المستودع الرقمي لـجامعة طرابلس

احصائيات جامعة طرابلس

  • Icon missing? Request it here.
  • 303

    مقال في مؤتمر علمي

  • 1029

    مقال في مجلة علمية

  • 105

    كتاب

  • 21

    فصل من كتاب

  • 51

    رسالة دكتوراة

  • 1162

    رسالة ماجستير

  • 3

    مشروع تخرج بكالوريوس

  • 28

    تقرير علمي

  • 18

    عمل غير منشور

  • 5

    وثيقة

الخطاب النقدي في الفكر الإسلامي المعاصر دراسة تحليلية – محمد أركون نموذجا

ما يجب الإشارة إليه في خاتمة هذا البحث ومن البداية هو العلاقة الوطيدة بين الإسلام والعقلانية فدين الإسلام هو دين العقل وهذا ما أشرنا إليه في بحثنا وهذا ما أستنتجناه من خلال العديد من الآيات القرآنية التي تؤكد على تكريم الإنسان بهذه الملكة، وكذلك التأكيد على ضرورة استخدام هذه الهبة التي ميز بها الله الإنسان عن سائر خلقه. ولكن ما نود الإشارة إليه وما توصلنا إليه من خلال قراءاتنا لتاريخ الفكر الإسلامي لاحظنا أن هناك تياراً قوياً وجارفاً حجم العقل وحارب العقلانية من أجل ترسيخ مفاهيم لا علاقة لها بما هو مسطر في كتاب الوحي. ومن خلال الجهد الذي بدلناه من أجل الاطلاع على الفكر النقدي والخطاب النقدي في الفكر الإسلامي اتضحت لنا محطات مهمة جداً بخصوص هذا الموضوع، فقد اتضح أن الحضارة الإسلامية وخاصة في عصر الازدهار كانت حضارة الرأي والرأي الآخر كانت منفتحة على كل التيارات والاتجاهات الفكرية السائدة في ذلك الوقت إغريقية ولاتينية وفارسية، يهودية ومسيحية وحتى على الديانات التي تصنف بأنها ليست ديانات وحي وكانت المدارس الفكرية الكلامية والفلسفية في أوج ازدهارها وقوتها وهي التي كانت السند الكبير للدولة الإسلامية على جميع الأصعدة فهذه الحضارة هي التي أنجبت ابن سينا وابن رشد وغيرهم من الفلاسفة الذين كانوا جسر العبور لكل الفلسفات والأفكار التي سبقتهم ونقلوا كل هذه الفلسفات والاتجاهات إلى كل الشعوب التي تعاملت واحتكت بالحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي، ولم يكتف فلاسفة الإسلام بالترجمة ونشر هذه الأفكار والاتجاهات بل طوروا وبلوروا العديد من الأفكار التي ستصبح ركيزة لتقدم شعوب العالم. ومثال على ذلك الرشدية اللاتينية، فالرشدية اللاتينية يؤكد العديد من المفكرين أنها الأساس الذي قامت من فوق أسسه الفلسفة الغربية الحديثة، وعندما نتحدث عن الفلسفة الغربية فنحن نتحدث على العقلانية التي استعارها الغرب من بلاد المسلمين والتي هي من أنجب كل هذه المدنية الرائعة التي ينعم بها الغرب، وكذلك أنجبت هذه الحضارة في فترة الازدهار أعظم المدارس اللاهوتية وأقصد تحديداً فرقة المعتزلة تلك الفرقة التي يعتبرها الكثير من النقاد من الفرق التي لو استمرت ولم يقض عليها لكان حال المسلمين أفضل من هذا الحال "إن أكبر قطيعة في تاريخ الإسلام (كما يؤكد أغلب النقاد هي تلك المتمثلة بالقضاء على مذهب المعتزلة) هذا المذهب الذي فهم معنى الدعوات المتكررة للعقل والعقلانية في القرآن إنه المذهب الذي دافع بقوة عن مقولة خلق القرآن، وبالتالي عن موضعة النص القرآني داخل التاريخ ونفهم من ذلك أن المعتزلة كانوا أكثر وفاء لروح القرآن من غيرهم لأنهم طبقوا التفسير العقلاني الذي أمر به القرآن ذاته وبالتالي فإن تصفية هذا المذهب العقلاني أدى إلى تجميد وتقديس ما كان ينبغي أن يظل منفتحاً ودينامكيا ولو لم يصفى مذهب المعتزلة لما سيطرت الحركات اللاعقلانية على الساحة الإسلامية بهذا الشكل وهي حركات تغلب النقل على العقل"(1)، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا ماتت الفلسفة والتفكير العقلاني في بلاد الإسلام واستمرت بكل قوة في العالم الذي يجاورنا ؟، وأيضاً نطرح سؤالاً آخر ونبحث له عن إجابة، ما هي الآليات التي ثم بها القضاء على الفكر العقلاني؟، ولما انتهى كل ما يمت للخطاب النقدي العقلاني في العالم الإسلامي؟. كل ما هو اليوم مسكوت عنه ومن الاستحالة التفكير فيه كان مطروحاً على مائدة الجدل كل الاتجاهات الفكرية كانت تجاهر بآرائها وكذلك كل المفكرين يعلنون مواقفهم من كل القضايا المطروحة وكانت المنتديات الفكرية تكتظ بكل الفلسفات والأفكار في كل عواصم الفكر الإسلامي حين ذاك، إلا أن الفكر الدوغمائي الأرثوذوكسي استطاع في نهاية الأمر أن يحسم المعركة لصالحه ولصالح التخلف والخروج من التاريخ. في بحثنا هذا كان المفكر النقدي محمد أركون هو نموذجاً لدراستنا ومن خلال كتاباته حاولنا أن نتتبع الإجابات التي نبحث عنها، دون الدخول في متاهات الاصطلاحات والمصطلحات والتعاريف والمفاهيم التي استخدمناها في هذا البحث وكانت الوسيلة التي بها ثم استعراض مجمل الآراء والأفكار التي تتعلق بموضوع هذا البح. ندخل مباشرة إلى ما استخلصناه من قراءتنا ومن الجهد الذي بدلناه في محاولة الإلمام والإحاطة بما يريد أن يقوله صاحب مشروع نقد العقل الإسلامي وفي هذه الخاتمة سنحاول أن نبين أهم المرتكزات والأسس التي بني عليها أركون مشروعه الفكري وسنحاول أن نوجز ذلك بقدر استطاعتنا وفي نفس الوقت نريد أن لا نختزل أياً من الأفكار التي تطرقنا إليها في هذا البحث. يؤكد أركون على ضرورة قراءة التراث الإسلامي قراءة جديدة وجيدة قراءة نقدية تستخدم كل ترسانة علوم الإنسان والمجتمع الحديثة دون أن نهمش أياً من أجزاء هذا التاريخ، ونحاول أن نسلط الأضواء على الأجزاء الموءودة من هذا التراث ونعود إلى لحظة التدشين في كل القراءات وربط هذه القراءات بمفهوم التاريخية الذي أسهبنا في شرحه خلال بحثنا هذا، وأركون من خلال هذا الطرح يحاول أن يؤسس لمنهجية جديدة في دراسة وتناول التراث والفكر الإسلامي وهذه المنهجية يطلـق عليهـا الإسلاميات التطبيقيـة وهـي منهجيـة جديدة من المنهجيات التي أسسها أركون وبهذه المنهجية يحاول أن ينطلق إلى فضاءات أوسع وأشمل من الفضاءات التي كان الاستشراق بالرغم من جهوده لم يستطع الوصول لها فالإسلاميات التطبيقية هي خلاف أبيستمولوجي وليس أيديولوجي مع الاستشراق الكلاسيكي وفي نفس الوقت هي منهجية مغايرة للمنهجية الأرثوذوكسية الدوغمائية التبجيلية التي يتناول ويدرس بها المسلمين تراثهم وتاريخهم فهي منهجية تحاول دراسة المسكوت عنه والمستحيل التفكير فيه في التاريخ والتراث الإسلامي وحتى في الوقت الراهن، وهي منهجية علمية واقعية لا علاقة لها بالخيال والمخيال والأيديولوجيا منهجية تربط الوقائع والأحداث والأفكار والاتجاهات والفرق بالتاريخ والأرض والسياسة وتضع كل الأمور في نصابها وتطرح كل الأسئلة ونتناول كل ما أسلفناه سابقاً بصورة موجزة وسنبرز كل المحطات المهمة التي استطعنا الإحاطة بها في هذا البحث. الإسلاميات التطبيقية: أركون ينقد العقل الإسلامي في إطار مشروعه الفكري الذي يسميه (الإسلاميات التطبيقية) والتي يهدف منها إلى إحداث قطيعة جذرية مع الدراسات الإسلامية الكلاسيكية التي تتصف برؤية تبوثية وجامدة واستخدام المناهج التاريخية الفلولوجية التي تجاوزتها الحداثة والتطور العلمي وذلك باستخدام المنهجيات الحديثة في علوم الإنسان والمجتمع. المنهج الأركيولوجي: استخدم أركون المنهج الأركيولوجي التفكيكي أي المنهج الحفري وهو منهج استعاره من المفكر الفيلسوف ميشيل فوكو وهذا المنهج الحفري التفكيكي يوظف مجموعة من الأدوات ويستخدم العديد من المناهج ويؤكد على ضرورة التسلح بأدوات منهجية والتي تبلورت بعد الحرب الكونية الثانية في مجال علوم الإنسان والمجتمع بكل فروعها من التاريخ إلى اللسانيات والانتربولوجيا وعلم النفس بجميع مدارسه وعلم الأديان المقارن والسيمولوجيا ثم الأبستمولوجيا والفلسفة ويستند أركون على العديد من الأسماء ذات الباع الكبير في مجال العلوم الإنسانية وكذلك استخدامه لمجموعة من المفاهيم والمصطلحات وليدة المجال الحيوي للفكر الغربي ومنها: رأس المال الرمزي والمعنى والزمن الطويل أو المتطاول والتقطيع الميتي والتاريخية والخطاب السيميائي واللامفكر فيه والمسكوت عنه والأبستومي ومديونية المعنى والعديد من المصطلحات التي كان له الدور الكبير في تأسيسها. اللا مفكر فيه أو المسكوت عنه: يؤكد أركون في كل مشروعه الفكري على منهج نقدي قائم على تصور معين للتراث الإسلامي ونتاجه الفكري فمشروعه يقوم أساساً على إعادة قراءة كل الفكر والتراث الإسلامي قراءة جديدة قراءة كلية قراءة نقدية والمقصد الذي يريد أن يصل إليه أركون هو تتبع كل المساحات التي ظلت بعيدة عن مجال النقد والتفكير وكل ما يدخل تحت إطار المسكوت عنه فكل الأسئلة التي ينبغي طرحها على التراث الإسلامي تدخل في مجال اللامفكر فيه ويشير أركون إلى العديد من القضايا التي أشرنا إليها سابقاً في هذا المبحث ومنها المشكلة التي كانت مطروحة حتى أغلق عليها وهي مشكلة المعتزلة والحنابلة هل القرآن كلام الله أو مخلوق؟