكان والإمتناع والوجوب (( قضايا عقلية لا تحتاج إلى موجود حتى تجعل وصفاً له . . . ))(1)، إذ لو احتاج الإمكان إلى وجود شيء لاحتاج الإمتناع إلى وجود شيء يضاف إليه، وكذلك نفوس الآدميين المجردة، وكذلك السواد والبياض، نجد ابن رشد يؤيد رأي الفلاسفة ويقول بقولهم : إن الإمكـان يستدعي شيئاً يقوم به هو المحل القـابل للشيء الممكن، وهذا بين عنده لأن المعقولات الصادقة لابد أن تستدعي أمراً موجوداً خارج النفس . فعند قولنا بأن ذلك الشيء ممكناً يقتضي شيئاً يوجد فيه هذا الإمكان، وأن الممتنع كالممكن أيضاً لابد له من موضوع وهذا بين أيضاً عنده لأن الممتنع والممكن متقابلان، والأضداد المتقابلة لابد لها من شيء، وبما أن الإمكان يستدعي موضوعاً، فإن الإمتناع الذي هو سلب الإمكان يستدعي موضوعاً أيضاً، ويضرب مثلاً لذلك فيقول (( فإن وجود الأبعاد المفارقة ممتنع خارج الأجسام الطبيعية أو داخلها ونقول: إن الضدان ممتنع وجودهما في موضوع واحد، ونقول: إنه ممتنع أن يوجد الإثنان في واحد . . . ))(1) يختلف كل منهما عن الآخر في أمر الإمكان هل هو أمر ذهني أم له وجود خارج النفس، فبينما يذهب الغزالي إلى القول أن الإمكان أو أن الأمر الكلي أمر ذهني لا وجود له في الخارج، يذهب ابن رشد إلى القول أن الإمكان له وجود في الخارج لأنه نابع عن جزئيات موجودة خارج النفس(2) . بينما يرى الغزالي أن العلم شيء والمعلوم شيء آخر، فالمعلوم يطلق على الشيء الموجود، ويطلق العلم على إدراك هذا الشيء، بحيث لو فقد العلم أو لم يدرك الشيء لم يفقد المعلوم، يرى ابن رشد أن العلم والمعلوم شيء واحد . أما فيما يتعلق بمسألة الجزئيات، يرى الغزالي أن تعدد الأنواع والأجناس تقتضي تعدداً في العلم كما تقتضيه الأشخاص المتعددة(3)، في حين يقول ابن رشد: أن علم الأنواع والأجناس الثابتة ثابت أيضاً ولا يوجب تغيراً، أما فيما يختص بقيـاس علم الأشخاص بعلم الأنواع فيقول الغزالي بأن العلم في كليهما علم واحد بينما يرى الخصم ابن رشد أنه قياس لا طائل تحته لأن هذين العلمين مختلفين والإشتراك اسمى وبمعنى التعدد، وفـي هذا يقول: (( . . . إنمـا يجتمعان: أعني الكلية والجزئية في ثانياً: النتائج : بعد هذه الرحلة الطويلة من الإطلاع والقراءة تبدى للباحثة حقائق ونتائج منها: إن كل خطاب فكري لا ينشأ طفرة بل لابد له من مرتكز ومستند فكري وسياسي واجتماعي يمكّنه منأن ينحو المنحى الذي يطبعه ويميزه . على الرغم من موقف الغزالي الشديد من الفلسفة والفلاسفة إلا أنه لا يخفى أنه لم يسع إلى هدم الفلسفة كمنهج من مناهج العقل، أو أنه حارب الفلسفة من حيث هي علم تفسير بل إنه حارب التيار الهيليني الوثني المجافي لروح الإسلام، وأكبر دليل على ذلك هو تأليفه في الفلسفة كتابيه المشهورين " مقاصد الفلاسفة، و تهافت الفلاسفة "، وعلى الرغم من أنه كان يقصد بكتابيه الرد على الفلاسفة، وبيان تهافتهم إلا أن النقد والرد عليهم يعتبران فلسفة في حد ذاتها، وذلك أنه استخدم نفس الآلة التي استخدموها وهى العقل . من خلال اطلاعنا على كتاب تهافت الفلاسفة نستطيع أن نتبين الآتي : إن هدف كتاب تهافت الفلاسفة هو إظهار العقل بمظهر العاجز عن اقتناص الحقائق الإلهية، ولهذا، يحاول الغزالي فيه أن ينتزع ثقة الناس من العقل كمصدر تتعرف منه المسائل الإلهية ولكن الغزالي إذ يحاول، تقييد سلطة العقل يتخذ من العقل نفسه مطية للوصول إلى هذه الغاية . فإذن عمله هذا هو محاولة عقلية لإثباث قصور العقل في ميدان الإلهيات، وشهادة بأن العقل حدّاً يجب الوقوف عنده. إن الغزالي في سلوكه مع الفلاسفة لم ينحرف بآرائهم عن وضعها الصحيح، بل إنه قد أظفى عليها إشراقاً وصفاء . عرضه لأدلة الفلاسفة في صورة دقيقة وواضحة . إن ابن رشد حين دافع عن موقف الفلاسفة إنما اختار لنفسه جانباً خاصاً يمكن أن نجمله في الآتي : -قبوله ما رآه صحيحاً من الأدلة التي تقدم بها الغزالي في كتابه ذاكراً أنها أدلة الفلاسفة لمذهبهم ورفض مالا يراه صحيحاً منها . الرد على ما وجهه الغزالي من اعتراضات على تلك الأدلة . التقدم بأدلة أخرى لتأييد رأي الفلاسفة . إن كتاب تهافت التهافت ليس مخصصاً للبرهنة بل لرد هجوم الغزالي، وبيان أن أكثر ما جاء به لا يرتفع إلى مرتبة اليقين والبرهان، بل كلها معارضات سفسطائية مشوشة كما يقول . كتب ابن رشد كتابه تهافت التهافت للرد على كتاب الغزالي السابق الإشارة إليه، وعلى كل من هاجموا الفلاسفة والفلسفة وأكد منذ البداية على أن من واجب الجميع أن يحترموا الفلسفة ويقدروا الفلاسفة، حتى إذا ما اختلفنا معهم أو حتى إذا أخطأوا، فالواجب فيما يرى ابن رشد أن لا ننكر فضلهم في النظر العقلي، فلو لم يكن لهم إلا صناعة المنطق لكان واجباً علينا وعلى جميع