، ونحن نعلم أن خياراتنا بهذا الخصوص تؤدي إلى تداعيات تتناقض مع الخيار الآخر وكذلك يشير أركون إلى مشكلة الطائفية التي تعاني منها المجتمعات الإسلامية وخاصة بين فرقتي الشيعة والسنة ويؤكد أركون على ضرورة فتح هذا الملف المسكوت عنه والعودة إلى لحظة تدشين هذه الفرق لمعتقداتها ومحاولة التصالح والبداية من جديد وخاصة أن الجميع يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، ويشير أركون إلى الصراع المسيحي المسيحي بين الأرثوذكس والكاثوليك والكاثوليك والبروتستانت والذي أصبح من الماضي عندما وضع هذا الموضوع على محك النقد في الفكر المسيحي ولم يعد من المسكوت عنه أو المستحيل التفكير فيه، وقضايا كثيرة لا يسمح المجال إلى سردها أو الحديث عنها وتعتبر من المسائل التي تعيق مسيرة المجتمعات الإسلامية نحو التقدم والازدهار. ماهية التراث: ما هو مفهوم التراث عند أركون؟، يعرف أركون التراث بأنه مجموعة متراكمة ومتلاحقة ومتراتبة من العصور والحقب الزمنية وهذه القرون المتطاولة متراتبة بعضها فوق بعض كطبقات الأرض وللوصول إلى الطبقات العميقة أي لحظات التدشين الأولى لا بد من اختراق الطبقات السطحية الأولى والوسطى للوصول إلى الطبقات الأولى، لا بد لمؤرخ الفكر أن يكون أركيولوجي الفكر فالتراث بناء تراكمي تشكل عبر أجيال وحقب زمنية متلاحقة وتتكون من مزيج من الأفكار والتصورات المتداخلة لا نستطيع فيها التفريق بين ما هو أرضي وما هو سماوي وما هو إلهي وما هو بشري وبالتالي كان لا بد من القراءة التفكيكية للمكونات الداخلية المتداخلة والمتراصة لهذا التراث وهذا الفكر وكان لا بد من التعاطي مع هذا المنتج التراكمي للتراث باستخدام المنهجيات التي تتعاطى منتجاته المعرفية بشكلها المتداخل في حدود التصور والمنهج الذي ينتجه. المنهج الإجرائي: أركون حريص على الطابع المنهجي الإجرائي أكثر من حرصه على الوقوف على النتائج أركون دائماً يطرح الأسئلة ويحرك الركود المستوطن داخل العقل الإسلامي فكل كتاباته تتضمن مشاريع في البحث وتقدم رؤوس مواضيع واستفسارات وأسئلة أكثر مما يقدم إجابات عن الأسئلة التي يثيرها في خطاباته فخطاباته تهتم أساساً بتجديد آليات الفكر الإسلامي وربطه بالحداثة الفكرية وحتى بما بعد الحداثة عن طريق الاستفادة من علوم الإنسان والمجتمع. العقل الإسلامي: أركون يتحدث عن العقل الإسلامي الذي يسعى إلى نقده فيحاول البحث عن تركيبته الداخلية وكيفية نشوء هذا العقل وطرق اشتغاله في التاريخ والمجتمع من خلال دراسته التحليلية لهذا العقل من لحظة التدشين ووصل أركون إلى أن هذا العقل التقليدي تفرع إلى عقول عديدة متنافسة وكلها تدعي امتلاك الحقيقة والاستيلاء على المعنى ودخلت في صراع مع بعضها البعض ثم تحولت إلى عقول أرثوذوكسية صلبة مغلقة على ذاتها وهذا يعني ابتعاد هذا العقل على العقلانية الحديثة ومنتجاتها الفكرية انطلاقاً من انغلاق هذا العقل وتشبعه بمفاهيم وقيم موروثة من العصر القروسطي الذي يسوده اللاهوت والتصورات الميتولوجية. العقل والأسطورة في فكر أركون: دائماً أركون يحاول الإشارة إلى الصراع بين اللوغوس والميتوس، المعرفة العقلية والأسطورة لأن الهدف الرئيسي من دراسة الانتربولوجيا الدينية للتراث الإسلامي توضيح العلاقة بين المفهومين السابقين وروابطهما المتغيرة والمتحولة ويؤكد أركون على أن لا مستقبل للعقل الإسلامي إلا إذا تخلص من أرثوذوكسيته ولا يمكنه الانفتاح على العقلانية الحديثة بشكل فعلي وناجح ودائم إلا بتفكيك مفهوم الدوغمائية والأرثوذوكسية التي تحيط به وتغلق أبواب الحداثة أمامه وهذين الاتجاهين من المعرفة يتقاطعان بطريقة تنافسية يحاول كل اتجاه من هذه الاتجاهات المعرفية الإطاحة بالآخر ويرى أركون إنه لا بد من تحطيم المعرفة الأسطورية داخل بنية هذا العقل من أجل انطلاقته إلى رحاب الحداثة ومكتسبات الإنسانية. تحرير العقل الإسلامي: أركون يسعى نحو تفكيك التراث وبنائه من جديد انطلاقا من إعادة إنتاج آليات نقدية تستجيب للتطورات المعرفية التي يشهدها عصرنا هذا والهدف الأساسي هو تحرير العقل الإسلامي من الأساطير التي تشوبه، فأركون ينظر إلى مشروعه باعتباره وسيلة معرفية لفتح وتحرير هذا العقل المغلق ويؤكد على ضرورة انتصار الحداثة الفكرية والخروج من الجمود الذي يعاني منه هذا الفكر بعد أن تحول إلى قلعة مغلقة بالرغم من أن الإسلام في حقيقة الأمر يعتبر حداثة فكرية وعقلية في عصره. أديان الوحي: يسعى أركون إلى محاولة توحيد الرؤية حول الأديان التوحيدية باعتبارها في حقيقة الأمر تجسد ظاهرة الكتاب الموحى به وما ينشأ عن ذلك من تشكيل متخيل مشترك لدى المجتمعات الكتابية محوره هو الكلام المتعالي والمقدس والمعياري لله حيث اعتاد الجميع على إبراز الأديان التوحيدية بصفتها وحياً معطى نزله الله في التاريخ بحسب التنزيل الذي يؤكد عليه القرآن الذي يجد له مقابلاً له في العقيدة المسيحية إن هذا المعطى متعالي ومقدس ويهدي البشر في تاريخهم الدنيوي لكي يحصلوا في نهاية المطاف على النجاة في دار الآخرة "إن القرآن يتموضع داخل خط الديانات التوحيدية مثله مثل التوراث والإنجيل يتموضع داخل منظور الوحي المتصور بصفته تاريخاً للنجاة وهذا التاريخ متقطع إلى مراحل للوحي وكل مرحلة يمثلها نبي من الأنبياء الذين تلقوا الوحي عبر التاريخ الذي يبتدئ بحسب المنظور القرآني بالنبي إبراهيم"(1)، ويستشهد أركون بالقرآن الكريم ((مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ))(2)، ويستمر أركون في اجتهاداته المتعلقة بأديان الوحي يقول بخصوص كلمة مسلم: "المعنى التزامني للكلمة في القرآن ليس هو نفسه المعنى التيولوجي الذي تشكل وساد في العصور التالية: إنها لا تعني المسلم بالمعنى المحصور للكلمة وإنما تعني الخضوع لله وتسليم النفس له وتجسيد هذا الخضوع للحياة الدينية وتكون قدوة ومثالاً في النزاهة وبهذا المعنى تشمل كل المؤمنين وكل الأديان التوحيدية وليس مؤمنو دين وأحد"(3)، ونحن نستعرض فكر أركون بخصوص أديان الوحي ولا يمكننا التعليق على ذلك. وفي نهاية الحديث لا يمكننا القول إلا إن أركون وغيره من النقاد كان هم التخلف يحاصرهم وكانوا يحاولون بذل الجهد للوقوف على أسبابه ومكمن هذا التخلف ومنهم من أخطأ في تحليلاته ومنهم من أصاب ومنهم من مازالت أفكاره وآراؤه في محل الاختبار إلا أننا لا يمكن أن نختلف مع أركون أو غيره عندما يشير إلينا بضرورة القراءة الحديثة للتراث الإسلامي أي القراءة النقدية التاريخية والعقلانية فهي التي ستحرر كل العقول المستلبة منذ زمن طويل والعقلانية هي التي ستزيل العراقيل التي تمنع التطور في مجتمعاتنا وما نود الإشارة إليه أن العقلانية في المجتمعات الإسلامية تصطدم بالقراءة اللا تاريخية العمياء والبكماء والمتخشبة والتي تحتل الشارع وحتى الجامعات وبالتالي المعركة ضخمة جداً وهائلة ولا يمكن أن تكون إلا في بداياتها فالحداثة الفكرية أمل ما زال بعيد المنال بالرغم من أهميته التي تتمثل في تحديث التشريع والقوانين بصورة كلية فالهوة سحيقة بين المفاهيم التراثية لمجمل جوانب الحياة وبين مفاهيم الحداثة الفلسفية والفكرية التي قدمت البشرية ثمناً غالياً من أجل الوصول والحصول عليها. وأخيرا أرجو أن أكون قد لفت الانتباه إلى الفكر النقدي الإسلامي المعاصر والذي أرى أن هاجسه الإجابة عن أسئلة صعبة ومعقدة وفي بعض الأحيان هذه الأسئلة لايوجد من يجروا حتى على طرحها أو الاقتراب منها والحافز على كل ذلك هو الإجابة على السؤال الذي يستمر في محاصرة كل الفضاء الفكري الإسلامي لما نحن خارج التاريخ؟، لما نحن في سبات مستمر؟، في الوقت الذي تتحرك فيه كل الشعوب المتقدمة إلى الأمام في كل لحظة. وفي نهاية الأمر أتمنى أن أكون أضفت ولو جزءاً يسيراً للفكر النقدي الإسلامي، والسلام.
زيدان مولود المنصوري(2012)

فلسفة الحضارة بين ابن خلدون و توينبي دراسة تحليلية مقارنة

في فلسفة الحضارة تطور، والنظر إليها من كونها تقوم على عامل واحد هو المفسر والسر وراء ظاهر أحداث التاريخ إلى النظر إليها على أنها مجموعة من العوامل تتضافر فيما بينها وتتداعم لتشكل بنية الحضارات وتكون بالتالي سبباً في نشوئها كما أنها السبب وراء إنهيارها. وقد اتفق كل من ابن خلدون وتوينبي في النظرة العامة للحضارة، على أنها كائن حي واختلفوا في تفسير هذه الحيوية، فقد فسرها ابن خلدون بدورة تبدأ بالميلاد والنشأة وتمر بالازدهار ثم تنحني نحو الانهيار، فيما ذهب توينبي إلى أبعد من ذلك بعد تطور العقل التاريخي وفق سياق عصره ورأى أنها مجموعة من العوامل تعمل كلها مجتمعة لتشكيل حالات الين واليانج التي تعتري الإنسانية فتجعلها تمر بحالات من الإيجابية والسلبية أو التحدي والاستجابة ، وهو لا يهمل أياً من العوامل التي تعمل مجتمعة لخلق هذه الحالات التي تتوالى على المجتمع الإنساني وتجعله خاضعاً لها . وفي الختام ارجو من الله العلي القدير أن أكون قد وفقت في بيان دورهاتين الشخصيتين الهامتين في تاريخ فلسفة الحضارة، وهما في حقيقة الأمر يشكلان محطتين هامتين في هذا الفرع من المعرفة بكل ماتعنيه هذه الكلمة.
المبروك علي ابوالقاسم عبدالله الفتحلي(2012)