من عرف هذه الصناعة أن يشكرهم عليها وأن يستفيد منها . أما فيما يتعلق بالمسائل التي أخذها الغزالي على الفلاسفة فقد رد عليها ابن رشد مسألة بعد أخرى، مؤكداً أنه من الضروري فيما يتعلق بفكرة الألوهية أن نخاطب الناس على قدر عقولهم وأن نميز بين تصويرين متميزين، أحدهما للعامة والآخر للخاصة، الأول خطابي والآخر برهاني، وقد عاب على المدارس الكلامية أنهم بلبلوا أذهان العامة وعقدوا الأمور على الجماهير، كما عاب على الغزالي أنه كشف في تهافته عن أمور كان الأولى أن تقتصر على الخاصة وألا يشغل بها العامة. إن اسم الكتاب (تهافت التهافت) لا يحمل في طياته مجرد الدلالة على الكتاب فقط بل على موضوع الكتاب، والبواعث التي دفعته لتأليفه، ففيه يقلب الحقائق على مختلف وجهاتها، فيكشف عن مقاصد الفلاسفة حيناً، ويستجلي ضلالتهم في فهم أرسطو حيناً آخر، ويرفع عنهم تهمة الكفر التي ألحقها بهم الغزالي في مسائل ثلاث خالفوا فيها أصول الدين، مبيناً بعد ذلك موقفه من كل منها . إن الذي يطلع على كتاب تهافت التهافت يمكنه أن يتبين في رد ابي الوليد ثلاثة أقسام: استصواب كلام خصمه في أحدها، وخطأه في القسم الثاني مؤيداً الفلاسفة، والثالث بين فيه مواضع خطأ الغزالي في أنه نسب إليهم ما لم يقولوه، فنقض ما نسب إليهم فأصاب وأخطأ في النسبة . إن أسماء الكتابين دليل واضح على طبيعة الخطاب بينهما، والذي يزداد وضوحاً عند عملية المقابلة بين دفتي هذين الكتابين وهي عملية مقابلة الرأي بالرأي، والدليل بالدليل . إن كلا الكتابين يكمل كل منهما الآخر و يؤلفان كلاً لا يتجزأ، فإذا ذكر أحدهما ذكر الآخر، ولا تعرف قيمة تهافت التهافت إلا بمعرفة تهافت الفلاسفة . إن التراث العربي لا يخلو من أمثال هذين الكتابين، فهاهو (خواجه زاده) المتوفي سنة (893هـ) ألف كتاباً سماه (تهافت الفلاسفة) أيضاً، وقد ألفه بإشارة من السلطان محمد الفاتح العثماني، وهو كتاب جاء للتحكيم بين الغزالي وابن رشد، فيما اختلفا فيه من مسائل . إن الغزالي وابن رشد يكادان يتفقان نوعاً ما في الأسلوب والطريقة في عرض مسائل الكتاب، فطريقة ابن رشد طريقة جدلية كطريقة الغزالي إلا أنها أدق منها من حيث تفنيدها بنقد نص بعينه، والدليل على ذلك أن الغزالي إذا عرض إحد نظريات الفلاسفة ذكر أدلتهم كما فهمها ثم أورد اعتراضه عليها وفندها وأتى بأحكام مناقضة لها، أما ابن رشد إذا ذكر نصاً للغزالي يكتفي بذكر أول ذلك النص وآخره خوفاً من الإطالة ثم أوجزه وأوضحه وفنده وخطأ قائله، كما تميزت طريقته بتحليله المسائل تحليلاً منطقياً جلياً مثبثاً تعريف الألفاظ وتطبيقاتها على ما هو متنازع عليه، أو ما ساده غموض بين الطرفين المتخاصمين . ذا كانت مسألة قدم العالم وحدوثه تحتل مركزاً ممتازاً في تاريخ الفكر الفلسفي عامة والفلسفة الإسلامية خاصة، فإن مسألة العلم الإلهي ومسألة حشر الأجساد لاتقل أهمية عنها، إذ يعد البحث في هاتين المسألتين على جانب كبير من الأهمية ودليل ذلك هو أن دراسة هذين الموضوعين قد شغلا متكلمي وفلاسفة العرب زماناً طويلاً وأن البحث فيهما يعد من البحوث العويصة في حد ذاته، ودليل هذا أننا نجد المتكلمين والفلاسفة قد خصصوا مبحثاً محدداً لدراسة هذين الموضوعين في مؤلفاتهم، بالإضافة إلى تضارب الآراء حولهما تضارباً شديداً، وذهاب كل فرقة مذهباً معيناً يختلف في كثير أو في قليل عن بقية الآراء والمذاهب الأخرى . لم يستطع ابن رشد أن يهدم اعتراضات الغزالي على الفلاسفة في مسألة قدم العالم كما كان يتوقع ذلك، وذلك لأن القول بالحدوث أقرب إلى العقل والنقل منه بالقول بالقدم خاصة بعد أن أثبته العلم في العصر الحديث . ظهرا الإمام الغزالي وابن رشد مقدرة فائقة في التحليل والنقاش وتقصي الحقائق من خلال كتابيهما المشهورين في جميع المسائل وخاصة في مسألة قدم العالم وحدوثه، الأمر الذي يشهد له كثير من المفكرين في القديم والحديث بأنهما أهل لأن يحتلا مكاناً مرموقاً في تاريخ الفكر الفلسفي على وجه العموم . إن المحاورات الفكرية بين الفلاسفة من جهة وبين الفقهاء والمتكلمين من جهة أخرى، وبين كل واحد من هؤلاء أو أولئك إنما تمثل ظاهرة فكرية صحيحة برهنت على حيوية المسلمين وإعمالهم للعقل وللإجتهاد في كل شيء، وقد كان ذلك الصدام الشهير بين الغزالي وبين الفلاسفة السابقين عليه من جهة، وبين الغزالي وابن رشد من جهة أخرى أكثر دلالة على أن الخلاف والإجتهاد في الرأي لم يكن يفسد للود قضية بين مفكري العالم الإسلامي، وذلك كان تعبيراً حياً على مدى وعي المفكرين المسلمين وفهمهم العميق لدينهم ودنياهم في آن واحد. هذا هو جهدي المتواضع في تناول هذا الموضوع الشائك، فإن وفقت فمن الله، وإن كانت الأخرى فمن نفسي، وعذري أني حاولت .
عائشة يوسف الدوكالي عرعارة(2007)

اختلاف شهب مع ابن القاسم وغيره من تلاميذ الإمام مالك (من باب الجعل والإجارة إلى باب الدعوى حسب ترتيب المدونة) (دراسة فقهية مقارنة)

تتمثل فكرة البحث في دراسة المسائل التي اختلف فيها الإمام أشهب مع الإمام مالك وتلاميذه، من باب الجعل والإجارة إلى باب الدعوى حسب ترتيب المدونة، وذلك بجمع الروايات والأقوال فيها، ونسبتها إلى أصحابها، وبيان مسندها وحجتها، وموقف الفقهاء منها، ثم الترجيح بينها حسب قواعد الترجيح إن أمكن. فكلما درس الإنسان أكثر وتفقه أكثر وعرف أقوال العلماء في المسائل وحجة كل عالم منهم اطمأن للقول الذي سيعمل بمقتضاه وازداد يقيناً وثباتاً عند تطبيقه. أهمية الموضوع: 1- كونه يدرس جانباً من جوانب الفقه، الذي بدوره يحتوي على جمهرة من الأحكام الشرعية، ولكل حكم دليله الواضح إما من نص مباشر، أو مراعاة للمصالح العامة ودرء المضار والمفاسد عن الأمة، فعلم الفقه من أجل العلوم وأشرفها، حيث يهتم بتبيين أوامر الله - تعالى- ونواهيه، فبالتعرف عليه أكثر يقوّم الإنسان سلوكه ويسعى لطاعة ربه على الوجه الذي أمره به. 2- إن الفقه المالكي من أهم المذاهب الفقهية وأثراها مصادر، فليس أقل من أن نهتم بهذه المصادر دراسة وبحثاً وتمحيصاً في أحكامها. 3- سأحاول -بعون الله تعالى- في هذا البحث أن أعرض الآراء الفقهية بشكل تفصيلي موضح، بحيث يطمئن الآخذ بأي رأي أن له حجة وأنه مستند لأدلة. ومن أسباب اختياري لهذا الموضوع: أولا: رغبتي الشديدة في خدمة الدين الإسلامي بصفة عامة، والمذهب المالكي بصفة خاصة، ولو بالشيء اليسير. ثانيا: التعرف على أحد أعلام المذهب المالكي، وهو الإمام أشهب، والغوص في بحر شخصيته، والاستزادة من علمه. ثالثا: تتبع المسائل، وجمع الآراء فيها، ومقارنتها؛ سعيا لمعرفة أسباب الاختلاف، وترجيح أحد الآراء؛ استنادا للأدلة والمرجحات. رابعا: إظهار تكامل الآراء الفقهية وشدة ارتباط بعضها ببعض فهي كلها وإن اختلفت في الظاهر تلتقي في أصل واحد وهو القرآن الكريم والسنة النبوية. خامسا: إن موضوع اختلاف الإمام أشهب مع الإمام مالك وتلاميذه قد تمت دراسة بعض جوانبه، وأحاول أن أسعى جاهدة مع زميلات لي أن نتم نسق هذا الموضوع، فاختار كلٌ منا جزءاً ليدرسه، فكان من نصيبي هذه الجزئية المقدمة في هذا المقترح، وأسأل الله العلي القدير أن يوفقنا وأن يعيننا على إتمام هذا العمل على أفضل وجه فهو وحده ولي ذلك والقادر عليه. حدود البحث: سأتناول في هذا البحث - بمشيئة الله تعالى - اختلاف الإمام أشهب مع الإمام مالك وتلاميذه، من باب الجعل والإجارة إلى باب الدعوى حسب ترتيب المدونة من حيث حصر الموضوعات، حيث سيشمل البحث باب الجعل والإجارة، وكراء الرواحل والدواب، وكراء الدور والأراضين، والمساقاة، والجوائح، والشركة، والقراض، والأقضية، والشهادات، والدعاوى. صعوبات البحث: ومن الصعوبات التي واجهتني في هذا البحث وحاولت جاهدة أن أتغلب عليها: طبيعة المؤلفات في الفقه المالكي، إذ لم تسر على منهج محدد، فكان منهجها تجريديا خاليا من الدليل إلا ما ندر، وكذلك طبيعتها في قصد الاختصار والاكتفاء بأشهر الروايات. ومن الصعوبات أيضا: تجزئة المسألة في أبواب شتى داخل الكتاب الواحد، حيث يذكر بعض الآراء للمسألة في باب، ويذكر باقي الآراء للمسألة نفسها في باب آخر.
نجلاء محمد الشاعر(2016)

(الأحاديث والآثــــــار الواردة في تفسير التحرير والتنوير)

أحمدك ربي حمداً لا ينتهي أمده، ولا ينقضي مدده، ولا يُحصى عدده. اللهم لك الحمد كما ينبغي، لجلال وجهك، وعظيم سلطانك. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك اللهم على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى إبراهيم، إنك حميد مجيد. وبعد: فقد تكفل الله عز وجل بحفظ دينه من العبث والتحريف، فقال: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾، وفي هذا ضمان بحفظ سنة نبيه تبعاً، لأن سنته مبينة ومفسرة لما في القرآن، كما قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾. ولما كان طريق معرفة سنة النبي هو النقل والرواية، «تسمعون ويُسمع منكم، ويُسمع مِمَّن سَمِع منكم»، وجب أن يكون السبيل إلى معرفة صحة هذا النقل من سقمه وقوته من وهنه، محفوظا أيضاً. ولهذا اختار الله عز وجل رجالاً جعلهم أمناء لحفظ دينه، واختصهم من بين خلقه لحراسة شريعته، فهم ينفون عنه كذب الكاذبين، وخطأ المخطئين، ولو كانوا من الثقات المتقنين. قال أبوحاتم الرازي: ((لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار الرسل إلا هذه الأمة. فقال رجل: يا أبا حاتم، ربما رووا حديثاً لا أصل له ولا يصح؟! فقال: علماؤهم يعرفون الصحيح من السقيم، فروايتهم ذلك للمعرفة، ليتبين لمن بعدهم أنهم ميزوا الآثار وحفظوها. ثم قال: رحم الله أبا زُرعة، كان والله مجتهداً في حفظ آثار رسول الله )). وقال عبدالله بن داود الخريبي: ((سمعت من أئمتنا ومن فوقنا أن أصحاب الحديث وحملة العلم هم أمناء الله على دينه، وحفاظ سنة نبيه ما علموا وعملوا)). وقال كهمس الهمذاني: ((من لم يتحقق أن أهل الحديث حفظة الدين فإنه يعد في ضعفاء المساكين، الذين لا يدينون لله بدين! يقول الله تعالى لنبيه «﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا ﴾…». وقال سفيان الثوري: ((الملائكة حراس السماء، وأصحاب الحديث حراس الأرض)). وبناء على ماتقدم، فإن هذا البحث يتناول جمع الأحاديث والآثار في تفسير التحرير والتنوير، من أول الكتاب إلى الآية (140) من سورة البقرة ودراستها من الناحية الحديثية، وتتجلى أهداف البحث فيما يلي: ربط الأمة بكتاب ربها تعالى من خلال أعرف الناس به وأفقههم فيه، وهو رسول الهدى. جمع المرويات