فلسفة الفن في فكر العقاد

يمكن أن نجمل النتائج التي توصلت إليها هذه الدراسة عن الفن عند العقاد في النقاط الآتية والتي ستكون بمثابة اجابات عن الأسئلة التي طرحتها هذه الدراسة في بدايتها، والتي تشكل في مجملها فرضيات الدراسة في قضايا الفن وهي على النحو التالي: لقضية الأولى: العقاد وفن الشعر العقاد شاعر وناقد ومحلل فنجده يربط في شعره بين العالم المرئي والعالم المستكن في أعماق النفس، وبذلك وضع بعض المعايير للشعر وهي: عدم المحاكاة التامة في الشعر والتي بدورها تنفي الشخصية وبذلك ينفرد الشاعر بشخصيته فيحقق المطلوب منه . المحافظة على قواعد الشعر والتي من بينها الوزن والقافية . التأمل في الظواهر الطبيعية ببصيرة واعية حتى يتسنى للشاعر إدراك ما بين النفس وما بين هذه الظواهر من علاقات . نجد أن منهج العقاد في الشعر هو منهج ناقد قائم على التفسير النفسي . من شعر العقاد نستطيع معرفة فلسفة حياته التي اختارها لنفسه. إذ نجده يقبل الحياة بخيرها وشرها، وبنعيمها وشقائها ولا ينحاز لجانب فيغلب عليه وقد بينت ذلك في بعض أشعاره في السابق . القضية الثانية : الذاتية والموضوعيةوالمفكر العربي المعاصر عباس محمود العقاد يعتبر من أنصار الذاتية، فقد قاد قافلة فن الشعر الغنائي إلى الذاتية وذلك بما سماه : " شعر الفكرة " مستندا في ذلك إلى أن الشعر ينبع من داخل الإنسان، حيث أعطاه حرية التعبير عن ذاته مع التزامه بالاحتفاظ بالقالب الموسيقى للقصيدة العربية لقد تكلم العقاد عن الاعتزاز بالشخصية الذاتية، حيث يرى أن الذاتية هي الغاية من الرقي والرقي هو الانتقال من وجود بغير ذات إلى وجود له ذات. وقد دلل على ذلك بالترتيب الذي ذكره، والذي بدأه بالجماد حتى وصل إلى الإنسان، وإذا كان الفن ينشد الكمال الموضوعي فإنه أولا يهدف إلى النجاح الذاتي، وقد تكلم العقاد عن إعجابه بلوحة لفنان رسم فيها امرأة أمام قبر زوجها، وأشار إلى الطريقة التي جسد بها الفنان حركات النفس المعنوية دون مبالغة، وهذا كله من خلال ذات الفنان وإحساسه الداخلي بالمشاعر التي أخرجها في لوحته. لكننا لانعدم ميلا واضحا لدى العقاد في تأكيد الجانب الموضوعي، فإذا كانت الموضوعية هي مثول للإدراك بينما الذاتية هي تدخل الذات وتفاعلها مع الموضوع، وحتى في مغزى الفن إن لم يكن موضوعيا يناقش قضايا عامة أو يعالج قصورا معينا فلا نفع منه، وإن لم يكن نابعا من ذات فنانة تضيف إليه مسحة من جمال لما حسب فن أصلا ولذلك فالموضوعية مكملة للذاتية في الفن حتى يعطي الفن دوره المنوط به في المجتمعات البشرية ويؤدي رسالته على أكمل وجه . القضية الثالثة: علاقة الفن بالمجتمع ومن آراء العقاد في هذا الصدد إنكار فكرة أن الفنون والآداب هي مجرد كماليات وقد دلل على ذلك بأن الأمة التي بلا علم أمة جاهلة ولكنها مع جهلها قد تكـون على خلق عظيم ، والأمة التي لا صـناعة لها قد تكـون أمة صحيحة الحس والتفكير أما الأمة التي بلا فنون فهي أمة مهزولة مشرفة على الموت، لأن الفنون هي تعبير الأمم عن الحياة. وهذا دليل قاطع على أن الفن مربوط بالمجتمع ربطا مباشرا. القضية الرابعة: علاقة الفن بالحرية تكـلم فـي البداية عـن العلوم التي تملصت من قيود الحرية وكيف تقدمت وأثمرت، وكذلك نوه عن التأخر في العلوم العمرانية والأخلاقية والشرعية والدينية وذكر بأن سبب تأخرها راجع إلى عدم حرية الناس في الكـلام عنها، ولـقد ركز على القضاء على العقبات التـي تعـوق تحقيـق الجمال وذلك بالقضاء على المحاكاة والتقليد والتخلص من الشعور بالعبودية أمام القيود التي تفرضها طبيعة العمل الفني، وقد دلل على ذلك بوصفه للجسم الإنساني وكيف أن أعضاءه حرة في حركتها وذكر أيضا بأن الجسم الجميل هو الجسم الحر وربط كلامه بذكر الحسناء ورشاقتها، وخفة حركتها وهذا دليل على حرية جسدها حيث تزن نفسها في أعضائها بميزان لا خلل فيه. كذلك وصفه للملمس الناعم الذي تنساب عليه اليد فلا تجد ما يعيق حركتها، والصوت الذي يخرج من الحنجرة فنطرب له ونصفه بالصوت الحر السالك الذي عندما تسمعه تعرف بأنه خرج من حنجرة لا عرقلة فيها، وهذا ينطبق على الفكر الجميل الذي يخلو من الخرافات والجهالة حيث لا يصده شيء في الوصول إلى وجهته التي وجه إليها، والفنون الجميلة هي التي تشبع فينا حاسة الحرية، وأننا نحب الحرية عندما نحب الجمال، وأننا أحرار عندما نعشق من قلوب سليمة صافية. والفن لا يعني عند العقاد أن يكون بسيطا عندما يكون حرا، فأغاني الصبية لا توازي أغاني شكسبير في المرتبة، لأن الحرية لا تعني السلبية والعجز والتلقي البسيط والنقل الساذج من الواقع، ولهذا كان التقليد في الفن قبيحا في نظر العقاد، وكان الاكتفاء بالنقل عن الطبيعة من أضعف مراتب الفن لأنه مثل عمل الآلات الجامدة، وليس عمل النفوس الحية. ورغم ذلك فالحرية عند العقاد مربوطة بقواعد، حيث ذكر بأن النشاط الفني إنما هو إحالة العوائق إلى وسائط والحرية عـنده لا تنهض بغير قيود لكن قيودها من داخلها ولا تفرض عليها من خارجها، فالحرية تنتج قوانينها الذاتية الخاصة بها، فقيود الشعر مثلا من وزن وقافية هي التي تسمح للشاعر بأن يعرب عن طلاقة نفسه، ومن هذا المنطلق هاجم العقاد الشاعر المتحرر من القافية والوزن كما هاجم المدارس الفنية الحديثة كالمستقبلية والتعبيرية والوحشية والسريالية من حيث إن هذه المدارس أعطت الحرية المطلقة للفنان في التعبير والتي يرفضها العقاد فالحرية عنده لابد أن تكون وفق ضوابط ولكل فن ضوابطه الخاصة به، والتي تخدم الفن بدلا من هدمه، فالشعر بلا وزن وقافية إنما هو نثر أو كلام عادي والرسم بلا ضوابط كالنسبة والتناسب والكتلة والحجم هو خروج عن المألوف لا جمال فيه. هذه كانت الخطوط العريضة في فكر العقاد وفلسفة الفن لديه كمحاولة للإضافة المكتبية العربية، أرجو أن تكون هذه الدراسة جادة ومثمرة في تحليل شخصية من أهم الشخصيات في الفكر العربي المعاصر التي أفردت للفن اهتمامًا خاصًا في حيز اهتماماتها فكانت افكاره اضافة حقيقية لفلسفة الفن بشكل عام وللفكر العربي المعاصر بشكل خاص طموحًا من الباحث في أن تكون هذه الدراسة مزدوجة التخصص بين الفكر العربي المعاصر وفلسفة الفن والجمال، وأرجو من الله العلي القدير أن أكون قد وفقت في هذا البحث ملتمسًا من القارئ الكريم والأساتذة الأفاضل العذر في مواطن القصور، والله من وراء القصد.
عبدالسلام أحمد مولود أبوحميده(2012)

منهج الكندي في التوفيق بين علم الكلام والفلسفة دراسة تحليلية نقدية

في خاتمة هذا البحث توصلت إلى النتائج التالية: ظهرت البدايات المنهجية عند الكندي حيث قام باستيعاب الكثير من علوم ومعارف عصره، وتجلى ذلك في الدور الذي قام به في العناية بالتراث الفلسفي للحضارات الأخرى، وخاصة اليونانية، وتقديمه الفلسفة للأمة الإسلامية بصورة منهجية واضحة. إن الباحث لمنهج الكندي يجد أنه اشتغل بعلم الكلام أولاً، ثم اشتغل بالفلسفة اليونانية ثانياً، فكان لزاماً عليه أن يقوم بعملية التوفيق بين عقائد الإسلام والفلسفة، حتى لا تبدو غرابة الفلسفة ويقلل من نظرة العداء التي نظرت إليه، فحاول إقناع المسلمين بأن الفلسفة لا تعارض الدين ولا تعانده، بل إن الفلسفة هي علم الأشياء بحقائقها علم الربوبية، وعلم الوحدانية، وعلم الفضيلة، وجعله علم كل نافع، والسبيل إليه. وفي سبيل هذه الدعوى التوفيقية اضطر الكندي للتأويل العقلي والفلسفي ابتغاء نجاح هذه الدعوى. اهتم الكندي بتوضيح العلاقة بين المنهج والمعرفة، ورسم حدوداً جعلت منه أول فيلسوف عربي مسلم وضع قضية المعرفة في إطار فلسفي إسلامي بالمعنى الشامل. أثبت البحث اهتمام الكندي بتصنيف العلوم وأهمية هذا التصنيف في منهج التوفيق، فوضع نظرية في تصنيف العلوم تقوم على أساس الجمع بين العلوم الدينية والعلوم الفلسفية المعروفة عند اليونان، وبذلك يكون الكندي قد وضع أساساً لتصنيف العلوم استفاد منه جميع مفكري الإسلام. أدرك الكندي أن لكل علم منهجاً خاصاً به، حيث سبق الكثيرين من دعاة المنهج في عصور الفكر المتعاقبة، وذلك حين أوضح اختلاف المناهج بحسب طبيعة الموضوعات. أدرك الكندي كذلك أهمية القواعد المنهجية التي يجب أن يلتزم بها الباحث في بحثه، كالتقسيم والترتيب والتحليل والتركيب، وهي قواعد لا غنى عنها في أي بحث ينشد الدقة المنهجية والعلمية. كشف البحث أن الكندي كان من الرواد الأوائل الذين مهدوا الطريق لظهور المنهج التجريبي، حيث اهتم اهتماماً شديداً بعناصر هذا المنهج، كما عُرفت في هذا العصر الحديث، فأكد على أهمية الملاحظة والتجربة والفروض، وقد جمع الكندي في منهجه التجريبي بين الاستقراء والاستنباط جمعاً لم يظهر له مثيل إلاّ في المنهج العلمي الحديث. مارس الكندي المنهج التجريبي ممارسة فعلية في مجالات كثيرة منها: مجال علم الجغرافيا والفيزياء. في مجال الكيمياء تبيّن لنا أن الكندي لم يرفض الكيمياء على الإطلاق، وإنما رفض فقط مسألة تحويل المعادن غير النفيسة إلى ذهب وفضة، وهو بذلك أول فيلسوف عربي مسلم يحارب الاتجاه القديم في تاريخ الكيمياء عند العرب، وقد سار على نهجه ابن سينا والبيروني، وابن تيمية وابن خلدون وغيرهم. إلاّ أنه مارس الكيمياء في موضوعات أخرى مثل كيمياء العطور وفي صناعة السيوف، وفي تحضير العقاقير. . . واستخدم في ذلك جميع العمليات الكيميائية. إن الكندي من الفلاسفة المسلمين الذين اهتموا بعلم الفلك، وقد شارك في تجديده، وتجلّت منهجيته في علم الفلك حين جمع بين الاستقراء والاستدلال. أثبت البحث أن الكندي صاحب نزعة رياضية واضحة وهو ما صرّح به في معظم رسائله، حين أكّد على وجوب تعلّم الرياضيات قبل الفلسفة، وتجلّت نزعته الرياضية في اهتمامه بالمنهج الاستدلالي الرياضي واستخدامه في كثير من المجالات خاصة في المباحث الفلسفية، إلى جانب استخدامه البراهين الهندسية في كثير من العلوم الطبيعية، كالفيزياء والفلك وغيرهما، وهو في هذا قد سبق ديكارت أكبر روّاد هذا الاتجاه في العصر الحديث. إن رسائل الكندي التي بلغتنا تُظهر على نحو يكاد يكون قاطعاً أن الكندي، خلافاً لما ذهب إليه بعض النقاد القدماء قد انحرف عن تعليم أرسطو في عدد من المسائل الكبرى، وبقى أميناً لروح الشريعة الإسلامية، ومثال ذلك قوله أن حقيقة الوحي يستطاع إثباتها بالقياس المنطقي على وجه لا يتصدى لإنكاره إلاّ الجاهل أو أن الحقيقة المنزّلة تفوق الحكمة الإنسانية مرتّبة، كما يفوق الأنبياء الذين ينطقون باسم الله، والذين هم حملة العلم الإلهي سائر البشر، وفضلاً عن ذلك فقد انضم إلى فئة المتكلمين الذين انتصروا للعديد من العقائد الإسلامية الأساسية في وجه تهجمات الماديين والمانويين والملحدين، وانحراف العديد من الفلاسفة الآخرين، ويشهد على ذلك دفاعه عن فكرة حدوث العالم من العدم، وعن حشر الأجساد، والمكان، وحدوث المعجزات، وصحّة الوحي النبوي، وقدرة الله على إحداث العالم وإفنائه. . . إلخ.
سهام أحمد الإريبع(2011)