النبوية في تفسير كلام الله تعالى، وتناولها بالدراسة الحديثية المفصلة بناء على قواعد أهل الحديث وضوابطهم. التمييز بين السقيم والصحيح في مرويات التفسير الصريح عن النبي  . معرفة مقدار الآيات التي ورد تفسيرها في السنة النبوية. إخراج النتيجة المستفادة من نسبة الضعف في أحاديث تفسير ابن عاشور، حيث اشتهر أن الغالب على أحاديث التفسير الضعف. إبراز شخصية الطاهر ابن عاشور الحديثية، ومن ثم التعرف إلى طريقته في الاستدلال بالأحاديث. سبب اختيار الموضوع وأهميته: العناية بكتاب الله سبحانه وتعالى عناية تامة؛ وذلك من حيث تخريج ودراسة الأحاديث والآثار الواردة في تفسيره. الرغبة التامة في دراسة السنة، وتحقيق أسانيدها. التداول الكبير لهذا التفسير بين الناس في المغرب العربي وإقبالهم عليه، ولهذا لابد من تخريج ودراسة، لكي تتم الفائدة، ويتميز الصحيح من السقيم. الحصول على درجة (ماجستير) في الحديث وعلومه. أهمية هذا الموضوع: المنزلة السامية التي يتبوأها هذا الموضوع، فهو يتعلق بكتاب الله تعالى، وسنَّة نبيه، وهما المصدران الأولان في التشريع الإسلامي. حيوية الموضوع، فهو يطرق تفسير كلام الله تعالى من سنة نبيه، وهذا مما يهم كل مسلم، فضلاً عن طالب العلم. إن الرجوع إلى التفسير النبوي في بيان معاني كلام الله عز وجل أسلمُ الطرق وأقربها لفهم الآية على وجهها الصحيح. منهج الدراسة والتخريج : أولا: إذا كان الطاهر ابن عاشور قد اختصر الحديث أو الآثر في تفسيره، أو أشار لهما، فإني أقوم بإيراد الحديث من مصادر الحديث التي أخرجته. ثانياً: أقوم بتخريج كل وجه من كتب الحديث، وأجمع الطرق، واذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما فأذكر الكتاب والباب ورقم الحديث، وأكتفي بذلك، إلا إذا كان الحديث خارج الصحيحين زيادة قد استدل بها المصنف. واذا كان خارج الصحيحين، أقدم السنن الأربع، فأذكر الكتاب والباب ورقم الحديث، وأما اذا كان خارج الكتب الستة فأذكر رقم الجزء ورقم الصفحة، ثم أرتب المصادر بعد ذلك حسب الطرق، أبين أوجه الاختلاف في الحديث، ومرتباً الاختلاف بحسب مخارج الحديث، فأقول مثلاً: (الطريق الأول)، فإن تفرع اختلاف آخر فإني أميزه بالأرقام (1، 2)، فإن تفرع فبالأحرف ( أ، ب ). ثالثاً: النظر في الاختلاف، وفيه أدرس الأوجه المختلفة، وأبين الوجه الراجح فيها، مع بيان أسباب الترجيح ما أمكن، مستعيناً بأقوال أئمة هذا الشأن. رابعاً: أحكم على الحديث من خلال الوجه الراجح فيه، مع ذكر شواهد الحديث _ إن وجدت شواهد أو متابعات. خامساً: بالنسبة للآثار فقد اقتصرت على آثار الصحابة والتابعين، أسند هذه الاثار إلي مصادها، وأحكم على ظاهر سندها، وقد أتوسع في بعض الاثار للحاجة، أما أقوال أئمة المذاهب الفقهية فلا أعرج عليها. سادساً: أترجم للراوي الذي وقع عليه الاختلاف، وللرواة المختلفين عليه _ إذ هم العمدة في الترجيح _ إلا إذا كان الوهم ممن دونهم فإني أترجم _ بإيجاز _ للراوي الذي وقع الوهم منه. وطريقتي في الترجمة كالآتي: إذا كان الراوي مجمعاً على ثقته أو على ضعفه، فإني أترجم له بذكر اسمه ونسبه، مع ذكر ثلاثة من أشهر شيوخه، وثلاثة من أشهر تلاميذه، ثم أورد بعض ما قيل فيه من جرح أو تعديل، ثم أختم بكلام الحافظ ابن حجر في التقريب إذا كان الراوي مختلفاً فيه، فإني أترجم له بمثل ما سبق، مع ذكر بعض ما قيل فيه من جرح أو تعديل، وأختم بكلام الحافظ ابن حجر في التقريب وأحيانا الذهبي في الميزان . اذا تكرار ذكر الراوي اكتفيى بالترجمة في أول موضع ترجمت له فيه. لا أترجم للصحابة، لإجماع أهل السنة على عدالتهم. سابعاً: تفسير بعض الكلمات الغريبة في الأحاديث.
محمد مسعود رجب الجخاوي(2015)

الجواهر المُضيَّة في نقد عقيدة الرافضة الاثني عشرية

الخاتمة: وتتضمن أهم نتائج البحث وبعض التوصيات: أولا: نتائج البحث ومن أهمها: ترجع أصول المذهب الرافضي إلى أصول يهودية مجوسية. يجمع الرافضة على الاعتقاد بتحريف الكتاب العزيز. أن يجمع الرافضة على عدم عدالة الصحابة، ولذلك لم يأخذوا بالمروي عنهم. يجمع الرافضة على تكفير أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، ويجمعون على سب أمهات المؤمنين وبخاصة عائشة رضي الله عنها، ويُكِنُّون حقدا دفينا على خير الناس بعد نبينا – صلوات الله وسلامه عليه– وهم الصحابة، رضوان الله عليهم. يكفر الرافضة مخالفيهم ممن لا يؤمن بنظرية الإمامة، ويعتقدون أنه لا يرتقى للإيمان، ولا للإسلام أحد غيرهم. المذهب الرافضي مبني على مكاتمة المخالفين لهم وعلى الكذب والنفاق. ينهج الرافضة في صفات الله تعالى واسمائه الحسنى تارة منهج المجسمة، وتارة المعطلة النفاة، وتارة المنهج التأويلي. يجمع الرافضة على تقديس القبور وتعظيمها ويجمعون على تقديس علمائهم، ويطلقون عليهم تسميات بدعية، مثل: آية الله، وروح الله، وحجة الله، وقدس الله سره، وقدس سره القدوسي وطاب ثراه، بينما يجمعون على سب الصحابة، ويطلقون عليهم أشنع الأوصاف وأقبحها، مع أن الله قد زكاهم من فوق سبع سماوات وترضى عنهم في آيات كثيرة من القرآن الكريم. يجمع الرافضة على تفضيل أئمتهم على جميع الأنبياء مع العلم أن بعض الأنبياء قد كلمه الله تعالى، وأعطاهم المعجزات وأرسلهم برسالات للبشر. يجمع الرافضة على تقديس المدن التي دفن فيها أئمتهم ويطلقون عليها عبارات، مثل: الأشرف، المقدّسة، ويرقى هذا الضلال إلى أن فضلوا بعض تلك المدن على مكة المكرمة والمدينة المنورة على ساكنها أزكى الصلاة والسلام. يسعى الرافضة إلى تكوين خلافة باطنية ماسونية منتظرية، تنتظر الدجال؛ لتدمير البلاد الإسلامية، والانتقام من أمة محمد، صلوات الله وسلامه عليه. الروافض هم سبب كثير من هزائم المسلمين قديما وحديثا.
عبد العظيم عبد الله محمد الناكوع(2015)

" الدُّرَّةُ البَهِيَّةُ فِي حَلِّ أَلْفَاظِ الْقُرْطُبِيَّةِ " للقاضي المالكي شمس الدين محمد بن إِبراهيم التتائيِّ ت 942 هـ

تتضمن الخاتمة أَهم النتائج التي توصلت إِليها الدراسة في هذا البحث فضلاً عن التوصيات التي يراها الباحث: تعتبر المنظومة الفقهيَّة المعروفة بالقرطبيَّة من المنظومات المشهورة عند الفقهاء، وقد تضمَّنت أَبياتها التي تصل إِلى ( 125 ) مائة وخمسة وعشرين بيتاً أَغلب المسائل والموضوعات الفقهيَّة التي تتعلَّق بقواعد الإِسلام، وذلك وفق مذهب الإِمام مالك t . إِنَّ طريقة شرح التتائيِّ للقرطبيَّة تختلف عن طريقة شرح الشيخ زروق فالتتائيِّ كان يدمج شرحه مع نصِّ المنظومة بشكل منَّظم وبطريقة متناسقة، أَمَّا الشيخ زروق فكان يعرض الأَبيات أَولاً ثم يقدِّم لها شرحاً وافياً . تميَّز شرح التتائيِّ للقرطبيَّة بالإِختصار مع عدم الإِخلال بالمعنى حيث اقتصر شرحه على ما تضمَّن النصُّ من موضوعات ومسائل فقهيَّة أَمَّا شرح الشيخ زروق فقد اتسم بالإِطناب مع سلاسة اللفظ، وذلك من خلال ما أَضافه من موضوعات ومسائل تتعلَّق بفقه العبادات ولم يتضمَّنها نصُّ المنظومة. تناول التتائيِّ نصَّ المنظومة في بعض الأَحيان من الناحيَّة النحويَّة أَمَّا الشيخ زروق فلم يتعرَّض لذلك أَلبَتَّة . إِنَّ كتابَي الشيخ خليل بن إِسحاق الجندي ت 776 هـ. وهما " التوضيح ــــــــ المختصر " يعتبران من أَهمِّ المصادر والمراجع الذي أَعتمد عليها التتائيِّ فقد كان يذكر آراء الشيخ وأَقواله في أَغلب المسائل إِن لم يكن جلَّها، وهو ما يفسر تأثُّره به من خلال شرحه للمختصر مرتين. تحلَّي التتائيِّ والشيخ زروق بالدقَّة والأَمانة في نقل النصوص والآراء والأَقوال من مظانِّها فضلاً عن الموضوعيَّة في عرض ومناقشة المسائل الخلافيَّة اختلف التتائيِّ والشيخ زروق في طريقة نقل النصوص المقتبسة فالتتائي يغلب عليه النقل بالحرف مع الإِطالة أَحياناً أَمَّا الشيخ زروق فكان ينقل بالفكرة في أَغلب الأَحيان. تشابه التتائيِّ والشيخ زروق في طريقة الإِحالة على المصادر التي استقى منها كل واحد مادته العلميَّة وهي تلك الطريقة المعهودة عند أَغلب علمائنا السابقين، والتي في الغالب لا يذكرون فيها اسم المصدر ولا اسم صاحبه بسبب حفظهم وأَحياناً يذكرونه أَو يذكرون اسم المؤلِّف فقط. اعتمد التتائي على مشهور المذهب عند عرضه ومناقشته للمسائل الخلافيَّة سواءً أَكانت بين فقهاء المذهب المالكي أَم بينهم وبين غيرهم ويرجع ذلك إِلى تأثره بكتابَي الشيخ خليل بن اسحاق، وبخاصة كتاب: " المختصر " الذي اقتصر فيه الشيخ خليل على المشهور الراجح، وقبله من بعده العلماء على هذا الشرط. إِنَّ القاضي المالكي محمد بن إِبراهيم التتائيِّ ولد قبل الربع الأَخير من القرن التاسع الهجري، وتوفي عام 942 هـ. ــــــــ رحمه الله تعالـى اعتمد التتائي على بعض المصنفات التي لا تزال في عداد المخطوط أَو عدم النشر، وتحتاج إلى جهد لإظهارها لطلبة العلم منها: كتاب: الطراز لسند بن عنان ( تـــــ 541 ه )، وكتاب العوفي التي شرح به قواعد القاضي عياض . يعتبر شرح التتائي للقرطبيَّة من الشروح البسيطة التي يسهل فهمها من قبل العامة وطلبة العلم فهو جدير بالتداول وإِ ظهاره للناس. استمرار البحث والتنقيب عن كتب التتائي، وغيره من العلماء البارزين في عالمنا الإِسلامي من أَجل دراستها وتحقيقها، ومن تمَّ اخراجها في حلة معايير البحث العلمي الحديث. تشجيع طلبة الدراسات العليا، وتذليل الصعاب أَمامهم لخوض غمار التحقيق ؛ لأَنَّ العديد من المكتبات لا تزال تزدحم بكتب علمائنا السابقين التي هي في حاجة لإِبراز قيمتها العلميَّة، والإِستفادة منها .