((التيار العقلاني النقدي عند ابن رشد))

لعلنا لاحظنا من خلال دراسة موضوع ((التيار العقلاني النقدي عند ابن رشد )) كيف أن فيلسوفنا ابن رشد حريصاً كل الحرص لإبراز دور العقل والنقد في تكوين المعرفة الصحيحة ، خاصة أنه عاش في بيئة ساعدته أن يكون من دعاة العقل ، استطاع ابن رشد من حلال حسه النقدي الممزوج مع العقل ، أن يقف على قمة الهرم الفلسفي في تلك الفترة ، فقد ترك لنا ألاف الصفحات التي لم نستفيد منها بالطريقة الصحية ، في الوقت الذي نجد فيه الأوربيون وصلوا به إلى قمة الفهم والإبداع. فقد تمسك ابن رشد بالبرهان لأنه أسمى صور اليقين عنده ، أمن بوحدة الحقيقة أي كان مصدرها ((لأن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد عليه ))(1) وأن القرآن الكريم قد أولى اهتمام كبير بالعقل ودعا إلى استعماله بالصورة الصحيحة لأنه وسيلة لإدراك الحقيقة . فالحقيقة في نظر ابن رشد((هي تلك الأحكام والقضايا العامة التي نتوصل إليها باستعمال النظر العقلي في الموجودات لاستخراج المجهول من المعلوم))(2). وهذا التعدد عند ابن رشد هو أساس حرية الفكر عنده ، وهذا يتفق مع وحدة العقل التي قال بها، وأن المعرفة تعني مشاركة الفكر البشري ككل ، فجوهر فلسفية . ابن رشد أن العقل يطغى على الإيمان فكلاهما يعبران عن حقيقة واحدة ، وهذا يعني أنه لا يمكن لعبارة واحدة أن تستوعب الحقيقة أو تمتلكها لأن الحقيقة هي التي تملكنا جميعا. وقد تحدث ابن رشد أيضاً عن الوجود الإلهي وقدم الأدلة علي وجود الله وخاطب كل العقول البشرية دون تميز، ووصل من خلال ذلك إلي أن الله واحد لا شريك له وهو المرتب والمنظم والمدبر لهذا الكون. أما في مسألة التأويل فقد أكد علي أن طباع الناس متفاوتة في التصديق فأعلاهم الفيلسوف البرهاني، وهذا لا يعد تطرفاً من ابن رشد بأنه أعلى من شأن الفلسفة على حساب الدين، بل استخدم التأويل في حل الإشكاليات المتمثلة في تأويل النصوص الدينية ، وما يترتب عنها من خلاف بين العقل والدين، وهي دعوى أخرى واضحة وصريحة تبين مدي التزام ابن الرشد بالعقل في كل فلسفته، فنراه لا يتردد في نقد أراء الآخرين التي تتعارض مع العقل ، فهذا الموقف الذي اتخذه ابن رشد من التأويل صدر من ثقافة عصره من جهة ومن منهجه العقلى الخاص به من جهة اخرى. أما بخصوص العقل في فلسفته فقد قدم مفهوم العقل بصورة واضحة وبكل ما تعنيه هذه الكلمة من معني ، وقسمه إلى ثلاثة أقسام العقل المادي والعقل النظري والعقل بالفعل، وبين وظيفة كل واحد منهم، ولا يعني ذلك أن كل منهم منفرد في مكان وجهة عن الأخر بل كلها تتفاعل معا من أجل تكوين المعرفة في العقل ، حيث يبدأ العمل من العقل المنفعل انتهاءً بالعقل المستفاد مرور بالعقل النظري والعقل بالفعل والعقل بالملكة، وكل ذلك يتم داخــل سياج العقل ، فلكل دوره فــي مسيـرته إلـى المعـرفــة. أما عن مسألة علاقة العقل والوجود عند ابن رشد فقد قال بقدم العالم بناءً على فهمه لسببية الأفعال من خلال التلازم بين الإرادة الإلهية وفعلها في العالم ، فإرادة الله لا تغير فيها ، وفعله لا ينفصل عن وجوده فهو أزلي قديم عند كل المسلمين ، والشرع لا يطلب منا أكثر من أن العالم له عله وهي الله أما عن قول ابن رشد بالعلاقة الضرورية بين الأسباب والمسببات فهو ينطلق من التزامه النقدي رداً على الأشاعرة الذين جعلوا جميع أفعال الموجودات جائزة وأنكروا وجود الأسباب الفاعلة فرفعوا العقل وأنكروا دوره ، فكل ظاهرة لابد لها من علة ، وهذه العلة لابد أن تنتج نفس معلولها في الظروف الواحدة ، فإذا اعتبرنا النار علة للإحراق فمن المحال أن تفعل غير هذا الفعل، فهناك تناسب بين العلة والمعلول وفق نظام الطبيعة . أما عن مسألة إنكار السببية وخرق العادات وحدوث المعجزات . فابن رشد يرفض كل ما قال به الغزالي والأشاعرة بخصوص هذه المواضيع لأنها جحود ونكــــران فـي حق الصانع الحكيم ، فالمعجزة الحقة عند ابن رشد تتمثل في العلم والعمل والإخبار عن الغيب وهي الأفعال الصادرة عن الصفة التي سمى بها النبي بها نبياً، ولذلك كان القرآن الكريم هو المعجزة الحقة لمحمد صلى الله عليه وسلم. أما بخصوص مسألة علاقة العقل بالإنسان عند ابن رشد فقد بين أنها علاقة تكاملية ، فلا يمكن للإنسان أن يصل لأعلى مراتب المعرفة دون العقل ، ولا يمكن للعقل أن يوظف إمكانياته دون وجود الإنسان الذي هو الأداة المترجمة للعقل ، وأن ما يميز رؤية ابن رشد للإنسان سواء على مستوى النوع الإنسان أو الفرد مرتبط بإيمانه العميق بقدرة الإنسان على الوصول لأبعد الأفاق المعرفية وامتلاكها، فالحكيم عند ابن رشد ((هو الإنسان العاقل الذي لا يترك نفسه رهن الأهواء والرغبات الطارئة ))(1). حيث يرى أن بالعقل تتم المعرفة الإنسانية، وأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يملك العقل وعليه أن يوظفه فيما يحقق له وللآخرين الخير والسعادة . تحدث ابن رشد أيضاً عن علاقة العقل بالمعرفة ورأينا كيف ربط بين العقل كأداة رئيسية في تكوين المعرفة خاصة العقلية، لأن ابن رشد ميز بين نوعيين من المعرفة الأولى حسية والثانية عقلية وهي الأساس، لأنه اعتمدا فيها على البرهان العقلي وكل ما نصل إليه عن طريق العقل فهو صادق ويقيني عند ابن رشد . أما عن مسألة نقد ابن رشد لأهل الظاهر وعلماء المتكلمين والمتصوفة فهي من منطلق إيمانه بالعقل، ورفضه الوقوف عند ظاهر النص وقصور منهجهم عن استيعاب المشاكل الفكرية والفلسفية وحلها، أما المصوفية فيرى ابن رشد أنها تجربة شخصية وفردية ليست عامة لكل الناس، فالتصوف طريق سلوك لا طريق تفكير ينفع في حل مشكلات نفسية لسالكه، لاعتماده على العاطفة والخيال والوجدان وبالتالي لن يكون للعقل وجود ولا أي دور يقوم به. أما بخصوص مسألة التوجه العلمي عند ابن رشد فنرى أنه يؤكد على أن الإنسان يولد وفيه استعداد لتقبل العلم والتعلم واكتساب المعرفة ، وأنه لن يصل لذلك إلا بالدراسة والبحث وخاصة دراسة المنطق باعتباره الأداة التي تعصم العقل من الوقوع في الخطأ وترسم له طريقة التفكير السليم ومن ثم يضمن الحصول على المعرفة العلمية الصحيحة . وأخيراً نستخلص مما سبق ما يلي: -بالرغم من اضطراب الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في بلاد الأندلس في الفترة التي عاش فيها ابن رشد، إلا أنه أستطاع أن يصوغ فلسفة إسلامية من طراز رفيع، أعاد فيها للعقل توازنه ومكانه الصحيح، وأثبت للعلم والفلسفة مشروعيتها، واستطاع أن يخلص العقل من الخرافات الأسطورية التي صاغها الفلاسفة الذين كانوا قبله . عن طريق العقل وحرية الفكر والبحث الجاد والهادف يستطيع الإنسان أن يصل لأعلى المراتب والمناصب العلمية والعملية، ويحقق سعادته وسعادة الآخرين، فكمال الإنسان بعقله، فأفضل الناس أقدرهم على الالتزام بأحكام العقل قولاً وفعلاً، فالعقل الإنساني لا يقف، والمعرفة تسير دائماً إلى الأمام . علينا أن نستفيد من ابن رشد كما استفاد منه غيرنا ولسنوات طويلة، فهو مرجعية كبيرة نفتخر بها وبالانتماء إليها، ولا أقل أن تكون لنا وقفة مماثلة له، تنظر إلى الأمور بعين العقل ومنطقه ونهدف فيها إلى تحقيق مصلحة الجميع، وأن لا نترك مجالاً لارتفاع صوت اللا معقول والعاطفة والوجدان على صوت العقل، وعلينا ألا نجعله وهو الحاكم محكوماً عليه، ولا هو المتبوع تابعاً، ولا نسلط عليه الهوى لأنه قاتله. التي حظي أصحابها بالشهرة وذيوع الصيت.
نجـاة إمحمــد الشـاوش(2010)