خيري محمد االبوعيشي(2013)

منهج الماوردي في تفسيره : " النكت والعيون "

بعد هذه الرحلة الممتعة مع تفسير الماوردي " النكت والعيون"، والدراسة التحليلية لمنهجه نأتي على الخاتمة؛ لأسجل فيها أهم ما توصلتُ إليه من نتائج. الماوردي جدَّ في طلب العلم(1) وتحصيله، فنال قسطاً وافراً من العلوم والمعارف مكنته من الإلمام بأقوال من سبقه من المفسرين والعلماء، فأقدم على تفسير كتاب الله، وهو حامل لكل ما يحتاجه المفسِّر من علوم ومعارف، فكان عالماً بالحديث، وبلغة العرب وأساليبها، ومتمكناً من البلاغة وقواعد اللغة، وملماً بأقوال العرب شعراً ونثراً، فكانت هذه الأدوات والمؤهلات كلها مسخرة لتحقيق أهدافه، وبلوغ مرامه في تفسيره الذي بيّن في مقدمته منهجه، وحدّد شروط التفسير بالرأي، فجاء تفسيره قوياً أصيلاً جامعاً فيه لأقوال السلف والخلف، وكان اجتهاده محموداً ومقبولاً مبتعداً فيه عن التعصب والهوى. تفسير الماوردي " النكت والعيون" يعتبر تفسيراً موجزاً شاملا ً للقرآن الكريم، اقتصر فيه صاحبه على تفسير ما خفي من آيات الكتاب العزيز، أما الجلي الواضح فقد تركه لفهم القارئ الكريم، حيث أشار إلى ذلك في مقدمة تفسيره (2). قال في كتابه أدب الدنيا والدين ص76: "ينبغي لطالب العلم أن لايني في طلبه وليبتديء في العلم من أوله، وليأته من مدخله ". ينظر النكت والعيون 1/21 . سلك الماوردي السبيل القويم في بيان المعاني، فأخذ في مجال التفسير بأصوله وأسسه، واعتمد على أفضل أنواع التفسير، وهي تفسير القرآن بالقرآن. وتفسير القرآن بالسنة، والتفسير بأقوال الصحابة والتابعين، كما أخذ بالتفسير بالرأي المحمود، وقد حدّد شروط الأخذ به، وبينه في مقدمة تفسيره (1) . لقد رتّب الماوردي تفسيره ترتيباً جميلاً، فكان يبدأ بذكر اسم السورة، وبيان عدد آياتها، وهل هي مكية أم مدنية ثم يشرع في شرح ألفاظ الآية، وذكرِ أسباب نزولها، وكان له منهج دقيق في حصر الأقوال، حيث يذكر الأقوال الكثيرة في تأويل الآية محصورة في عدد، ثم يبدأ بتفصيلها، الأول فالثاني فالثالث، بحسب الأقوال التي وردت فيها، وكان أميناً في عزو الأقوال إلى أصحابها في أغلب الأحيان، مع توجيه وترجيح لبعضها، وترك الكثير منها دون توجيه وترجيح، كما كان يضيف إلى ذلك ما ظهر له من معنى محتمل اعتنى عناية تامة بالجانب اللغوي في تفسيره حيث نهج المنهج البياني والأدبي، فاعتنى بالتفسيرات البيانية، والأصول اللغوية، وقام بتحليل الألفاظ من حيث علاقتها بالمعنى، وبيان الفروق اللغوية بينها، والاستشهاد على ذلك بالشعر وضرب الأمثال؛ فجاءت تحليلاته دقيقة في بيان مفردات الآية وتوضيح المعنى في أسلوب واضح وجميل، وفي عبارة موجزة بيّنة. اهتم الماوردي في تفسيره بعلوم القرآن وأولاها عناية خاصة، فذكر أسباب النزول وبيّن رواياتها، وتعرض لبيان المكي والمدني، وذكر الناسخ والمنسوخ، واهتم ببيان القراءات الصحيحة والشاذة وتوجيهها. توسط الماوردي في الفقه في تفسيره، ولم يتوسع فيه تاركاً ذلك لكتب الفقه، فعرض الآراء الفقهية أثناء تفسيره لآيات الأحكام، ونظراً لمكانته الكبيرة في المذهب الشافعي ؛ فقد استدل بأقوال الإمام الشافعي دون تعصب لمذهبه، كما أنه أشار إلى أقوال العلماء من المذاهب الأخرى كالإمام مالك، وأبي حنيفة، وداود الظاهري. - الإمام الماوردي – رحمه الله- لم يخرّج الأحاديث النبوية التي أوردها في تفسيره – وهي كثيرة – ولم يبيّن الصحيح منها من الضعيف، كما أنه كان ينقل بعض الأحاديث بالمعنى. لم يخلُ تفسيره من ذكر الإسرائيليات، فقد أورد في تفسيره بعض الإسرائيليات، والحكايات الغريبة، والأحاديث المنكرة، دون تعقيب. برزت شخصية الماوردي العلمية وظهرت من خلال تفسيره، حيث سجل مواقفه، وذكر آراءه، وتأثر في تفسيره بالمفسرين الذين سبقوه كالإمام الطبري، وتأثر به المفسرون الذين جاءوا بعده كابن الجوزي، والقرطبي. لقد سخّر الماوردي لخدمة تفسير كتاب الله علوماً شتى، واعتمد على مصادر متعددة، استقى منها مادته العلمية، ودلت على سعة اطلاعه، وأعطت تفسيره مكانة علمية موثوقة، فكان موسوعة علمية ضخمة، جمعت معارف شتى وعلوماً جمة، وجمع هذا التفسير إلى جانب التفسير بالمأثور التفسير بالرأي المقبول، كما احتوى على فنون متنوعة من علوم القرآن، واللغة والأدب، والفقه، والعقائد، والتاريخ . وبالنظر لسيادة التقليد في عصر الماوردي، والتعصب للمذاهب السائدة؛ فإن ذلك لم يمنع الماوردي من الاجتهاد والقول برأيه متحدياً التقليد والجمود، حيث كان يقول: "اجتهد ولا أقلد" (1) الأمر الذي دفع بعض العلماء إلى سوء الظن به، واتهامه بالاعتزال. تسمية الماوردي لتفسيره باسم "النكت والعيون" فيه دلالة على الاجتهاد والتفسير بالرأي المقبول، وعدم اكتفائه بالمأثور في تفسيره، والماوردي على الرغم من كثرة مؤلفاته وتنوعها؛ فإنه لا يتباهى بذكرها، ولا يشير إليها، ولا يحيل القارئ إلى الرجوع إليها حتى وإن تطلب الأمر ذلك؛ تواضعاً منه، وبعداً عن التفاخر والمباهاة. أن الماوردي لم يكن معتزلياً في تفسيره، وهذا ما ثبت لي – والله أعلم- من خلال الأدلة والبراهين والأقوال التي أوردتها أثناء الحديث عن شبهة الاعتزال ودفعها عن الماوردي (2). أرى ضرورة تشجيع طلاب العلم من أبناء هذه الأمة العظيمة على دراسة كتاب الله، ومعرفة علومه وبخاصة التفسير، وتوجيههم إلى الاستفادة من مناهج المفسرين السابقين ؛ لربط ماضي الأمة المجيد بحاضرها السعيد، دون التأثر بالأهواء السياسية أو المذهبية.
سالم مفتاح علي امبارك(2010)

الأحاديث و الآثار الواردة في كتاب الذخيرة للإمام القرافي من بداية الباب الرابع من كتاب الحج وهو السوابق إلى نهاية القسم الثاني من كتاب البيوع في لزوم العقد وجوازه

الحمد لله الذي وفقني ثم أعانني على إتمام هذا العمل العلمي المتواضع، الذي أقف الآن على نهاية مطافه وعلى خاتمة فصوله، بعد أن قضيت مدة من الزمن أجمع مادته، وأدقق في تدوين ما يخدم فصوله ومباحثه، وصولاً إلى إخراجه بالصورة التي بين أيدينا. وإذا كان لي من إضافة أختم بها وأتشرف بذكرها فإنها تكمن في تدوين ما توصلت إليه من نتائج: إن كتاب الذخيرة للإمام القرافي من كتب الفقه المقارن، سلك فيه مسلك التبسيط ينتفع به طلبة العلم، وأهله في كل زمان ومكان. إن منهج القرافي في تأليفه كان متميزا، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون. أما من حيث الشكل، فقد سلك الإمام القرافي في ذخيرته مسلك الترتيب والتقسيم وفق قانون المناسبة في تأخير ما يتعين تأخيره، وتقديم ما يتعين تقديمه. وأما من حيث المضمون، فقد اتبع في صياغة هذا المُؤلَّف المفيد منهجين علميين: منهج التأصيل والتحرير والتقعيد والابتكار. منهج الجمع والشرح والتبسيط والتحليل والتمحيص والنقد. مع أهمية الكتاب، وغزارة مادته العلمية، وتوسعه في المباحث الفقهية، إلا أنه يستدل ببعض الأحاديث والآثار الضعيفة، بل وحتى الموضوعة. أن عدد النصوص التي تم جمعها وتخريجها ودراستها في هذه الدراسة وصلت إلى (569) ما بين حديث وأثر تشتمل على: ثلاث مئة وأربعة وأربعون حديثا وأثراً صحيحا، منها مئة وخمسة وخمسون متفق عليها، وثمانية وعشرين انفرد بها البخاري عن مسلم فيها حديث معلق، وتسعة وخمسين انفرد بها مسلم عن البخاري. خمسة عشر حديثا حسنا. تسعة وسبعين حديثا ضعيفا. خمسة أحاديث موضوعة. أربعة عشر حديثا لم أقف عليها. مئة وثمانية أحاديث مكررة. وجود حديث بعضه متفق عليه وبعضه الآخر حسن. وجود حديث بعضه صحيح وبعضه الآخر حسن. وجود حديث بعضه صحيح وبعضه ضعيف.
وليد محمد عبد العالي الربشي(2015)

دراسة تعليقات الإمام ابن الشاط على فروق الإمام القرافي (جانب القواعد الفقهية )

القاعدة الفقهية في اصطلاح المتأخرين هي: قضية شرعية عملية كلية تشمل بالقوة على أحكام جزئيات موضوعها، ولم يلتزم الإمام القرافي هذا التعريف للقاعدة الفقهية، لأن هذا الاصطلاح والاتفاق على هذا الحد كان بعد الإمام القرافي، وقد أكثر الإمام القرافي من استعمال القاعدة بمعنى الأحكام الأساسية للموضوعات الفقهية. تميزت كتابات الإمام القرافي بخدمة المذهب المالكي، استدلالا، ودفاعا، وترجيحا لأقواله، مع التزام التحقيق، والاعتراف بالفضل، والإنصاف للمذاهب الأخرى، وكان في جل كلامه على المسائل الخلافية، يستدل للقول المعتمد في المذهب المالكي، ويحاول تخريجه على الأصول، ويبين وجه المالكية في الرد على ما استدل به علماء المذاهب الأخرى، خاصة المذهب الشافعي. يعتبر كتاب الإمام القرافي (الفروق ) عمدة في القواعد الفقهية في المذهب المالكي على وجه الخصوص، واعتمد علماء المذهب عليه في كتاباتهم، وكان تأثيره فيهم واضحا فيما كُتِبَ بعده في القواعد، فكان كلامه كالمسلم عندهم في كثير من المسائل ومن تأثر به من علماء المذهب: المقري، والزقاق، والونشريسي، وشارحه المنجور، والسجلماسي، وغيرهم، وقد استفاد منه أيضا جمع من العلماء خارج المذهب: كالسبكي، والسيوطي، وابن نجيم، وابن اللحام، والتقي الحصني. اهتم العلماء بكتاب الإمام القرافي قديما وحديثا، فألفت عليه تعليقات، واختصر، ورتب، وهذب، وفهرس، ونظم واستخرجت قواعده، وكان أشهر المؤلفات عليه حاشية الإمام ابن الشاط. يعد الإمام ابن الشاط من علماء المغرب الإسلامي، فرضيا ماهرا، يمتلك براعة في التعليق تجعله يجمع شتات الكلام في أسطر أو كلمات قليلة. وحافظ الإمام ابن الشاط على الاختصار الذي كان من نهجه في الفروق التي صححها والتي علق عليها في أغلب كلامه، فكان يعبر بأخصر تعبير فيقول: ما قاله في الفرق: صحيح، أو فيما قاله: نظر. كان هدف الإمام ابن الشاط من تأليفه للتعليقات على فروق القرافي هو إظهار ما فيها من أخطاء، وأنه لن يتكلم فيما سوى الضروري من المسائل، ولن يعلق على ما نزل منها إلى رتبة الحاجي وما دونه. إن أغلب الفروق التي تدرس القواعد الفقهية في كتاب الفروق صححها الإمام ابن الشاط. وهي تبلغ في إجمال ما أخرجه الباحث تسعة وثلاثين ومائة من الفروق، صحح الإمام ابن الشاط منها تسعين فرقا، و ناقش وعلق على واحد وأربعين فرقا، ونظر في ستة فروق، ولم يعلق على فرقين. لم يلتزم الإمام ابن الشاط بشرطه الذي اشترطه على نفسه في كثير من الفروق، فقد خطأ مسائل صحيحة، وعلق على مسائل تعتريها وجهات النظر، ويسوغ فيها الخلاف. ولا نستطيع تطبيق مقالة العلماء : " عليك بفروق الإمام القرافي ولا تقبل منها إلا ما قبله ابن الشاط "، فإن هذه المقولة لا تصح أن تكون حاكمة على أقوال الإمام القرافي، ولا