المنطق الأرسطي بين الفقهاء والصوفية ( الغزالي، ابن تيميه – أنموذجاً للدراسة )

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على الرسول الأمي الأمين وعلى آل بيته الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد في نهاية هذه الدراسة أتمني من الله التوفيق في انجاز هذا العمل ،وان يظهر بالصورة التي يتمناها الباحث ، حيث سأحاول أن أبين النتائج التي تما الوصول أليها لدى كل من الغزالي وابن تيمية ، حيث لو تحدثنا عن الغزالي لوجدناه مدافعاً عن المنطق الأرسطي ،بمعنى انه مسايراً له ،فهو يعتبر المنطق الأرسطي اده مهمة في تحصيل المعرفة ،ولذلك كان اعتماد الغزالي على هذا العلم بشكل كبير ، فالغزالي دائم البحث عن الحقائق الثابتة التي لا يحصل معها شك و لا اعتقاد ولذلك يرى ان المنطق يوصل إلى الحقائق الثابتة وذلك لان منهج الغزالي معتمد على اليقين أو على الحقائق الثابتة ولذلك وجد الغزالي ان أكثر طريق يوصل إلى هذه الحقائق وأسلمها هو طريق معيار العلم ،حيث ان أتباع هذا الطريق يعصم الذهن من الزلل ، ومما يؤكد علية الغزال يهو فطرية المنطق أما عن ابن تيمية وبعد ان تمت دراسة المنطق عند هذا الرجل ومعرفة معني المنطق عنده ،فأنه لا يمكن القول ان ابن تيمية رفض المنطق الأرسطي ، وذلك لان ابن تيمية لا يرفض المنطق الأرسطي ، بل كان نقده موجة إلى نقطتين وهما الحد الأوسط و القضية الكلية ،ففي البداية يوجه ابن تيمية النقد إلى هاتين النقطتين ويحاول أن يبين أن الخلل ليس في المنطق كله وإنما مركز في الحد الأوسط والقضية الكلية ،وبعد ان حاول أن يثبت الخلل في هاتين النقطتين نلاحظ ان ابن تيمية يتراجع عن هذا الرأي ويؤكد ان الحد الأوسط والقضية الكلية لهما أهمية كبرى في عملية المعرفة ويعود ويعترف بقائدتهما، حيث ان ابن تيمية فى بداية حديثة عن الحد الأوسط يعتبره عملية زائدة ، اذ يقول انه يمكن الوصول الى النتائج مباشرة ، وهذا ليس دليل على رفض الحد الأوسط ، لان هناك من لا يستطيع الوصول الى النتائج التي يتحدث عنها ابن تيمية ، وباعتراف ابن تيمية نفسه حيث يقول ان الناس تتفاوت فى قوى الأذهان . وبالتالي يمكن لي القول وبعد المقارنة بين هاذين الرجلين أن الغزالي مؤيد للمنطق الارسطى دون أن يوجه اى نقد إلى هذا العلم ،بل يعتبر ساهم بشكل كبير في دخول هذا العلم إلى العالم الإسلامي، أما عن ابن تيمية فرغم انتقاده للقضية الكلية و الحد الأوسط إلا انه يعود ويعترف بفائدتهما، وهذا ما يفتح الباب امام الباحثين لمعرفة سبب نفد ابن تيمية لهذا العلم ، وذلك لان الامر اذا كان متعلق بأسباب فكرية لما غير ابن تيمية رأيه ، ولكن ما هو السبب ؟ وفى نهاية هذه الدراسة لا يمكن سوى القول أن للمنطق الأرسطي فائدة عظيمة تجني من خلاله وذلك بَين من خلال رأى كل من الغزالي وابن تيمية. وختاماً أتمني أن أكون قد وفقت في بيان المنطق الارسطى عند هاذين المفكرين باعتبارهما من أهم المفكرين على الساحة الإسلامية.
فرج أمبارك حامد(2010)

نظرية العقد الإجتماعي وشرعية الدولة عند توماس هوبز " دراسة وصفية تحليلية نقدية "

بما أن الإنسان إجتماعي بطبعه أو ميالاً إلى الإجتماع فلا يمكنه أن يعيش في هذه الحياة منفرداً أو منعزلاً عن بني جنسه فهو في حاجة إلى العيش في جماعات منذ ولادته، قال تعالى: ﴿ يَأَيُهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأنثَى وَجَعَلنَاكُم شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواْ إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقَاكُم إِنَّ اللهَ عَلِيمُ خَبِيرٌ ﴾ (1)، فمن العسير بالنسبة لإى إنسان أن يعيش بمعزل عن الأخرين لأنه في هذه الحالة لن يستطيع توفير معظم إحتياجاته الضرورية . فحياة الأفراد عبارة عن تعاون وتبادل مصالح قال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى البِرِ وَالتَّقوَى وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثمِ وَالعُدوَانِ وإتَّقُواْ اللهَ إِنَ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ ﴾(2) . وكل ذلك لا يمكن أن يحدث إلا بقيام الدولة التي توفر للأفراد الأمن والآمان، وهذا ما أدى بالمفكرين السياسيين إلى صوغ العديد من النظريات التى فى إطارها ظهرت نظرية العقد الإجتماعي عند هوبز. لهذه النظرية صدىً كبير في تاريخ الفكر السياسي بسبب آرائها وأفكارها السياسية والأخلاقية التي أراد بها أن تجعل حياة الأفراد منظمة وآمنة . وقد قسم هوبز الحياة البشرية إلى مرحلتين: المرحلة الأولى هي المرحلة الطبيعية التي كان الأفراد يعيشون فيها في فوضى تامة حيث صور فيها الإنسان بأنه كائن أناني بطبعه لا يسعى إلا لإشباع رغباته وشهواته ، وكل فرد له الحق في كل شي، ليس هناك ظالم ولا مظلوم بل هي حرب الكل ضد الكل. أما الرحلة الثانية فهي المرحلة المدنية والتي لا تأتي إلا بعد إتفاق يقوم به الأفراد فيما بينهم للخروج من الحالة الطبيعية ويختارون فيه شخصاً معيناً أو مجموعة أشخاص يكونون السلطة الحاكمة التي ليست طرفاً في ذلك الإتفاق ومهمتها تنظيم حياتهم وضمان الأمن والإستقرار لهم وفي المقابل يتنازلون هم عن كافة الحقوق والممتلكات الخاصة بهم، وهذا ما يطلق عليه هوبز العقد الإجتماعي الذي عن طريقه تتكون الدولة. ونتيجة لذلك الإتفاق تبرز مجموعة من القوانين الطبيعية التي تنظم سلوك الأفراد في الحالة المدنية و تحافظ على حياتهم وتحقق السلام المنشود. ورغم أن هذه القوانين برزت نتيجة للتعاقد إلا أنها في رأي هوبز كانت موجودة داخل الأفراد في الحالة الطبيعية ، فكل فرد بداخله رغبة في السلام ونتيجة لإستعماله لعقله تمكن من تحقيق ذلك. إن الأفكار المتعلقة بتكوين الدولة ودور الأفراد داخل هذه الدولة التي قدمها هوبز لعبت دوراً مهما في تاريخ الفكر السياسي الغربي وذلك لإنسجام هذه الأراء التعاقدية مع الأنظمة الملكية السائدة انذاك. بل أن ما جاء به هوبز من أفكار وتصورات تعد تبرير واضح للنظام الملكي الإنكليزي في ذلك الوقت. والأكثر من ذلك فإن بعضا من هذه الأفكار ظهرت متناقضة مع غيرها. ومن أبرز التناقضات التي وقع فيها هوبز هي إصراراه على أن الإنسان كان يعيش في حالة الطبيعة والتي وصفها بأنها حياة بائسة وذليلة لكثرة الصراعات والحروب الموجودة فيها بين الأفراد، كما وصف الإنسان بأنه أناني بطبعه دون الإستناد إلى أي دليل واضح، وحتى يخرج الأفراد من هذه الحياة فلابد لهم من اللجوء إلى التعاقد فيما بينهم على إختيار من يحكمهم، ويضرب بيد من حديد حتى يوفر لهم الأمن والآمان، شرط أن يتنازلوا له عن كافة حقوقهم وممتلكاتهم الطبيعية. وهنا تبرز لهم عدة أسئلة يمكن طرحها ضد هذه الفرضية المتشائمة ، فكيف لأي إنسان أن يعيش في أمن وآمان وقد تخلى عن أبسط حقوقه؟ وكيف له أن يكون إنسان حر داخل الدولة وهو مجرد من كافة حقوقه الطبيعية؟ وكيف لهوبز أن يقول بأن الحق الطبيعي للإنسان هو أن يستخدم كافة قدراته كما يشاء وكيفما يشاء وفي الوقت الذي يشاء وأن يحافظ على حياته ويشبع رغباته وقد تنازل عن حقوقه وممتلكاته؟ فكيف للإنسان أن يحافظ على حريته وقد تنازل لغيره؟ فما الفرق إذاً بين الحياة الطبيعية التي وصفها هوبز بأنها سبب تعاسة البشرية وبين هذه الحياة المدنية التي هي عبارة عن حاكم هو السيد وبين الرعية وهم العبيد المجردين من الحرية والملكية. بدلك لن يكون هناك أي إختلاف بين هؤلاء الأفراد وبين بقية الكائنات الحيوانية التي لا تستطيع التعبير عن حريتها وإرادتها الإنسانية. أما التناقض الآخر الذي وقع فيه هوبز هو تأكيده بأنه ليس من المهم أن تكون السلطة في يد شخص واحد أو في يد مجموعة من الأفراد. إذا فرضنا أن السلطة التعاقدية يمثلها مجموعة من الأفراد فإن السؤال الذي يمكن أن يطرح هو ما الذي يضمن عدم إختلاف تلك المجموعة في الرأي فيما بينها مما يؤدي إلى محاولة كل واحد منهم إلى فرض رأيه على الرعية ولو بالقوة رغما عن بقية تلك المجموعة ، وخاصة أن مبدأ المنفعة الذاتية متأصل في الطبيعة البشرية وفعال حتى في المرحلة المدنية ولو بطريقة غير مباشرة . إن هذا حتماً سوف يؤدي إلى قيام حرب لا هوادة فيها بينهم فتكثر الحروب والصراعات ويعود الحال على ما كان عليه في حالة الطبيعة. وكل هذه التناقضات جعلت نظرية هوبز بدلا من أن تكون نظرية تضمن الحرية وتحقق السعادة للأفراد داخل الدولة أصبحت نظرية تؤدي إلى الإضطهاد والإستعباد ومصادرة الحريات الأمر الذي يقود إلى قيام أنظمة الحكم الدكتاتورية المطلقة. أيضاً بالنسبة للتعاقد نفسه فلا يمكن لعدد كبير جداً من الأفراد أن يتفقوا على رأى واحد بل من الطبيعي أن يكون هناك عدد معين خارج عن هذا الاتفاق، وإذا أهمل رأي هذه الأقلية سيدخلون في هذا التعاقد رغما عنهم ودون رضاهم بالتالي سيجبرون على التنازل عن حقوقهم. كل هذه التناقضات تحسب ضد هذه النظرية التي جاء بها هوبز وليس لها، وهذا يجعل منها نظرية سلبية لا تقوم مطلقا على أي أسس تعاقدية. وقد تم طرح عدد من الأسئلة في المقدمة تمت الإجابة عليها ضمن محتويات هذه الدراسة منها: -هل أساس العقد هو الحاجة أم الخدمة؟ج- من خلال ما سبق دراسته نجد أن أساس العقد عند هوبز هو الحاجة، أي حاجة الأفراد إلى السلام والأمن حاجتهم أيضا إلى توفير كافة الأشياء الضرورية التي لا يستطيع الفرد بمفرده توفيرها إلا إذا إنظم إلى الجماعة . هل الحكومة المالكة للقوة يمكن أن تجسد العدالة داخل الدولة؟لا يمكن لأي حكومة تعتمد على القوة في حكمها أن تجسد العدالة داخل الدولة،إذ أنها وباعتمادها على القوة في حكمها لابد وأن تكون قد إستعملت تلك القوة في إرتكاب الظلم تجاه بعض الأفراد الذين لا يطيعون أوامرها وإن كانت خاطئة. هل حققت القوانين التي وضعها هوبز للأفراد نوعاً من العدالة داخل الدولة؟يقول هوبز بأن القوانين الطبيعية هي عبارة عن قاعدة أو فكرة يستنبطها العقل لمساعدة الإنسان على الإنسجام مع غيره دون أن يخشى على حياته، وهنا نجده يربط بين القانون الطبيعي والقانون الوضعي حيث كلاهما ناتج عن عقل الإنسان الذي يسعى إلى السلام الدائم من خلال إستنباطه لهذه القوانين . إلا أنه جعل هذه القوانين دون جدوى عندما قال بأن تنازل الأفراد عن حقوقهم وممتلكاتهم يتضمن أيضا تنازلهم عن حقهم في سن القوانين والتشريعات التي تضمن لهم حماية حياتهم للحاكم المنتخب، فكيف يمكن للقوانين التي وضعها فرد واحد أن تتناسب مع متطلبات ورغبات مجموعة من الأفراد وتحقق لهم العدالة العامة، إن مثل هذه القوانين في تصوري لن تحقق إلا مزيداً من الظلم والإضطهاد لكافة أفراد المجتمع . هل فرق هوبز بين الحكومة والدولة أم جعلهما شيئاً واحداً ؟ لم يفرق هوبز بين الدولة والحكومة بل جعل زوال الحاكم يعني زوال الدولة والعودة إلى حياة الفطرة فالدولة عنده هي الحكومة متجاهلاً بذلك الطرف الأهم في الدولة وهو المجتمع. هل يجوز الثورة على الحاكم؟رفض هوبز الثورة على الحاكم ورأى بأنه لا يمكن للأفراد أن يثوروا على الحاكم طالما أنه يحقق الهدف من التعاقد وهو ضمان الحماية الكاملة لأراوحهم وتحقيق السلام، بل حتى في تلك الظروف التي ربما يسلك فيها الحاكم سلوك الإستبداد بالأفراد فلا يحق لهم الثورة عليه لأنهم تعاقدوا على منحه سلطة مطلقة وغير محدودة. إن مسائلته عن تصرفاته يعتبره هوبز نوعاً من عدم العدالة، فهم من إختار ذلك الحاكم وإرادته هي إرادتهم، وإستبداده بهم هو نوع من العدالة، وذلك لكبح جماحهم والتغلب على نزعاتهم الأنانية، فلا يمكنه ردعهم إلا باستخدامه القوة، وقد وصل هوبز إلى حد وجوب قتل أي فرد يقرر الخروج على الحاكم. وقد قدم إستثناء بسيط يعطي للأفراد الحق في الثورة على الحاكم وهو إذا فشل الحاكم في تحقيق الهدف من التعاقد وهو تحقيق الأمن والآمان، وهنا فقط يحق لهم الثورة عليه لأنه لو إستمر في تصرفاته الخارجة عن شروط التعاقد سوف يعود بالأفراد إلى الحالة الطبيعية الأولى، وحتى في هذه الحالة فإن هوبز وضع شرطاً لمشروعية الثورة على الحاكم وهو أن يتفق الأفراد بشكل جماعي على الثورة ولا يحق لأي فرد أن يقرر الثورة على الحاكم بمفرده وإلا لأصبحت فوضي. تلك إذن نظرية العقد الإجتماعي التي إعتقد هوبز بأنها تنقل الأفراد من الظروف الطبيعية القاسية " حالة حرب الكل ضد الكل " إلى المرحلة المدنية " حالة الأمن والسلام " . وبذلك يكون هوبز بتصوره هذا قد جرد الإنسان من كل الحقوق الطبيعية "الحرية، الملكية، تقرير المصير، الدفاع عن النفس " وإستبدالها بالحقوق المدنية "عضوية المجتمع المدني، السلام" مقرونة بالخضوع والإستبداد. إنها محاولة تبدو في مظهرها مكسب للإنسانية وفي باطنها تبرير ودعم للأنظمة الإستبدادية الفردية والجماعية، فالسلام الذي يجرد الإنسان من الحرية وغيرها من الحقوق الطبيعية لا قيمة له ولا يساوي شيئاً، فالدولة التي تبنى على هذا الأساس لن تكون مشروعة، حيث أنها تبنى على فرضيات خاطئة .
شريفة ساسي محمد الوريمي(2010)