حتى أغلبية، وإن كان بعضها ينطبق عليه ذلك وهذا خاص بجانب فروق القواعد الفقهية حسب دراسة الباحث، وإنما الصحيح هو التفصيل، ففي تعليقات الإمام ابن الشاط على بعض الفروق كانت تعليقاته تصححا للخطأ، وهو قليل بالنسبة إلى غيره وكان أكثرها تصحيحا للفروق كاملة، وبعضها كان تعليق الإمام ابن الشاط لا يدل على تصحيح الأخطاء، وإنما كان خلافا فقهيا بين الراجح والمرجوح، وبعضها كان زيادة في إيضاح كلام الإمام القرافي أو استدراكا على شيء فاته. وبيان ذلك يكون بإعطاء جملة مختصرة عن الفروق التي في جانب القواعد الفقهية وهي: الفصل الثاني وفيه قواعد النية، والطهارة، والصلاة، والصيام، والزكاة والحج: فأما قواعد النية فقد تعرض الباحث فيه إلى فرقين فيهما، المطلب الأول: الفرق الذي صححه والمطلب الثاني: الفرق الذي استدرك عليه الإمام ابن الشاط، فصحح منه بعض المسائل، وخطأ بعضها، ولم يرها صحيحة، والمسائل التي اعترض فيها ابن الشاط على القرافي ترجع إلى اختلاف وجهات النظر بين العلماء، وليست من قبيل الضروريات، ولا تصحيح الأخطاء التي أشار الإمام ابن الشاط على أنه سيعلق عليها. قواعد الطهارة: وفيه سبعة فروق، صحح الإمام ابن الشاط من هذا المبحث خمسة فروق، واستدرك على فرقين، والأظهر في الفرق الأول ما قاله القرافي، والثاني هو تصحيح اسم راو والحق في خلاف قولهما. قواعد الصلاة: وهي ستة فروق: صحح الإمام ابن الشاط منها القاعدة: أربعة فروق، وناقش فرقين، أما القاعدة الأولى مما استدرك عليه فكانت تعليقات الإمام ابن الشاط منها: ما هو إيضاح وبيان لكلام الإمام القرافي، ومنها ما كان تخطئة من ابن الشاط للقرافي، وكان الحق فيها مع الإمام القرافي، ومنها تصحيح للمسائل داخل الفرق، ومنها تعليق نفيس يظهر به أن الإمام القرافي انجر وراء قول الشافعية، وهو يؤول إلى قول المالكية، فيظهر أن القولين واحد. وأما القاعدة الثانية فقد أظهر الإمام ابن الشاط في الفرق السادس أنه لا يوافق على الفرق، وأن الأمثلة عليه غير صحيحة، وللأسف لم يأت لنا الإمام ابن الشاط بالمثال الصحيح في نظره رحمه الله قواعد الصيام: استدرك الإمام ابن الشاط على جميع القواعد الأربعة في هذا المبحث، فاختار في الفرق الأول قولا من الأقوال التي لم يرجحها الإمام القرافي، وليس تعليقه مناقضا لقول القرافي، والفروق الأخرى تعتريها وجهات النظر، فتارة يكون القول الراجح مع الإمام القرافي، وتارة أخرى يكون الراجح مع الإمام ابن الشاط. قواعد الزكاة: وهي ثلاث قواعد، صحح الإمام ابن الشاط منها فرقين، وناقش الآخر، وتعليقات ابن الشاط فيها، لا ترتقي لأن تكون تصحيحا لخطأ محض، وإنما ذلك اختلاف في وجهات النظر قواعد الحج: فيه أربعة قواعد صحح الإمام ابن الشاط منها ثلاثة فروق، ناقش الإمام ابن الشاط الإمام القرافي في فرق واحد، وتبين أن الحق مع الإمام ابن الشاط في حكاية المذهب وأن الفرق يصح على قول الإمام الشافعي في ذلك. الفصل الثالث: وفيه قواعد الجهاد، و الذكاة، والنكاح، فقواعد الجهاد: أربع قواعد، صححها الإمام ابن الشاط جميعا. قاعد الذكاة: وقد علق على ذلك الإمام ابن الشاط، والراجح في ذلك هو قول الإمام ابن الشاط. قواعد النكاح: وفيه ثلاثون قاعدة صحح منها نصفها، ونظر في خمس منها، ولم يعلق عليها تعليقا واضحا، بل كان نظره في ذلك مبهما، ما أدى إلى عدم بحث كثير مما نظر فيه، ومحاولة فهم النظر تارة أخرى ومناقشته في ذلك. وعلق على البقية وهي عشرة، كان منها ما هو اختلاف في وجهات النظر، ويحتمله الخلاف، ولا يوجد فيها نص، بل أغلبها خلاف في مسائل متفرعة من فروع، وكان الراجح في بعضها قول القرافي والأخرى الراجح فيها قول ابن الشاط. الفصل الرابع قواعد الأطعمة: وهما قاعدتان: لم يعلق على الأولى، وصحح الثانية. قواعد الأيمان والنذور: وهي ست قواعد صحح الإمام ابن الشاط خمسة منها واستدرك على واحدة وكلامه في ذلك لا يرتقي لأن يكون إظهارا للحق على الباطل، وتصحيحا للخطأ بل كلامه دائر بين الراجح، والمرجوح، وهو مما تعتريه وجهات النظر، ويختلف فيه العلماء. قواعد البيوع، وفيه أربع وأربعون قاعدة، صحح الإمام ابن الشاط واحدا وثلاثين منها، ونظر في واحدة منها، ولم يعلق على واحدة منها، وبقية الفروق أغلبها يدخل في مجال اختلاف العلماء، وتباين وجهات نظر الفقهاء في المسألة، وذلك لاختلاف مناهجهم في الاجتهاد. الفصل الخامس، قواعد الشهادة: وهي ثمانية عشر قاعدة، صحح منها ثلاث عشر قاعدة، وعلق على البقية، وأغلبها يدخل في مجال اختلاف العلماء، وتباين وجهات نظر الفقهاء في المسألة، وذلك لاختلاف مناهجهم في الاجتهاد. قوعد الحدود: وهي ست قواعد: صحح خمسة منها، وعلق على واحدة بزيادة إفادة لا معارضة فيها لكلام الإمام القرافي. قواعد الفرائض: وهي ثلاث قواعد، صحح واحدة منها، وعلق على الأخريين بتعليقات، معظم كلامها في المنهجية، والتقسيم والترتيب، ولا يترتب على ذلك فرع فقهي .
صلاح عيسى محمد عبدالرحمن البرغثي(2014)