جبــر المنطق دراســــــة تحليلية

يتضح لنا ومن خلال هذا البحث أن اغلب الدراسات التي قدمتها كتب تاريخ العلم في مجال الفكر الرياضي، تبدو مبتورة ويعتريها العديد من النقص والتقصير، بل وأيضا تقدم دراسات تبدو في نظر الكثيرين أنها حقائق علمية، إلا أن ما أثبتته هذه الدراسة والدراسات الجادة التي اعتمدنا عليها في هذا البحث، يبدو الأمر مختلف، وذلك حين تغيب ما قدمته الحضارة الإسلامية من انجازات علمية خاصة في مجال الفكر الرياضي . بناء على ما سبق فان ما أثبتته هذه الدراسة يبدو على درجة عالية من الأهمية، ذلك إن علاقة العلم الإسلامي بالعلم الأوربي الحديث، لم تكن مرحلة قدمت فيها الحضارة الإسلامية تراث اليونان العلمي إلى أوربا، وإنما العلاقة بين العلم الإسلامي والعلم الأوربي الحديث تكمن في أنها نضج واكتمال وان لم نقل قطف الثمار ومحاولة الزرع من جديد. إن نسبة علم الجبر إلى الحضارات التي سبقت الحضارة الإسلامية كاليونانية مثلا كان نتيجة زيف وتضليل لا أكثر، ذلك إن علم الجبر هو منهج رياضي إسلامي نشاء داخل البيئة الإسلامية ، فهو يقع داخل الإطار الفكري العام للحضارة الإسلامية حيث يتشكل المنهج العلمي الإسلامي، لقد كانت حاجة الناس إليه هي الدافع إما لأغراض دينية أو لمصلحة مادية، كما عبر عن ذلك سارطون في كتابه تاريخ العلم حين قال عن البداية العملية للعلم ، إنه بدأ حينما عمد الناس إلى حل عديد من معضلات الحياة. . . ولكن هذه البداية كانت كافية لبدء العلم، فعلم الجبر منهج رياضي تحليلي يمتلك العديد من الصيغ التحليلية التجريدية التي لها من القدرة على فك المركبات العددية التي يصعب حلها، كما إن لهذه الصيغ التحليلية التي يمتلكها القدرة على وضع الحلول للعديد من المسائل والقضايا الرياضية الصعبة والمعقدة، والتي لم تستطع المناهج الرياضية السابقة إيجاد الحلول لها. إن التغيرات العلمية التي أحدثها علم الجبر في مجال الفكر الرياضي خاصة فيما يتعلق بالحساب الجبري والهندسة التحليلية بالإضافة إلى الرموز الجبرية، تكمن في تحرير هذه العلوم من ملازمة قوانين ومبادئ المنطق الأرسطي، والتي غالبا ما تنسبها كتب الرياضيات الحديثة إلى مفكري عصر النهضة الأوربية هي من انجازات الحضارة الإسلامية، التي قدمتها أسماء علماء يجب أن نصرح بها في كتابة تاريخ العلم، كالكرجي، والسمؤال، والكاشي، وعمر الخيام، والقلصادي، وابن الهائم ، قبل كتابة العديد من أسماء العلماء الذين تابعوا هذه الانجازات في أوربا، كبسكال، ونيوتن، وديكارت، وفيتا، وان لم نقل إن هؤلاء العلماء استفادوا مما قدمه أساتذتهم العلماء المسلمين في هذا المجال، فاستثمروا تلك الإمكانيات العلمية وعلى أجيال متعاقبة. بتعبير أكثر دقة فإن هذه الدراسة قد كشفت لنا على مجموعة من القضايا التي تبدو لنا ومن خلال هذا البحث أنها قضايا مهمة بالنسبة لتاريخ العلم وهذه القضايا تكمن في: أن علم الجبر هو منجـزات الحضارة الإسلامية، وان الخـوارزمي هو أول من أسس هذا العلم كعلم يهتـم بدراسة الصيغ التحليلية التجـريدية، المعادلات الجبـرية. أن الأسس التي قامت عليها نظرية ذات الحدين أو حساب الاحتمالات كما تسميها كتب الرياضيات الحديثة التي تنسب في العديد من الأبحاث العلمية إلى بسكال، ورفيني هوفر، ونيوتن، ما هي إلا نتاج الأبحاث العلمية بين علم الحساب وعلم الجبر التي قام بها كل من، الكرجي ، و السمؤال، والكاشي، ومن ثم فهي من منجزات الرياضيات الإسلامية. إن الهندسة التحليلية والتي تنسب إلى علماء عصر النهضة الأوربية وبالتحديد إلى ديكارت، ما هي إلا نتاج الأبحاث العلمية التي قام بها عمر الخيام من اجل تطوير الموضوع الجبري بالهندسة، كما إن - عمر الخيام - هو أول من قدم الحل الهندسي للمعادلات الجبرية من الدرجة الثالثة وصنفها وفق مجموعة من القواعد والصيغ التحليلية. إن الرموز الجبرية هي أيضا من منجزات الحضارة الإسلامية، وما تنسبه كتب الرياضيات الحديثة إلى عالم الرياضيات - فيتا - قد سبقه إلى ذلك كل من - ابن الهائم - والقلصادي. إن تأثير المنهج الإسلامي علم الجبر في تطوير موضوع المنطق الاستدلال، يبدو واضح وصريح ، حيث الانتقال من الصورية إلى التجريد الأكثر صورية. إن نظرية جبر المنطق والتي ساهمت وبشكل كبير في تحسين الدراسات المنطقية والرياضية، بما قدمته من أفكار وعالجته من قضايا منطقية ورياضية حيث إنها من الأساسات الأولى التي قام عليها المنطق الرياضي، ما هي إلا نتاج استثمار إمكانيات وتقنيات المنهج الرياضي الإسلامي علم الجبر في أوربا، خاصة فيما يتعلق بمفهوم العلاقة المنطقية. بناء على ذلك فقد كشفت لنا هذه الدراسة على إن استثمار إمكانيات المنهج الرياضي الإسلامي علم الجبر لم يقتصر على الرياضيات فقط، بل تعدى ذلك ليشمل المنطق نفسه، ذلك إن المنطق من العلوم التي لم يكن من المستطاع إضافة الشئ الكثير إلى مكوناته، إلا انه وبفعل التقنيات التي يمتلكها علم الجبر خاصة فيما يتعلق ببناء الصيغ التحليلية التجريدية، التي لا تهتم بتفسير العيان التجريبي المجسم بقدر ما تهتم بتفسير العلاقات القائمة بين العيان، رأينا ومن خلال هذه الدراسة كيف تم دمج الوحدة المنهجية بين علم الجبر والمنطق لتنفك حدود المنطق القديم حين ترتقي إلى أعلى مستوى من التجريد، ففي جبر المنطق أو حساب الفئات، تتعدد الصيغ التحليلية المنطقية، التي لم تعد تهتم بالصور والإشكال أي الحدود المجسمة، كالأنواع والأجناس مثلا، وإنما تهتم بالعلاقات القائمة بين حدود مجردة، أي أن الحدود نفسها لم تعد كما كانت بل هي رموز مجردة ( فئات ) مما دفع بموضوع المنطق الاستدلال إلى البحث عن العديد من الأنساق المنطقية، والصيغ التحليلية المجردة الخالية من التناقض، الأمر الذي ادخل المنطق والرياضيات في أفاق علمية جديدة.
خليفة سعيد الحراري(2010)